الشهيد القائد.. وعقل الدولة
موقع أنصار الله || مقالات ||أحمد يحيى الديلمي
يخطئ من يعتقد أن حركة فبراير الشعبية 2011م كانت بنت يومها أو بنت اللحظة، هذا الاعتقاد خاطئ جدا، فلقد بدأت الإرهاصات لذلك الحدث منذ زمن بعيد وكان للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – طيب الله ثراه – دور أساسي في إنعاش ذاكرة التحرر من الظلم والاستبداد والتبعية، لا أقول هذا الكلام جزافا أو من تلقاء نفسي لكنه يستند إلى شواهد حية أهمها ذلك الاجتماع أو اللقاء الذي حدث في منزل المرحوم الأستاذ/ محمد عبد الرحمن الرباعي، رحمة الله عليه، وكان على رأس الحضور الشهيد المغدور الأستاذ العلامة جار الله عمر الكهالي، رحمة الله عليه ، ودار الحديث يومها عقب الانتخابات البرلمانية لعام 1993م التي كان الشهيد القائد أحد الأشخاص الذين نالوا ثقة الجماهير وحالفه الفوز فيها بينما كان الشهيد جار الله عمر آنذاك وزيراً للثقافة وفق التوليفة التي أعدها عفاش وجمعت الثلاثي الإصلاح والمؤتمر والاشتراكي ، لكنها لم تدم طويلا فسرعان ما حدث الخلاف وتمت تلك الفظائع الكبيرة التي اختتمت بحرب 1994م الإجرامية ، ومن هذا الأساس انطلق الشهيد القائد وهو يتحدث عن أوضاع البلاد والحال الذي وصل إليه الناس بفعل حركة عفاش السلبية وانقياده الطوعي لأمريكا والسعودية بالذات والغرب بشكل عام، وبالفعل توالت الآراء وكلها أكدت على أهمية الحركة الشعبية وخروج الجماهير في مظاهرات عارمة تطالب بالتغيير وكان المحذور الوحيد الذي اتفق عليه الجميع هو الدور السلبي للإصلاح ، قال الشهيد جار الله عمر “وإن كان هذا الحزب قد وضع رجلا في المعارضة معكم في ما يسمى بالمشترك وأخرى مع النظام، وها هي الانتخابات الأخيرة تكشف بجلاء كيف أن هذا الحزب متضامن كليا مع النظام وعلى اتفاق غير معلن وواضح مع عفاش فلقد تم التنسيق بينهم على توزيع الدوائر الانتخابية، في حين رفض أن يحدث هذا معكم وأنتم في الظاهر كيان مشترك لكنه يقف معكم من باب التقية وخلط المواقف، وهذا ما يجعلنا نتوجس كثيرا من أي حركة جماهيرية خوفا على الشباب إذا ما خرجوا إلى الشوارع وطالبوا بالتغيير، والإصلاح ليس صادقاً وليس مستعداً أن يتعاطى بعقل الدولة كونه معروفا عنه تقديس عقل الجماعة ويعمل من خلال هذه الرؤى ليس في اليمن فقط ولكنها حالة شاذة فرضت نفسها على حركة الإخوان المسلمين في العالم وهي التي ستودي إلى وأد هذه الحركة في المستقبل القريب”، وأضاف جار الله عمر “أنا معك في أن هذه الجماعة تقدس عقل الحركة وتتآمر على عقل الدولة وكأنه لا يمكن أن تُنتشل هذه الأمور إلا من خلال هذه الرؤى الضيقة ، وعلى فكرة يا سيد حسين هذه حالة الانغلاق التام على الذات أحاطت بكل الحركات السياسية في الوطن العربي بالذات وهي أكثر حضورا في الحركات الدينية لأن الماضي ببعده القبلي الضيق لا يزال معشعشا في الأذهان وهو الذي يفرض التوجهات على الحركات السياسية حتى نحن في الاشتراكي، أعترف أن القبيلة ظلت هي الطاغية وصاحبة اليد الطولى تارة بقرنها الواضح وأخرى بأسلوب مناطقي، وفي الأخير حدث ما حدث نتيجة هذا الانغلاق وتكريس الذات بقبحها وحسنها، كلنا ظللنا عبيدا للذات وإن في أعلى المناصب الحزبية، أما الإخوان فهم أكثر انغلاقا وميلا للتطرف وإقصاء الآخر المعارض وإن كان إسلاميا فهو في نظرهم كافر ، لا شريك له ، وهذا ما حدث معي شخصيا فلقد صدرت ضدي عدة فتاوى وأباحت دمي إلا أن الله كان حافظا لي”، وتحدث الأستاذ الرباعي “كلنا في نظر هؤلاء مرتدين عن الدين ، طبعا الدين ليس الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ولكن من وجهة النظر الوهابية الضيقة وهذا ما يجعلني أحس بالندم لأننا دخلنا في تحالف مع هذه الجماعة واعتقدنا أنهم سيكونون قوة للمشترك لكنهم للأسف لا يزالون يمارسون نفس اللعبة، رجل مع علي وأخرى مع معاوية ، وهذا ما نخشاه في المستقبل.
أكتفي بما سبق مما قيل في ذلك اللقاء وأعود إلى سياق الموضوع لأؤكد أن هذا ما حدث بالفعل بعد حركة فبراير، فلقد خرج الشباب بشكل عفوي يطالبون بالتغيير إلا أن الإصلاح فرض إرادته واستحوذ على كل شيء في الساحة حيناً بدعوى التمويل وحيناً أخرى بدعوى قوة الحضور، وكلاهما أشياء كاذبة، فالتمويل كان من قطر، وقوة الحضور بحسب شهود كانت لأنصار الله إذا ما أضفنا التصميم وقوة الإرادة وامتلاك ناصية القرار، أما أولئك فلقد كان كل شيء يتم باستشارة السفيرين الأمريكي والسعودي وأحيانا السفير القطري عندما يحين وقت التمويل ودفع الأموال ، إنها كارثة ومصيبة.
رحم الله الشهيد القائد .. فلقد كان يمتلك رؤية ثاقبة وحذر من هذه الهاوية قبل حدوثها بسنوات وإن كان هو قد ذهب ضحية هذا التوجه والفهم المبكر للأحداث، ونتمنى أن تستوعب قيادة أنصار الله هذا المضمون وتعمل على تجاوزه لتسير الأمور وفق الرؤية التي وضعها الشهيد القائد – طيب الله ثراه – فاليوم اليمن بحاجة إلى تكاتف كل أبنائه وإلى وجود رؤية مشتركة تؤلف بين كل اليمنيين خاصة أننا نمتلك تراثا عظيما في هذا الجانب بالذات في ما يتعلق بالمذاهب، فلقد تعايش اليمنيون جميعاً الزيدي والشافعي والصوفي على مدى مئات السنين حتى جاء شيطان نجد فحاول أن يغير هذا الصيغة العظيمة ويكرس الانقسام ويثير الفتن على أساس مذهبي بغيض .
والله أسأل أن يجنب البلاد المكاره وأن يتغمد الفقيد وكل المناضلين الأبطال – وفي المقدمة الأستاذ الرباعي والأستاذ الشهيد المغدور جار الله عمر – بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته وأن يمكننا من السير في نفس الطريق الذي رسموه بالذات ما صدر عن الشهيد القائد من أفكار ورؤى عظيمة إذا ما تمسكنا بها فإننا سنظل في الطريق السوي وعلى نفس المنهاج حتى يتحقق النصر ونمتلك الإرادة القوية للبناء والتنمية بعيدا عن التبعية التي أجبرونا عليها عقودا من الزمن، والمستقبل يبشر بالكثير من الخيرات وعلينا فقط أن نخلص النوايا وأن نكون عند مستوى المسؤولية حيث ما كان الموقع الذي نشغله ..
والله من وراء القصد ،،