زيارة بايدن للسعوديّة: لقاءُ الخاسرين

||صحافة||

حاول النظامُ السعوديّ أن يبدو وكأنه نجح في “فرض” شروطٍ على البيت الأبيض من خلال دفع بايدن إلى زيارة المملكة التي تعهد بأن يجعلها “منبوذةً”، وحاول الأخير أن يبدو وكأنه استطاع أن يعيدَ السيطرةَ على تدفق النفط الخليجي للأسواق، إلى جانب تعزيز حماية الكيان الصهيوني بدفع الرياض نحو المزيد من خطوات التطبيع العلني، لكن في الواقع كان جميع ضيوف تلك الحفلة يحاولون التغطية على الفشل المُستمرّ لمعسكرهم ومشروعهم، ولم يفلح الإعلان عن اتّفاقات وتفاهمات متعددة في إبقاء توترات وفضائح هذا الفشل خارج الصورة.

 

السعوديّةُ تحافظ على دور “البقرة الحلوب”

لا شك في أن زيارةَ بايدن إلى المملكة جاءت مدفوعةً بشكل أَسَاسي بحاجة الولايات المتحدة إلى تخفيض أسعار النفط من خلال ضخ المزيد من الخام الخليجي إلى الأسواق لتخفيف تداعيات الحرب في أوكرانيا، وبالتالي يستطيع النظام السعوديّ أن يتفاخرَ إعلامياً بأنه دفع بايدن إلى التخلي عن شعاراته ووعوده الانتخابية بجعل السعوديّة دولة “منبوذة”.

لكن هذا التفاخر يصبح بلا قيمةٍ بمقارنة “التنازلات” التي قدمتها المملكة بمقابل أن تحظى بزيارة الرئيس الأمريكي وتحصل على المزيد من تعهداته التي لم يعد لها معنًى جديدٌ بـ”الدفاع عن المملكة”، فالإعلانُ عن زيادة إنتاج النفط، وفتح أجواء المملكة رسميًّا لطائرات الكيان الصهيوني، وحديثُ بايدن لاحقاً عن “توبيخه” لولي العهد السعوديّ بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي.. كُـلُّ ذلك يؤكّـد أن السعوديّة لم تدفع بايدن لفعل أي شيء سوى مواصلة معاملتها كـ”بقرة حلوب”، وكأدَاة لحماية مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

هذا أَيْـضاً ما أكّـده بايدن نفسه عندما قال: إن الولايات المتحدة “لن تترك منطقة الشرق الأوسط فارغة لروسيا والصين”، في تصريح حمل إهانةً واضحةً للنظام السعوديّ ودول الخليج بشكل عام؛ لأَنَّ واشنطن لا ترى في المنطقة سوى مسرحٍ للمنافسة مع خصومها.

عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري، علق على هذه النقطة قائلاً إن: “بايدن أراد أن يطمئن حلفاءه عندما قال إن بلاده لن تترك المنطقة فارغة، لكنه تطمينٌ ظاهرُه الرحمةُ وباطنُه من قبله الهوان، فكأنه يقول لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو من قادة العرب: أنتم بدون أمريكا لا شيء أنتم مُجَـرّد فراغ، وهذه المساحات والبلدان الواسعة أنتم تملكونها ولكنكم لا تملؤونها”.

 

بايدن يبحثُ عن دعايات انتخابية ويحصُدُ المزيدَ من الانتقادات

على الجهة المقابلة، صحيحٌ أن الرئيسَ الأمريكي استطاع انتزاع التزام سعوديّ بزيادة إنتاج النفط الخام إلى 13 مليون برميلٍ في اليوم، لكن ذلك لا يعني أن الأزمة الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا تمت معالجتها، فالرقم الذي أعلنته السعوديّة لن يتم الوصول إليه حتى عام 2026، وبحسب مراقبين فَـإنَّ أقصى زيادة يمكن أن تتحقّق في إنتاج النفط السعوديّ خلال الأشهر الستة القادمة هي 12.2 مليون برميل يوميًّا (علماً بأن الإنتاج حَـاليًّا هو 11.1 مليون برميل يوميا).

وبحسب الباحث اللبناني علي مراد فَـإنَّ “ابن سلمان أسمع بايدن ما يساعدُه هو وأعضاء حزبه انتخابياً”، لكن إذَا كان إعلان زيادة إنتاج النفط السعوديّ قد يساعد الرئيس الأمريكي انتخابياً، فَـإنَّ جلوسه مع ولي العهد السعوديّ يفعل العكس تماماً، خُصُوصاً وأن بايدن فرش طريقه إلى البيت بشعارات حول جعل السعوديّة دولة “منبوذة” ومحاسبتها على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، إذ مثلت زيارة بايدن للمملكة دليلاً جديدًا على خواء شعارات إدارته، وزادت من حدة الانتقادات الموجهة للبيت الأبيض بشأن موقفه من جرائم النظام السعوديّ.

وحتى “التوبيخ” الذي تحدث بايدن عن توجيهه لولي العهد السعوديّ بشأن مقتل خاشقجي، فقد معناه (إن كان له معنى أصلاً) بعد أن اتصل عادل الجبير بقناة فوكس نيوز، وأخبرها بأنه لم يكن هناك توبيخٌ ولا اتّهام، بحسب مراسلة القناة.

وبحسب صحيفة بوليتكو فَـإنَّ “سُمعة بايدن تعرضت لضربة كبيرة بمُجَـرّد بث صورة لقائه مع ابن سلمان عبر الشاشات في جميع أنحاء العالم”.

أما ترتيباتُ “التطبيع” التي أدارها بايدن لدفع السعوديّة أكثر نحو العلاقات العلنية مع الكيان الصهيوني، فهي بلا قيمة عملية أصلاً؛ لأَنَّ العلاقات موجودة مسبقًا، كما أنه قد ثبت أن التعويلَ على الأنظمة الخليجية لحماية “إسرائيل” أمرٌ غير مُجْدٍ، في ظل فشل هذه الأنظمة في حماية نفسها، وتنامي قوة محور المقاومة.

 

إفلاسٌ مشتركٌ في مِلف اليمن

من مِلفاتِ الفشل المشترك التي لم تفلح زيارة بايدن إلى المملكة في التغطية على حقيقتها، ملف اليمن الذي كان على رأس قائمة الأسباب التي دفعت السعوديّة لرفض طلبات بايدن لزيادة إنتاج النفط؛ لأَنَّها أرادت -إلى جانب الزيارة- أن يرفع البيت الأبيض مستوى دعمه العسكري للمملكة لإخراجها من مستنقع اليمن، بما في ذلك تزويدها بأسلحة، وهو الأمر الذي يبدو أن بايدن لم يتردّد في الموافقة عليه؛ لأَنَّ الاتّفاقيات “الدفاعية” التي تم الإعلان عنها تضمنت شركات سلاح أمريكية معروفة.

مع ذلك، فَـإنَّ إفلاسَ الرياض والإدارة الأمريكية معاً في ما يتعلق بملف اليمن بدا واضحًا من خلال محاولة إعادة رفع شعار “السلام” مرة أُخرى والحديث عن “تمديد” جديد للهُدنة التي لم تعد مُستمرّة إلا بفضل صبر صنعاء، وهو ما يعني أن الترتيبات السعوديّة الأمريكية بشأن اليمن لا تحمل أية “معجزة” يمكنها أن تغيّر وضع الهزيمة التي يعيشها تحالف العدوان.

إضافة إلى ذلك، فَـإنَّ صنعاء قد ردت بسرعة على تصريحات بايدن حول تمديد الهُدنة، وأكّـد الردُّ بوضوح على أنه لا مجال للمزيد من المراوغات وأن الهُدنة لا تشجع على الاستمرار، وهو ما يعني أن الأمريكيين والسعوديّين قد يجدون أنفسهم قريباً أمام ضربات وعمليات تؤثر حتى على العلاقة الهشة فيما بينهم.

وفي السياق نفسه، فَـإنَّ زيارة بايدن قد أسهمت بشكل مثير للسخرية في فضح حقيقة ما يسمى “المجلس الرئاسي” الذي شكل برعاية سعوديّة أمريكية ليكون واجهةً جديدةً للعدوان، على أمل تحقيق نتائج أفضل، فبالرغم من إعلان دعم ومباركة تشكيل “المجلس” خلال ما سُمِّيت بـ”قمة جدة” إلا أن الحدث الذي تصدر المشهد كان عدم السماح للمرتزِق “العليمي” بحضور القمة، وقول وزير خارجيته: إن “السعوديّة ستمثل اليمن في القمة!”، إذ أثار ذلك موجةَ سخرية واسعةً حتى بين الموالين لتحالف العدوان نفسه، وهو ما أكّـد على أن “الواجهةَ” الجديدة التي تعوِّلُ عليها دول تحالف العدوان لتغيير موازين المعركة لا تختلفُ عن سابقتها، وبالتالي فَـإنَّ مأزقَها مُستمرٌّ.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا