نص الدرس العاشر من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وصلنا في دروس عهد الإمام عليٍّ “عليه السلام” لمالكٍ الأشتر إلى موضوع التجارة، والتجار، وذوي الصناعات… وما يتعلق بذلك.

قال “عليه السلام”:

((ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً، الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ، وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ))

الحركة التجارية والصناعية هي ضرورةٌ معيشيةٌ في حياة الناس، وسنَّة الله “سبحانه وتعالى” وتدبيره لشؤون عباده، لشؤون المجتمع البشري، جعل من التجارة والصناعة نشاطاً أساسياً من أنشطة الإنسان في هذه الحياة؛ لتوفير ضروريات نفسه، ولعمارة الأرض، وهي قديمة في الواقع البشري والمجتمع البشري على مرِّ الأزمان والعصور، وتطوَّرت في مراحل تاريخية معينة، وتطوَّرت في هذا الزمن إلى حدٍ كبير، ربما- والله أعلم- قد يكون غير مسبوق.
وهي بما أنها ضرورة لتوفير المتطلبات الأساسية للناس، التي يحتاجون إليها في معيشتهم من: غذائهم، ودوائهم، وكسائهم… ومختلف متطلبات حياتهم، وما يحتاجونه لعمرانهم، هي أيضاً ذات علاقةٍ كبيرة بالأمن القومي للمجتمعات، وهذه مسألة معروفة في مختلف البلدان، وبالذات الأشياء الضرورية، تعتبر مهمةً جدًّا، وذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بأمن واستقلال البلدان. فمثلاً: البلد الذي يعتمد على استيراد كل احتياجاته الضرورية من بلدانٍ أخرى، غذائه، قوته الضروري، الاحتياجات الأساسية في الحياة: من دواء، من غذاء، من كساء… من مختلف الاحتياجات الضرورية، يصبح ضعيفاً إذا واجه تحديات، أو مشاكل، مع بلدٍ أجنبي، وتعرض لحصار، أو تتحكم به نفس تلك البلدان التي يعتمد عليها في توفير احتياجاته الضرورية، ويصبح ذلك ورقةً بأيديهم للضغط عليه.
ومعروفٌ في عصرنا هذا وفي زمننا هذا ما تبادر إليه أمريكا والغرب لاستهداف أي بلدٍ مسلم، وحتى أي بلدٍ آخر في العالم يختلف معهم، أو يستهدفونه لسببٍ أو لآخر، فمن أول الإجراءات، ومن أول أشكال الاستهداف: الحظر الاقتصادي، والاستهداف الاقتصادي بكل الأشكال، بكل الأساليب المتاحة أمامهم، مثلاً: استهداف العملة، استهداف القدرة الشرائية للمجتمع، السعي للإضرار بالمجتمع في منتجاته… إلى غير ذلك، أساليب كثيرة يستخدمونها فيتحول الجانب الاقتصادي- بنفسه- إلى وسيلة أساسية من وسائل الصراع والاستهداف والضغط.
فلـــذلك مختلف البلدان يعتبرون الاحتياجات الضرورية والأساسية مما يدخل ضمن الأمن القومي، ويعتبر توفيره محلياً، وإنتاجه بما يكفي، بما يلبِّي الاحتياج، من الضروريات التي تساعد البلد على مواجهة أي تحديات، وتساعد البلد على الصمود، العملية الإنتاجية تساعد البلد على الصمود، والثبات، وتحفظ له استقلاله، يقف، ويصمد، ويصر على موقفه، أو يتمسك بحقه في الاستقلال، وهو لا يخشى أنهم سيجوِّعون شعبه، سيمنعون عنه الغذاء الضروري، سيلحقون به الضرر الكبير جدًّا.
وللأسف الشديد تضررت بلداننا العربية والإسلامية إلى حدٍ كبير عندما غابت عنها هذه النظرة، عن أهمية الحركة التجارية، والصناعية، والإنتاجية، والزراعية، واعتمدت بشكلٍ رئيسي وبشكلٍ أساسي على الاستيراد من البلدان التي تختلف معها، وتطمع فيها، وتستهدفها، ولها دوافع عدائية تجاهها، فكان لهذا تأثيره الخطير جدًّا.
فلــــذلك بالنظر إلى الأهمية: من حيث الضرورة المعيشية، ومن حيث الكرامة، والاستقلال، والحرية، والتخلص من التبعية، والتخلص من الابتزاز السياسي، والابتزاز والضغط في أشياء كثيرة؛ لأن الدول الغربية تبتز بلداننا العربية، وتضغط عليها من خلال الجانب الاقتصادي، لفرض سياسات، أو لفرض مواقف، أو للتقبل بأشياء هي مما يؤثر عليها، مما ليس لها فيه مصلحة حقيقية، مما لا ينسجم مع مبادئها الدينية والإيمانية، مما ينتقص من حقها في السيادة والاستقلال، مما ينتقص من كرامتها، فتصبح المسألة هامةً جدًّا:

بحساب الضرورة المعيشية، أهميتها واضحة.

وبحساب الجانب الاستقلالي، والحرية، والكرامة، والأمن القومي.

تعتبر أيضاً مسألةً مهمةً جدًّا بالاعتبارين؛ ولــــذلك يفترض أن يكون هناك توجه نشط في بلداننا للعناية بهذا الجانب على أسسٍ صحيحة، عندما نقرأ في القرآن الكريم، عندما نقرأ فيما ورد عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” وفي سيرته المباركة، عندما نقرأ فيما قدَّمه لنا أمير المؤمنين عليٌّ “عليه السلام”، من ضمن ذلك ما ورد في هذه الوثيقة العظيمة والتاريخية والمفيدة جدًّا، في عهده لمالكٍ الأشتر، ندرك أهمية هذه المسألة، وكيف هو التحرك الصحيح فيها، الذي ينسجم مع مبادئنا، مع قيمنا، مع انتمائنا الإيماني، والذي يحقق الخير لنا، والذي يتميز عن غيره، فالحضارة الإسلامية لها مميزات راقية جدًّا، ترقى على بقية الحضارات، التي هي ذات منطلقات مادية بحتة، لا تعطي للجوانب الأخلاقية أي اعتبار ولا قيمة، هذا جانبٌ مهمٌ.
لأهمية المسألة يقول الإمام عليٌّ “عليه السلام” هنا:

((ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً))

اسْتَوْصِ بهم: ليكن عندك أنت اهتمام بأمرهم، وأيضاً مع اهتمامك الشخصي بموضوعهم، والعناية بأمرهم، أوصِ بهم كل المسؤولين الآخرين، الذين لهم علاقة بالحركة التجارية، والحركة الصناعية والإنتاجية، بحسب مسؤولياتهم، أوصهم كذلك، ((أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً)).
عندما نلحظ هذا العنوان: ((خَيْراً))، عنوان واسع جدًّا، كم سيدخل تحته من التفاصيل، ونحن عندما نقرأ هذه الوثيقة العظيمة والمفيدة، نقدِّم قراءةً أوليةً مبسَّطةً مختصرة، وإلَّا فيمكن الاستفادة من عهد الإمام عليٍّ “عليه السلام” لمالكٍ الأشتر على نحوٍ واسعٍ جدًّا، ويمكن استدراك الكثير من التفاصيل بحسب الحاجة العملية، وبحسب المراحل، وبحسب التخصصات؛ إنما نقدِّم قراءةً مختصرةً، وعرضاً موجزاً؛ للفت النظر إلى هذه الوثيقة المهمة والاستفادة منها، إلى هذه الرؤية العظيمة، التي هي من نور القرآن، ومن هدي الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، ومن تعاليم الإسلام.
هذا العنوان: ((خَيْراً)) يدخل تحته أشياء كثيرة جدًّا، فنلحظ مثلاً مع أهمية السعي للنهضة التجارية أن تكون هذه مسألة حاضرة لدى المعنيين، أن يمتلكوا النظرة لأهمية المسألة، وخطورة التفريط فيها، وما يمثله ذلك من إشكاليات كبيرة في واقعنا؛ لأن الأعداء طوَّروا هم هذا الجانب، أعطوا هذا الجانب اهتماماً كبيراً جدًّا، لكن من منطلقاتهم الاستعمارية والمادية، لكنهم أعطوا هذا الجانب اهتماماً كبيراً، وسعوا لتطويره إلى حدٍ كبير، على العكس من واقعنا في العالم الإسلامي والبلدان العربية، كانت المسألة مختلفة في النظرة إلى هذا الجانب، إلى تطويره، إلى تقديم ما يساعد على نمائه.
الآخرون طوَّروا هذا الجانب، واستغلوه سياسياً، واستغلوه على مستوى الاستهداف الديني والأخلاقي، وسعوا إلى تشكيل شركات عملاقة عابرة للقارات، وسعوا إلى السيطرة من خلاله على البلدان، من خلال السيطرة الاقتصادية، فحرصوا على تعطيل الإنتاج والتصنيع المحلي في بلداننا العربية، وحرصوا أن يكونوا هم المستأثرين بالتصنيع، والمتحكمين في الحركة التجارية والأسواق، فحرصوا حتى على السيطرة على التجار، يحرصون على أن يسيطروا على التجار المحليين في هذا البلد أو ذلك، فيكون التاجر مجرد وكيل لهم، يجلب بضائعهم ومنتجاتهم إلى الأسواق، ويبيعها لهم، ويوفر إليهم الأموال، وحرصوا على تقوية العملية الإنتاجية، وتوسيعها، وتطويرها إلى حدٍ معروف يعني ما وصلوا إليه.
فسعيهم هذا لابدَّ أن يقابله اهتمام من جانبنا في بلداننا، عند شعوبنا، عند المسؤولين في بلداننا، أن يقابل هذا اهتمام، أن يلحظوا مدى اهتمام الآخرين بهذه المسألة، وأن يقابله اهتمام من نظرة ورؤية صحيحة لأهمية المسألة، وتجنب تام للحسابات الشخصية، والأطماع الشخصية، والمكاسب الشخصية؛ لأنها تؤثر على تعامل الإنسان مع الأمور المهمة، عندما يكون في موقع المسؤولية.
إذاً من عنوان الخير هذا، مما يدخل ضمنه: التسهيل في المعاملات والأنظمة والقوانين:
يعاني الكثير من التجار، والكثير من أرباب الصناعات ممن يهتمون بالجانب الصناعي، أو يسعون، أو يؤملون، أو يرغبون العمل في الصناعة، يعانون كثيراً من عقدة المعاملات الرسمية، إذا دخل في معاملة، فأمامه مشوار طويل ومعقد، حتى يصل إلى نتيجة، وقد لا يصل البعض، والبعض قد يصل بمقابل إتاوات مالية، وغرامات مالية، ورشوة هنا، وهدية هناك، واستغلال هنا، وابتزاز هناك، وتتحول إلى مسألة معقدة جدًّا، سواءً في البداية، أو فيما بعد: أثناء الحركة التجارية، أو أثناء العمل في مجال التصنيع والإنتاج، تأتي العراقيل، تأتي التعقيدات، تأتي المعاملات السيئة، فتسهيل المعاملات، وملاحظة هذا الجانب فيما يتعلق بالأنظمة، ألَّا تكون أنظمة معقِّدة ومعرقلة، في القوانين كذلك، هذه من الأشياء المهمة التي تدخل تحت عنوان الخير هذا فيما يُوصَى به، فيما يتم السعي إليه، لتسهيل الحركة التجارية والصناعية.
أيضاً منع الابتزاز المالي، والاستغلال، والظلم، والجبايات المرهقة:
لأن البعض مثلاً من موقعه في المسؤولية، من وظيفته الحكومية والرسمية، قد يستغل تاجراً معيناً، وقد يضغط عليه، وقد يعرقل معاملته، أو يهدده، أو يخيفه ويقلقه على بضاعته، وهذا موضوع حسَّاس لدى التاجر، قلقٌ على ماله، قلقٌ على تجارته، على بضاعته، قلقٌ عليها من الكساد، من النهب، من المصادرة، من الكساد، من التلف… إلى غير ذلك، فالعرقلة الشديدة، والتأخير الشديد، الذي يكون الهدف منه أحياناً الابتزاز المالي، في الأخير المطلوب منك أن تدفع مبلغاً معيناً، وهم سينجزون معاملتك، أو يمررون بضاعتك، أو يرفعون تهديدهم وعيونهم الحمراء والمفتوحة عنك، فهذه قضية خطيرة جدًّا، وسلبية كبيرة، وتؤثر على الحركة الاقتصادية، وعلى النشاط التجاري، والنشاط الصناعي والإنتاجي، ويكون لها تأثيرات فيما بعد، عند وصول البضاعة إلى الأسواق، تأثيرات على المستهلك، المستهلك الذي قد يكون من الطبقة الفقيرة، أكثر المستهلكين، أكثر المشترين من الطبقة الفقيرة، تصل إليهم البضائع بعد مرحلة طويلة من العراقيل، والابتزاز، والجباية هنا، والجباية هناك، والاستغلال هنا، والاستغلال هناك، والضغط هنا، فيأتي التاجر ليحسب حساب كل ما قد خسره، وقدَّمه، وبذله من الغرامات، لتكون في رأس ذلك المستهلك المسكين، الذي يشتري أبسط متطلباته بأغلى الأثمان، بثمنٍ مرتفعٍ جدًّا، فتسبب هذه معاناة كبيرة عامة للمجتمع بشكلٍ عام، فمنع الابتزاز، والظلم، والجباية غير المشروعة، التي هي للاستغلال، والجبايات المرهقة التي لا مبرر لها، مما يجب أن يدخل ضمن عنوان: ((أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً)) من الخير.
أيضاً من الأشياء المهمة التي يُوصَى تحت عنوان (الخير): حسن التعامل، وترسيخ الطمأنينة والأمن حتى على المستوى النفسي:
لأن بعض المسؤولين بطبيعته فظٌ، غليظ، عابس، سيئ، رفيع الصوت، كثير التهديد والوعيد، فتكون المعاملة معه معقَّدة؛ لأنه يستخدم أسلوب الإهانة، وأسلوب الإخافة، وأسلوب الترهيب، يتعامل التاجر معه وهو قلق، وهو مستاء، وهو خائف، خائف على نفسه، قد يكون معرَّضاً بأبسط كلمة عندما يرد، أو يناقش، معرَّضاً للسجن، أو معرَّضاً للإهانة، للضرب مثلاً، أو معرَّضاً للمصادرة لشيءٍ من ماله، أو لتحميله غرامةً ماليةً معينة.
هذا النوع من المسؤولين، الذي هو فظٌ، غليظٌ، سيئ الخلق، عُتُل، لا ينبغي أبداً أن يُقرَّ في عمل، ينبغي أن يغيَّر، ينبغي أن يبدَّل؛ لأن هذه ليست من أخلاق الإسلام في شيء، ولا مما يحقق المصلحة الحقيقية للناس، وهو أمر يتنافى تماماً مع المسؤولية، وما ينبغي أن يكون عليه منهم في موقع مسؤولية، من حسن خلق، من توازن، من رشد، من صلاح، فهذا النوع من المسؤولين الذي هو فظٌ غليظ، يسيء التعامل، تصعب المعاملة معه، تصعب الإجراءات العملية معه، وفي نهاية المطاف يؤثر سلباً على الحركة التجارية، وعلى النشاط التجاري، على المعاملات، على إنجازها، فتأتي التأثيرات عامة، والبعض قد يراعون شخصاً معيناً، أو قد يعجبون بالبعض من هذا النوع؛ لأنهم يعتبرونه حازماً، وصارماً، أو قديراً على التحصيل المالي، وقد يأتي غيره ممن هو حسن الخلق، وأمين، وإذا احتاج إلى الحزم، لا يحتاج إلى الحزم بطريقة سيئة، بفظاظة، وغلظة، وإهانة، وعبارات نابية، وتلفظات سيئة… ومن هذا القبيل، أو استخدام الضرب بيده، لا، المسألة إجراءات بطريقة عادلة، وحكيمة، وراشدة، وتصرفات صحيحة، ويمكن أن يحقق الإنسان ما فيه الخير على أساس العدل والحق.
فهذه مسألة مهمة، مسألة حسن التعامل؛ لأن الشخص الذي هو في موقع المسؤولية إذا كان حسن التعامل، والناس يتعاملون معه ويشعرون بالاطمئنان من جانبه، لا يقلقون وهم متعاملون معه، يقلقون فقط إذا تلعَّبوا، إذا أرادوا أن يبتعدوا عن الحق والعدل، أرادوا أن يعملوا ما فيه المضرة والمفسدة، يعرفون عنه أنه حازم، لن يقبل بذلك، لكن سلوكه العام، أسلوبه في التعامل: راقٍ ومحترم، وبرشد وحكمة، فسيشعرون عنده بالاطمئنان، يسهل عليهم التعامل معه، لا ينفرون من التعامل معه، هذه مسألة مهمة جدًّا، ونأمل الالتفات إليها، وسنسعى لذلك إن شاء الله؛ لأن البعض من المسؤولين- فعلاً- يغيب عنهم حسن التعامل، عندهم الفظاظة والغلظة بشكلٍ عجيب.
من الخير العام للبلد، للناس، للتجار، للشعب، للمجتمع بشكلٍ عام: السعي لتوجيه النشاط التجاري والصناعي لمصلحة الأمة في إنتاج الضروريات محلياً، وتطوير هذا الجانب: تطوير العمل الإنتاجي المحلي:
هذه مسألة مهمة جدًّا، وبجودة ممتازة، والسعي لأن تكون عملية الإنتاج بترشيد في الكلفة، بما يساعد على إنتاج جيد، وخفيف الكلفة، قليل التكلفة، لا يكون ثمنه باهظاً جدًّا، فوق مستوى القدرة الشرائية للمجتمع، وبالذات للطبقة الكبيرة من أبناء المجتمع، وهم ذوي الدخل المحدود، الذين يعانون من الظروف المادية الصعبة.
إذا توجه النشاط التجاري- لأن في كل بلد نشاط تجاري كبير، وحركة مالية كبيرة- إذا توجه نحو الداخل، لتحريك الحركة التجارية، والنشاط التجاري والصناعي في الداخل؛ فسينعش اقتصاد أي بلد يحدث فيه ذلك، سيحرِّك اليد العاملة، سيساعد على استخراج المواد الخام، سينهض بالأمة في كل المجالات، حتى في الجانب العمراني، وفي مختلف المجالات، هذا له أهمية كبيرة جدًّا جدًّا جدًّا، وهو من ضروريات النهضة، من ضروريات معالجة المشاكل والأزمات الاقتصادية في أي بلد: أن يكون هناك عناية فائقة وجادة بالإنتاج المحلي، والتصنيع المحلي، وتقوية الحركة التجارية المحلية، وأن تقدَّم لذلك التسهيلات اللازمة، بأكثر من الحركة التجارية من الخارج، ويلاحظ في ذلك إنتاج الضروريات من غذاء، ودواء، وكساء… ومختلف الأغراض الضرورية.
مما يساعد أيضاً على النشاط التجاري، وتيسير الحركة التجارية والصناعية وتنميتها، هو: الاهتمام بكل جهد بجانب الخدمات والبنية التحتية: الطرق… وغيرها من الخدمات الضرورية، التي يحتاج الناس إليها في حركتهم لنشاطهم التجاري والتصنيعي وغيره، البنية التحتية ذات أهمية كبيرة جدًّا.
فالاهتمام بهذه الجوانب التي تساعد على إنعاش الوضع الاقتصادي، تدخل تحت عنوان: ((خَيْراً))، ((وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً)).

((الْمُقِيمِ مِنْهُمْ))

((الْمُقِيمِ مِنْهُمْ)): المستقر في نشاطه التجاري.

((وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ))

الذي يتحرك في ماله وحركته التجارية من هنا إلى هنا.

((وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ))

المُتَكَسِّب ببدنه؛ لأن البعض منهم- مثلاً- لهم أنشطة من هذا القبيل، مثلما حال ذوي الصناعات، مثلما حال ذوي المرافق التجارية المتنوعة، مثل: المطاعم، مثل: الأماكن الترفيهية، المستشفيات… إلى غير ذلك.

((فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ))

نعم، هم الذين يوفِّرون للناس ما يحتاجون إليه من المتطلبات الضرورية، والحاجات الأساسية.

((وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ))

يجلبونها حتى من البلدان البعيدة، ويغامرون في ذلك، يأتون بها في البر، وعبر البحر، ويتنقلون بها من المناطق الصعبة، يواجهون التحديات والمخاطر الكبيرة، فنشاطهم نشاط مهم، مما يحتاج إليه المجتمع، ومما فيه مصلحة عامة للمجتمع.

((وَحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا))

هم يأتون بها من حيث لا يمكن أن يذهب لها عامة الناس، ومن حيث لا يمكن أن يجتمعون عليها، يأتون بها إلى الأسواق، إلى المجتمعات، ويوصلونها إليها.

((وَلَا يَجْتَرِئونَ عَلَيْهَا))

حيث لا يجترئ الناس إلى أن يذهبوا، أحياناً توجد مخاطر أمنية وتحديات.

((فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ))

التجار، وذوي الصناعات، وأصحاب المرافق (المنشآت) التي تقدِّم الخدمات للناس بمختلف أنواعها، الغالب فيهم أنهم من أهل السلم، وممن لا يشكِّلون خطورة عسكرية، ولا خطورة ولا تهديد على المستوى الأمني، حالات نادرة فيهم قد تكون من لديهم خدمة للأعداء، أو من هم يعملون من الأعداء تحت غطاء نشاط تجاري، أو نشاط صناعي… أو غير ذلك، وإلَّا فالغالب في هذا النوع من الناس أنه حريص على الحفاظ على حياته، وعلى تجارته، وعلى صناعته، وعلى… لا يريد أن يعرِّض نفسه للخطر؛ وبالتالي لا تكون النظرة إليهم كتهديد، أو كشر، أو كخطر، تكون النظرة في أصلها إيجابية إليهم؛ بالنظر إلى دورهم المفيد للناس، النافع للمجتمع، الذي يوفِّر ما هو مصلحة حقيقية للناس، وحاجة ضرورية للمجتمع.

((وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ))

تفقَّد أمورهم حيث أنت، في مدينتك، أو في عاصمتك، ولا تكتف بذلك، بل حتى في حواشي بلادك، في المناطق النائية، في الريف، في بقية الأماكن، تفقَّد أمورهم، كيف عملهم، كيف ظروفهم، هل يتعرضون لابتزاز، أو استغلال، أو مضايقات، أو ظلم… أو غير ذلك، هذا جانب من الجوانب الإيجابية التي تؤخذ بعين الاعتبار في الموضوع.

((وَاعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِيحاً))

في كثيرٍ من التجار، مع الأخذ بعين الاعتبار هذه الإيجابيات، وما تمثله من أهمية، والمصلحة العامة للمجتمع، لكن أيضاً خذ بعين الاعتبار الانتباه من السلبيات؛ لكي تحافظ على الإيجابيات، وتساعد على تنمية هذه الإيجابيات، وتحد من السلبيات؛ لأن هناك أيضاً جوانب سلبية في الموضوع، ((فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ))، يعني: ليس في كلهم، هناك من التجار من هم صالحون وجيدون، وعندهم الالتزام الأخلاقي والديني، في أدائهم، في أعمالهم، في معاملاتهم، والبعض منهم يختلفون عن ذلك.
(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً): عسر في المعاملة؛ بسبب ظروف العمل التجاري، هواجسه، القلق فيه، الطمع فيه، مؤثرات متنوعة تؤثر على نفسياتهم؛ فتكون النتيجة هي: الضيق، العسر في المعاملة، والشدة فيها؛ لأنه دائماً يحسب حساب أن يربح بشكل كبير، أن يحذر من الخسارة، أن يحقق لنفسه المكاسب الكبيرة، أن…إلخ.
((وَشُحّاً قَبِيحاً))، شح: طمع شديد، يريد أن يحقق أكبر المكاسب، وبخل شديد، لا يريد أن يؤدي ما عليه من الحقوق، هذه حالة تحصل لكثير من التجار، لا يريد، يتهرب دائماً من أن يخرج ما عليه من الحقوق.
((شُحّاً قَبِيحاً))، شُحّاً يصل إلى حد القبح، البعض منهم في مقابل أن يحصل على الأرباح، أن يحصل على الأموال، ليس عنده تفريق بين حلال، ولا حرام، ولا ضار، ولا نافع، ولا مفيد، ولا مفسد، ولا… غير ذلك، يستخدم أي أسلوب، يستخدم أسلوب النصب والاحتيال، والاستغلال، ولا يتحرج أبداً مما فيه مخاطر، أو أضرار، على الناس، أو على حياتهم، وهذه مسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
فإلى جانب الاهتمام بالأشياء الإيجابية، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار منع المضار والمفاسد، المضار من جانب التجار والمفاسد:
مثلاً: منع التجار من جلب المواد الضارة بحياة الناس وصحتهم، الضارة على المجتمع، أي ضرر مؤكد محقق على المجتمع، يمنعون من ذلك، البعض من التجار مثلاً قد يجلب إلى الأسواق المبيدات التي تستخدم مثلاً لأغراض زراعية، ولكنها من المحرمة دولياً، من التي تلحق بالناس أبلغ الضرر، أشد المرض، البعض منها ينشر السرطان بين المجتمع، البعض منها يتلف الكبد لدى الإنسان، البعض منها يلحق بالبشر أمراضاً خطيرةً جدًّا، فلا يبالي بذلك، همه أن يحصل على المال، ولو أدخل إلى البلد مثلاً ما يضر بالناس، بصحتهم، بحياتهم، هو لا يكترث لذلك.
فهكذا كل ما يضر بالناس، مثلاً أشياء تضر بالشباب، تضر بالناشئة، البعض من الأشياء التي تدخل في إطار التوالع والرغبات الشخصية، لكنها فتاكة، ضارة، تسبب الإدمان، تؤثر على حياة الناس، فكل ما يمثل ضرراً على المجتمع، ما فيه ضررٌ محقق يجب أن يمنعوا منه، أن يمنعوا من جلبه للناس؛ لأن البعض منهم بشحه القبيح لا يبالي بالناس، ولا بحياتهم، ولا بما يعانونه مما يجلبه لهم، وهو آثمٌ في ذلك، إثمه كبير، وزره عظيم، لكن طمعه أعماه.
البعض منهم قد يجلب المحرمات شرعاً، لا يفرِّق بين الحلال والحرام، قد يجلب مثلاً لحوماً مستوردة غير حلال، غير حلال من بلدان غير إسلامية، يأتي بها ويدخلها إلى الناس ويبيعها منهم، كان يمكن أن يوفر لحوماً حلالاً، وبطريقة إسلامية، بطريقة صحيحة، من بلدان إسلامية، أو للإنتاج المحلي، وهو أفضل، لكن يهمه فقط أن يحصل على الأموال بأي طريقة مثلاً.
البعض منهم مثلاً قد يجلب أزياءً تتنافى تماماً مع الهوية الإسلامية للمجتمع، وتستخدم في بعض البلدان لفئات معينة من الفئات المتحللة أخلاقياً، الفئات التي هي استباحية، لا تلتزم بأي أخلاق ولا قيم، ويجلبها إلى البلدان الإسلامية، مع أن بإمكانه أن يجلب البديل عنها، أو أن ينتج محلياً ما يتناسب وما يليق وما يجوز بحسب الشرع الإسلامي، والهوية الإسلامية للبلد، وهكذا مسألة الحلال والحرام أن تؤخذ بعين الاعتبار.
مما يمنعون منه: الغش، وكذلك رداءة الجودة؛ لأن البعض منهم يجلب بضائع فاسدة، أو بضائع تالفة، أو حتى يبقى مستمراً في بيع البضائع التي قد انتهت صلاحيتها، والمفترض إتلافها، فيستمر في بيعها من الناس، ولا يتحرج، إذا لم يكن هناك رقابة من المسؤولين، عناية بهذا الأمر بكل عناية وجد، وحذر من الاعتماد على من يمكن إغراؤهم بالمال ليسكتوا عن ذلك، ويتركوا ذلك، المسألة مهمة جدًّا، فمنع الغش، ومنع رداءة الجودة، ومنع الاستمرار في بيع البضائع التالفة، أو جلب مواد رديئة جدًّا، مثلاً: البضائع التقليد إلى أنهى حد، علاجات ليست جيدة، أدوية تالفة ليس لها أي إيجابية، ويؤخذ في مقابلها مبالغ كبيرة، فمسألة الجودة مسألة مهمة جدًّا.
مسألة الاحتكار، منع الاحتكار مسألة مهمة، ويأتي التفصيل عنها أكثر.
وضبط الأسعار مسألة مهمة جدًّا، ويأتي التفصيل عنها أكثر.
منع الربا، أيضاً يمنعون من الربا، من المضار ومن المفاسد التي تؤثر على الوضع الاقتصادي، على الحركة التجارية، التعامل بالربا، ضرره شنيع وكبير وفظيع ومدمر على المستوى والمعيشي للمجتمع.
منع النصب والاحتيال، وكذلك مسألة- في إطار منع النصب والاحتيال- ضبط مسألة المعاملات على أساسٍ صحيح، وبشكلٍ صحيح.
أيضاً من الأشياء المهمة في هذا الجانب: مراعاة التوازن الاجتماعي، وعدم السماح بسحق الطبقة المتوسطة والفقيرة، مثلاً: البعض من كبار التجار قد تكون طريقته في نشاطه التجاري بما يضر تماماً بذوي الدخل المحدود، والطبقة البسيطة، أو الطبقة المتوسطة أيضاً.
فعلى سبيل المثال: قد يأتي البعض مثلاً ليؤسس له مولاً تجارياً في منطقة معينة بشكل كبير جدًّا؛ لأنه صاحب رأس مال ضخم، في نفس الوقت كل أصحاب المحلات التجارية في ذلك الشارع يخسرون، أتى إلى جانبهم، ووضع له منشأةً تجارية بشكل مول تجاري ضخم جذاب، وتركهم هناك، لم يستوعبهم في إطار هذا السوق التجاري مثلاً، وتركهم هناك، وأضر بهم، فتعطلوا، وأخذ زبائنهم، وأضر بهم، وأثر عليهم؛ مستفيداً من قدراته الضخمة، وإمكاناته الكبيرة، كان بالإمكان إذا أنشأ سوقاً تجارياً أن يستوعبهم فيه؛ حتى يكونوا مستفيدين معه، وأشياء كثيرة شبيهه بهذا الأمر، فمسألة مراعاة لهذه المسألة مسألة تؤخذ بعين الاعتبار.
أيضاً ملاحظة مثلاً طريقة تقديم الخدمات في المرافق التجارية الأخرى، مثلاً: المستشفيات الخاصة، مع أهمية كذلك ملاحظة الموضوع في المستشفيات الحكومية، وكذلك المستشفيات الخاصة، كيف تقدَّم الخدمات فيها، هل بأمانة؟ وما هو مستوى الأسعار فيها أيضاً؟ كيف تتم المعاملة للناس في داخلها؟ سواءً مستشفيات مثلاً، أو مطاعم كذلك، أو أماكن ترفيهية… إلى غير ذلك.
فلا يترك الحال بالنسبة للتجار، وذوي الصناعات، والمنتجين، وأصحاب المرافق الاقتصادية، الذين يستفيدون بشكل كبير من الناس، ويترك لهم الحال ليتصرفوا كيفما يشاءون تحت عنوان تقديم التسهيلات لهم؛ إنما المطلوب التعامل بعدل وحكمة، والنظر للمصلحة العامة، ومراعاة المستهلك والتاجر، مراعاة الطرفين، مثلما تقدم: ملاحظة الإيجابيات، ومنع السلبيات.

((وَشُحّاً قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ))

البعض قد يحتكر ما يمثل منفعة، أو خدمة ضرورية، أو احتياجاً ضرورياً للمجتمع، ليستغل من خلال الاحتكار المسألة في رفع السعر إلى أقصى حد، وهذا يضر بالناس، وهذا من المحرمات.

((وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ))

يمثل مشكلة كبيرة على الناس، البعض قد يستغل مثلاً انعدام مواد معينة، أو احتياجات معينة، مثلاً: كما يحصل أحياناً عند مسألة المشتقات النفطية، عندما تقل في السوق، فيحتكرها البعض، ثم لا يبيعها إلا بأسعار غالية جدًّا، يحقق أرباحاً رهيبةً، في مقابل أنه تسبب بمعاناة كبيرة للناس، البعض مثلاً في مواد أساسية، كالقمح، أو غير ذلك، لا ينبغي أن يسمح بالاحتكار أبداً، ((وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ)).

((وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ))

لأنهم إن تجاهلوا ذلك، أو قصروا في ذلك، أو غفلوا عن ذلك، فهو تقصيرٌ في مسؤوليتهم، وإخلالٌ بواجبهم، وتفريطٌ تجاه الناس، وإهمال، يتهمون، في المقابل يتهمون إمَّا أن لهم مصالح في ذلك، مصالح مشتركة مع أولئك المحتكرين، أو أنهم يتعاملون بطريقة ضعيفة جدًّا، لا تعالج مثل هذه المشكلة.

((فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ))

لا تسمح به.

((فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ” مَنَعَ مِنْهُ وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً، بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ))

كذلك مشكلة الأسعار، مشكلة الأسعار من أكبر المشاكل التي يعاني منها المجتمع؛ لأن البعض من التجار مثلاً إذا لم يوضع له حد معين، بطمعه وجشعه لن يتحرج في أن تكون أرباحه هائلة، ولو ألحق بالناس أبلغ الصعوبات، يعني: البعض مثلاً قد تكون أرباحه مائة في المائة، يعني: مثل كلفة وقيمة وغرامة السلعة، يعني: يحسب بكم اشتراها، وكم غرم عليها، وكم كانت تكلفة إيصالها إلى السوق، ثم يكون ربحه مثل ذلك كاملاً، البعض مائتين في المائة، ثلاثمائة في المائة البعض، فقد لا يتحرجون من أن تكون الأسعار مرتفعة جدًّا، هذا يسبب معاناة كبيرة للناس، إذا اشترى سلعة معينة، أو حاجة ضرورية، يحتاج أن يبذل أكثر ماله، أو كل ماله، أو أن يستدين في مقابل أن يتمكن من الحصول على حاجة من احتياجاته الضرورية.
فضبط الأسعار من أهم المسؤوليات والأمور المهمة، وبموازين عدل، كما قال الإمام عليٌّ “عليه السلام”: ((بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ))، لا تجحف بالبائع، هذا التاجر، أو صاحب السلعة، لا تجحف به: لا تغرمه، لا تفقده الربح بمقابل أن يبيع سلعته، إذا لم يعد يربح، قد يترك البيع والشراء، قد يترك العمل في توفير وجلب تلك السلع؛ لأنه لم يعد يربح فيها، لم يعد يربح فيها، إذاً خذ بعين الاعتبار ألَّا تظلمه، أن يكون له هامش ربح معين بالعدل والحق، ولا يكون في ذلك أيضاً إجحاف بالمبتاع، بالمشتري، بالمستهلك والمشتري، يتحمل غرامات كبيرة، وكلفة هائلة جدًّا؛ حتى يربح ذلك البائع أرباحاً خيالية.

((فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً))

يعني: مارس الاحتكار.

((بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ))

قد أصدرت التحذير، ومن المهم أن تتأكد من وصول التحذير إليه؛ لأن في هذا إقامة للحجة، لا تفاجئه، تكون ساكتاً عنه، ثم تباغته، لم تحذره، ولم تمنعه، ولم تؤكد عليه، ولم تكلمه أصلاً.
((بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ))، سبِّق بالنهي، ابدأ بالنهي والتحذير، فإذا لم ينته، ولم يستجب، تأتي ماذا؟ العقوبة، الإجراءات العقابية، ويفترض أن يكون هناك إجراءات عقابية تجاه ذلك.

((فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ))

لا تكون العقوبة على المزاج، تكون عقوبة بالعدل، بالعدل وبما يمثل رادعاً له ولغيره من الاستمرار في الاحتكار.
ويفترض أن يكون هناك أيضاً تحديد لأنواع العقوبات، بحسب الأحوال، وبحسب الظروف، وبحسب نوع المحتكر، وما يمثله من ضرورة وأهمية لحاجة الناس.
فنجــــد هذه كلها منهجية متكاملة، ما الذي يمنع، وما هو الجانب السلبي، وكيف تكون المواقف تجاهه، وما الذي يتم العناية به، وتقديم التسهيلات فيه، ويمثل إيجابية ومنفعة حقيقية للناس، بحيث يكون التاجر، والصانع، والمستهلك، والمشتري، الكل يستفيدون من غير ضررٍ ولا ضرار، وبما يعود بالمصلحة العامة على المجتمع بشكلٍ عام.

نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قد يعجبك ايضا