إذا كنا في واقعنا متأثرين ببني إسرائيل فسيضرب الله علينا الذلة والمسكنة التي ضربها عليهم
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي اصطفاه الله لأداء أمانته، وتبليغ رسالته، وهداية عباده، من بعثه ليتمم مكارم الأخلاق، ليزكي العباد، ليطهر نفوسهم، ليجعل منهم أمة سامية في روحها، مصلحة في أعمالها، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن شيعتهم الميامين.
السلام عليكم – أيها الإخوة – ورحمة الله وبركاته
نقول: بارك الله في جمعكم، وتقبل منكم، وجعلكم من أنصار دينه، ومن الهادين إلى صراطه المستقيم، ومن الذابيِّن عن حرمه.
في هذه الجلسة نحب أن نستعرض – كما وعدنا في الأسبوع الماضي – صورًا عرضها القرآن الكريم عن أنبياء كرماء، عظماء، هم من بني إسرائيل، وعن أمة نبذت كتاب الله وراء ظهرها، واشترت بآيات الله ثمنًا قليلًا، وانطلقت لتفسد في الأرض، هم أيضًا من بني إسرائيل.
ونحن العرب الذين كرمنا الله بهذا القرآن العظيم وبنبيه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، الرسول العربي الذي امْتَنَّ الله به على المسلمين، قد مُنحوا أعظم مما منح الله بني إسرائيل، وامتن الله عليهم، ومنّ عليهم كما منّ على بني إسرائيل.
بنو إسرائيل الذين نلعنهم يجب أن نتعرف أولًا: هل نحن نسير على هدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وعلى هدي أولئك الأنبياء العظماء من بني إسرائيل؟ أم أننا نلعن بني إسرائيل ونحن في نفس الوقت نتخلق بأخلاقهم، نتثقف بثقافتهم، نسلك سلوكهم، نقف مواقفهم، نتأثر بهم في كل مجالات حياتنا؟ حتى تتضح الرؤية لدينا، وحتى يتضح الموقف لدينا؛ لنصحح وضعيتنا في أنفسنا، ولنعمل جميعًا على قطع كل الوسائل التي توصل خبثهم إلينا.
في هذه الآيات المباركة التي سمعناها من كتاب الله الكريم (* ) عرضت صورًا متعددة عن أولئك الذين منّ الله عليهم بأن جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكًا، وآتاهم ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين، عن أولئك الذين حظوا برعاية فائقة من قبل الله سبحانه وتعالى، ثم تحولوا إلى مفسدين في أرضه، إلى صادّين عن سبيله. لنعرف أيضًا بأنه إن اتضح الأمر جليًا أننا في واقع حياتنا متأثرون ببني إسرائيل، فلنعرف أننا سنكون أجدر منهم بأن يضربنا الله بأعظم مما ضرب بني إسرائيل أنفسهم.
لأن الله عندما ذكر لنا في كتابه الكريم كيف آل أمرهم، وكيف تحولوا من النور إلى الظلام، ومن الإصلاح إلى الإفساد، ومن الاعتزاز بكتب الله وأخذها بقوة إلى نبذها وراءهم ظهريًا، ومن العمل لنصر الدين وإعلاء كلمته إلى الاشتراء به ثمنًا قليلًا، كلها ذكر أنها كانت هي الأسباب لتلك العقوبات العظيمة التي عاقبهم الله بها، وأنها سنة إلهية، أنها سنة إلهية، ما عمله ببني إسرائيل يمكن أن يعمله حتى بآل محمد أنفسهم إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل، سيعمله بالعرب أنفسهم إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل.
وللأسف الشديد إن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال ذلك اليوم أن الأمة ستسير سيرة بني إسرائيل “لتحذن حذو بني إسرائيل حذو القُذَّة بالقُذَّة، والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه”.
وفعلًا شهد الواقع، شهد هذا الزمان أننا أصبحنا نتنكر لكتاب الله، نتنكر لهدي رسل الله، نتنكر حتى لقيمنا العربية وننطلق وراء بني إسرائيل، ننطلق وراءهم باعتزاز، ونحن نقول: هذه هي الحضارة، هذا هو التقدم، هذا هو التطور، وهذا هو التمدّن! ولم نشعر بأنه الانحطاط، وأنه الذلة، وأنه الدناءة، وأنه الضلال والضياع.
فيما يتعلق ببيع الدين بالدنيا ذكر الله عن بني إسرائيل في أكثر من آية من كتابه الكريم أنهم كانوا يبيعون الدين مقابل الدنيا، يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا، يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا، والاشتراء بمعنى: يبيعون هم الدين دون أن يُلْجَئُوا إلى أن يبيعوه، هم من يبحث عن بيعه، الاشتراء يعني: أنهم هم يطلبون الآخرين أن يبيعوا الدين مقابل مواقف معينة، مقابل ثمن معين من حطام الدنيا! وماذا تدل عليه هذه الحالة؟ تدل على أن الدين لا قيمة له في نفوسهم، لا قيمة له عندهم.
ومن العجيب أن يكون الدين هكذا في أنفسهم لا قيمة له بعد أن منّ الله عليهم، بعد أن أنقذهم، وبماذا منّ عليهم؟ وبماذا أنقذهم؟ ألم يَمُنّ عليهم بموسى الذي أنقذهم من عذاب فرعون وآل فرعون؟ وموسى نبي من أنبياء الله.
إن الدين هو الذي أنقذهم من العذاب، والظلم والاستضعاف، إن الدين هو الذي أعزهم يوم أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيْهَا} (الأعراف: من الآية137) ثم في لحظة يتنكرون لهذا الدين الذي إنما اعتزوا على يديه، إنما استقرت أوضاعهم وسعدت حياتهم على أيدي أنبيائه، يصبح هكذا سلعة تباع، ويبحثون عن من يشتريها! وبالطبع الطرف الآخر لا يشتري الدين منهم، إنما معنى المسألة أنهم هم ينبذون الدين، يرمون بالدين عرض الحائط مقابل ثمن من الدنيا.
ولاحظنا أنه في القرآن الكريم يتحدث عن كل ما ذكر في كل موضع يذكر فيه هذه الحالة يسمي ذلك الثمن (ثمنًا قليلًا ثمنًا قليلًا)، (ثمنًا قليلًا ثمنًا قليلًا) حتى ولو كانت الدنيا بأكملها، إنها ثمن قليل، الدنيا بأكملها مقابل شيء من دينك تبيعه إنه ثمن قليل، إنك بعت نفسك، بعت إلهك، بعت أنبياءك، بعت كرامتك، بعت جنتك، بعت عزتك، وبعت إنسانيتك.
ألم يقل الله عن أولئك الذين يتنكرون للدين، ولا يهتدون بهدي الدين: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: من الآية44)؟ إن الإنسان يبيع إنسانيته، إن تكريم الله له أعظم تكريم، يتمثل في الهدي الذي منّ به عليه ليسير عليه فيحظى بتلك الكرامة، ويكون جديرًا بتلك الكرامة، أما إذا تنكر للدين فإنه يصبح في واقعه وهو إنسان يصبح أضل من تلك الأنعام {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}.
يقول عنهم سبحانه وتعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة: من الآية41)، لا ينبغي لمثلكم إذا كنتم تتذكرون نعمة الله عليكم أنها كانت كلها بواسطة الدين، وعلى يد الدين، وعلى يد الرسل الذين جاءوا بهذا الدين فلا ينبغي أن تكونوا أول كافر بمحمد، وأول كافر بالقرآن الكريم.
{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} (البقرة: من الآية41) ويقول أيضًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة:174) {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} (آل عمران: من الآية77) {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران:187).
ألم يقل هنا ثمنا قليلًا، ثمنًا قليلًا؟ إن كل ما بأيدي اليهود الآن، وهو تلك الممتلكات الهائلة في مختلف أقطار الدنيا إنها عند الله ثمن قليل مقابل ذلك الدين الذي نبذوه وراء ظهورهم، مقابل هدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهذا القرآن الكريم الذي أمرهم الله أن يؤمنوا به كما أمر بقية عباده، إنه ثمن قليل ويجب أن نفهم نحن، وما أكثر ما أكثر الناس من المسلمين أنفسهم الذين يبيعون الدين بثمن قليل.
الدين لا يعني أنك كفرت به بلسانك وصرحت بنبذه، أليس بنو إسرائيل الآن لا يزالون يطبعون التوراة والإنجيل ويوزعونها؟ أليسوا إلى الآن لديهم إذاعات تدعوا إلى النصرانية، وتتحدث عن المسيح، وتتحدث عن أعلام الديانة اليهودية أو النصرانية؟ أليس ذلك قائمًا؟ ماذا يعني الاشتراء؟ إنه عندما يعرض الباطل بشكل مال، بشكل مصالح، بشكل مكانة، أو مقام معنوي ينطلقون فيه ويتركون الدين.
أوليست هذه حالة لدينا على نطاق واسع في أوساط المسلمين؟ بكل بساطة، وبدون اكتراث يدخل أحدنا في موقف باطل، يعمل على أن يحصل على مصلحة ولو من طريق باطلة غير مشروعة ولا يبالي أن دينة يحرم عليه هذا، ولا يبالي أن دينه يهدده إذا ما دخل في هذا، هذا هو البيع للدين ولو في موقف واحد، ولو في قضية واحدة.
ألسنا في الانتخابات ينطلق أعضاء [مجلس النواب] فيقولون: [سنعمل لكم، وسنعمل، وسنعمل،…] يعدون هذا بوظيفة، وهذا يعدونه برتبة عسكرية، وهؤلاء يعدونهم بمدرسة، وأولئك يعدونهم بخط، وأولئك يعدونهم بمستوصف، وفلان يعدونه بأنه إذا ما وصل إلى مجلس النواب سيقف معه، وسيعمل على حل مشكلته، وسيحاول أن يكون موقفه هـو الأعلى ضد خصمه، فننطلق للتصويت لمـن يترشح دون أن نلحظ هـل أننا – من وجهة نظر ديننا – وقفنا موقفًا ينسجم مع الدين أم أنه متخالف ومخالف له؟ لا نبالي.
ألم يبع الناس في كثير من المناطق أصواتهم لأعضاء قد يكون بعضهم ليس من الدين في شيء، ولا تهمه مصلحة الدين، ولا تهمه مصلحة الأمة، ولن يفي بوعوده، يبيعون أصواتهم بقليل من السكر، أو من الرز، أو بتُّنور غاز، أو بأي شيء من الوعود.
ما الذي يدل على أن هناك سوقًا كبيرة قائمة؟ هو أننا نرى كل من يترشح هل تسمع من أحد كلمة يقول فيها: [أنه سيعمل على إعلاء كلمة الله، أو أنه سيعمل على نصر الدين، أو انه سيعمل على محاربة المفسدين في أرض الله، أو الظالمين لعباد الله]؟ هل نسمع عبارات من هذه؟ لأن هذه بضاعة غير نافقة، لن يحصل على صوت واحد! البضاعة النافقة هي أن نقول: سنعمل لكم، ونعمل ونعمل، أشياء من حطام الدنيا، مصالح، ماديات، فننطلق نصوت ولا نلحظ أي جانب من الجوانب التي هو عليها في واقعه مخالف للدين.
قد يقول: [حقيقة هو ما بين يصلي، وإنسان فعلًا عدو الله لكن وعد أنه سيعطي لنا، ويعطي لنا، إلى آخره] أليس هذا حاصل؟ حتى نعرف أنه حاصل – وأكرر – أنها هي السلعة التي ينزلها المرشحون في كل انتخابات، ومتى رأينا دعاية، متى رأينا وعودًا من أحد من المترشحين – سواء كان لرئاسة الجمهورية، أو لمجلس النواب – يتحدث عن جانب الدين، يتحدث عن جانب المحاربين للدين، أو يتحدث عن الأشياء المهمة بالنسبة للأمة، الجانب الزراعي مثلًا، أنه سيعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي للوطن، نسمع عبارات من هذه؟ لا شيء.
من أين جاءنا هذا؟ أننا فعلًا كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): “لتحذن حذو بني إسرائيل”. ألم يقل الله لهم: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} (البقرة: من الآية174) هؤلاء الذين اشتروا بدين الله، بعهد الله، بأيمانهم ثمنًا قليلًا {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (البقرة: من الآية174) تعبير عن إعراضه، عن أي شيء فيه رحمة لهم يوم القيامة، إعراض عنهم، أولئك ليس لهم جزاء إلا النار، سوء الحساب، وجهنم، {وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: من الآية174). ويقول في الآية الأخرى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: من الآية187) أن يبيعوا الدين مقابل ثمن.
هنا هو لا يقول: بأنهم لم يبيعوا الدين بالثمن الذي يساويه، إنما قال ثمنًا قليلًا في كل المواضع يقول ثمنًا قليلًا ليس اعتراضه على أساس أنهم باعوه بـ(250) لو باعوه بـ(1000) كان أفضل ولو باعوه بـ(1000) لما قال. لكن المشكلة أنهم باعوه بثمن قليل هو (250). إن كل شيء في مقابل الدين هو ثمن قليل وإن كانت الدنيا بملئها ذهبًا هي ثمنه فهي قليل؛ لأنك تبيع نفسك، لأنك توبق نفسك، توقعها في جهنم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
لتحذن حذو بني إسرائيل
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 7/2/2002م
اليمن – صعدة