الهولوكوست وتنومة

‏موقع أنصار الله || مقالات || أمين المتوكل

القضيةُ كمفردة من الناحية الفلسفية هي تبدأ من حدث أَو مجموعة من الأحداث تنقل الإنسان أَو جماعة من الناس من واقع إلى واقع آخر رديء تتطلب من الإنسان أن يتخذ مواقف تجاه تلك الأحداث لرد الأمور إلى نصابها فتكون هنالك القضية.. وغالبًا ما يترك الإنسان مسؤوليته تجاه ذلك ويتكيف مع الواقع الجديد، ولكن الأيّام القادمة ستدفِّعُه ثمنَ التكيف.

بدأت هذه المقالة بتنظير فلسفي حتى يكون الأَسَاس لانطلاقة مبنية على قليل من الحقائق والقضايا للتعامل معها.

اليهود يعرفون جيِّدًا من أين تؤكل الكتف.. وكيف يتفاعلون مع القضية -أية قضية- تمسهم لجعلها رأياً عاماً.. ويجندون الدنيا والأموال والقوى السياسية والفكرية والذهنية والإعلامية والفنية لتكون هذه القضية أَو تلك قضية عالمية تشغل بال العالم وتشعل فتيل الصراخ والنواح والثبور لتلك القضية، فيصبح ما يجرمه اليهود جريمة عالمية وما يرضه اليهود فيه رضا لكل العالم.

الهولوكوست.. إحدى القضايا التي كسر اليهود بها رؤوس العالم ليل نهار، وبغض النظر عن حقيقتها أَو المبالغة فيها أَو عدم وجودها من الأَسَاس كما أنكر الكثير من الكُتاب الأمريكيين وفلاسفة فرنسيين في كتبهم بعدم وجود شيء اسمه هولوكوست.

ولكن هذه القضية أصبحت ذات رأي عام عالمي.. وأصبح مصطلحُ معادَاة السامية ورقةَ اتّهام تقرُّها دولٌ كبرى يتم رميُها تجاه من يعادي اليهود.

وكيف استطاع اليهودُ توظيفَ حتى رموز إسلامية (مزيَّفة) للذهاب إلى مكان محرقة الهولوكوست للصلاة فيها والترحم على تلك الأرواح التي أحرقتها النازية.

استطاع اليهود وانطلاقاً من قصة الهولوكوست أن يجعلوها قضية رأي عام وامتد الأمرُ إلى تفعيل مصطلح معادَاة السامية بحيث ظلت قضية عمرها من منتصف القرن العشرين حية يتم استثمارُها اليوم حتى داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة

 

ماذا عن تنومة؟

مجزرة تنومة التي قتل فيها آلُ سعود مئات الحجاج اليمنيين في منطقة تنومة كانت جريمة تاريخية مروعة.. لو فقط نشعر بأننا أبناء ذلك الزمن..، حَيثُ للحج وأيام ذي الحجّـة مذاق روحاني خالص وأرواح متألفة وحب إيمَـاني صادق وأمن يكتنف اليمن.. وفجأة تتبادر إلى أذهاننا خبر يحمل عنوان مقتل مئات الحجاج بطريقة بشعة في تنومة من قبل قوات آل سعود.

لن نستطيع أن نعيش تلك الهزة وذلك القهر إلا أن نقاربه حينما نرى الفيلم الوثائقي حول المجزرة.. كيف تهتز قلوبنا وتستثار حفيظتنا ونرى أن المجاهدين في الجيش واللجان الشعبيّة يثلجون صدورنا اليوم انتقاماً من تلك الجريمة.

طبعاً.. الجريمة تحمل بعداً قوياً جِـدًّا تكون فيه المظلومية أكثر عمقاً وإثارة وهو أن الضحايا لهذه الجريمة لم يكونوا مسافرين للذهاب للبحث عن لقمة العيش أَو مسافرين إلى أُورُوبا جعلوا من أراضي السعوديّة ممراً لهم.. الأمر ليس كذلك

الضحايا كانوا حجاج بيت الله الحرام.. والقتلة ليسوا فرنسيين أَو من يهود الدونمة في تركيا.. بل من نفس الدولة التي ترعى حجاج بيت الله الحرام.

يعني نحن أمام قضية مؤلمة جِـدًّا بأبعادها، ولكن مَـا هِي قيمة هذه القضية اليوم؟

رغم تلك الجهود المبذولة لا سِـيَّـما في السنوات الأخيرة في التعريف بهذه القضية بشكل أكثر اتساعاً وبأساليب متعددة لاقت رواجاً كَثيراً وتفاعلاً مطلوباً غرست الوعي التاريخي بهذه القضية في كثير من العقول والأفئدة اليمنية.. إلا أن الأمر أصبح مقروناً بزمن معين وبجهود معينه تتلاشى غالبًا بانتهاء الذكرى الزمنية للقضية.

الله سبحانه وتعالى يريد لنا أن تكون قضايا المظلومية حية دائمة هنا وهناك وبشكل مُستمرّ لتكون ركيزة أَسَاسية في مرتكزات النخوة اليمنية والانطلاقة الشريفة في مناقشة المظلوميات والانتصار لها.

أنا لا أفهمُ في الأمور القانونية ولكن لا بُـدَّ أن تأخذ هذه القضية بعداً قانونياً على المستوى الدولي والمحافل الدولية كملف يتم ضمه لملفات إجرام آل سعود بحق اليمن واليمنيين.. فاليهود جعلوا من قضية في محل خلاف داخلهم عبارة عن قضية رأي عام عالمية بنوا على أَسَاسها قرارات وقواعد وجعلوا منها انطلاقة لاحتلال فلسطين.

ولكن نحن أصحاب قضية محقة.. الضحايا هم ضيوف الرحمن على الديار المقدسة.. والذي يجعل هذه القضية أكثر حيوية بأن آل سعود هم هم في أساليب القتل والإجرام والصد عن المسجد الحرام حتى يومنا هذا وليس أمراً تاريخياً تبدلت أركانه اليوم.

من الناحية الثقافية الفكرية.. لا بُـدَّ أن يكون هناك شارع باسم شهداء تنومة.. وجولة باسم شهداء تنومة.. ومدرسة باسم شهداء تنومة.

عندنا في صنعاء مقام للشهيد المصري ومقام لقبور الصينيين ذات اهتمام كبير.. ولدينا للأسف الشديد نصب تذكاري للغزو التركي.

ولكن لا بُـدَّ أن تكون هنالك معالم تهتم بها أمانة العاصمة تتسمى بمسمى شهداء تنومة من شوارعَ أَو مساجدَ أَو مدارسَ أَو جولاتٍ.. هذه تكرس وعياً ثقافياً كبيراً لدى أبناء هذا الشعب.

وإن يتم عرض الفيلم الخاص بالمجزرة في المدارس وأماكن الالتقاء والتجمعات بل وأن يكون من أولويات خطبة الجمعة، بشكل جذاب مليء بالمشاعر والألم والسرد الذي يلفت الأذهان.

 

قد يعجبك ايضا