أهم المؤهلات التي ساعدت في نهوض الإمام زيد عليه السلام

 

ساهمت عدد من العوامل في صقل شخصية الإمام زيد بن علي سلام الله عليه وفي كماله الخُلقي والمعرفي والثقافي بشكل مميز لفت أنظار الناس إليه وجعل منه محط تقدير واحترام من قبل الجميع ثم أهلته فيما بعد لقيادة ثورة عارمة في وجه الطاغوت المستفحل، ثورة لازالت آثارها وبركاتها ملموسة إلى يومنا هذا وستستمر كذلك ما بقي الليل والنهار ومن أبرز تلك العوامل:

الهدوء النسبي الذي شهدته المدينة المنورة

ساعد الهدوء النسبي والاستقرار الذي شهدته المدينة المنورة خلال ولاية عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الذي تميز بالعقلانية والتسامح تجاه أهل البيت سلام الله عليهم والذي أراد من خلال تلك السياسة أن يكفر عن بعض مساوئ بني أمية تجاههم وخاصة مأساة كربلاء فكان يظهر الاحترام لزين العابدين سلام الله عليه بوجه خاص ولبقية أهل البيت بشكل عام

وفي ظل تلك الأجواء المفعمة بشيء من الاستقرار نشأ الإمام زيد سلام الله عليه في حجر والده الذي تهيئت له الأجواء للاهتمام به فأولاه رعاية خاصة واهتمام فائق سواء من حيث الرعاية الجسدية والتربوية أو من حيث الإعداد الإيماني والنفسي والمعنوي ومن هذه النافذة النبوية أطل الإمام زيد عليه السلام على الواقع من حوله فرأه بعين الحقيقة وقيمة وفق رؤية قرآنية

وقبل أن يفارق الإمام زين العابدين عليه السلام الحياة أوصى ولده الأكبر الإمام محمد الباقر -سلام عليه- باستكمال تربية أخيه زيد، الذي أولاه رعاية خاصة كذلك فنهل الإمام زيد من علم أخيه الباقر وأفاد من أخلاقه النبوية ومواهبه العلوية حتى فاق أقرانه علما وحلما.

العناية الربانية

لا ننسى أن الإمام زيد عليه السلام رجل عظيم اصطفاه الله وبشر به رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- الذي لا ينطق عن الهوى، فقد ورد في حديث حذيفة بن اليمان أن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- قال: (المظلوم من أهل بيتي سمي هذا والمقتول في الله والمصلوب سمي هذا وأشار إلى زيد بن حارثة ثم قال أدن مني يا زيد زادك الله حبا عندي فأنت سمي الحبيب من ولدي) وهذا يعني أن الله -سبحانه وتعالى- سيولي الإمام زيد -عليه السلام- رعاية استثنائية وإعداد رباني لأنه مصطفى من قبل الله كعلم بارز من أعلام دينه وحجة لله على أمة رسوله التي ابتعدت عن الحق وانضوت تحت زعامة الفاسدين والفاسقين من بني أمية.

ولذلك يقول المؤرخون أن الإمام زيد -عليه السلام- اتصف برجاحة العقل حتى وهو لايزال طفلا يلعب مع أقرانه وأنه كان بريئا من نزق الطفولة وتصرفاتها غير المنضبطة بل يقول هو عن نفسه: (والله ما كذبت كذبةً منذ عرفت يميني عن شمالي، وما انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن الله يعاقب عليه).

الرعاية الأسرية الفائقة

يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه واصفا واقع الأمة في تلك الفترة المظلمة من تاريخها ((كان الواقع الذي عاش فيه الإمام زين العابدين  واقعا مظلما .. أمة هزمت وقهرت، وأذلت تحت أقدام يزيد وأشباه يزيد، لكنه هو من عمل الكثير الكثير وهو يوجه، وهو يعلِّم وهو يربي، أليس الإمام زيد هو ابنه؟ من أين تخرج الإمام زيد إلا من مدرسة أبيه زين العابدين؟.

إن الحالة التي كان فيها حالة فعلاً شديدة، بالغة الشدة النفوس مقهورة ومهزومة والأفواه مكممة، لكن زين العابدين من أولئك الذين يفهمون بأن المجالات دائماً لا تغلق أمام دين الله فانطلق هو ليعلم ويربي، ويصنع الرجال؛ لأنه يعلم أنه إن كان زمانه غير مهيأ لعمل ما فإن الزمان يتغير فسيصنع رجالا للمستقبل، وصنع فعلاً وخرج الإمام زيد (عليه السلام) شاهراً سيفه في سبيل الله، وترك أمة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن)).

أضف إلى ذلك أن الإمام زين العابدين -عليه السلام- قد سمع من والده الحسين بن علي وأهل بيته ما ورد عن رسول الله بخصوص هذا المولود المبارك وعندما أطل على أهل هذا البيت العظيم تلقاه الإمام السجاد بكل حفاوة وتكريم ليس لأنه ابنه فحسب بل لأن الإمام زين العابدين يعلم جليا مكانة هذا الرجل عند الله ويعرف ما معنى أن تكون محط عناية من إله السموات والأرض كما يعي جيدا الدور الذي ينتظر هذا المولود الجديد وأنه سيصبح علما عظيما من أعلام الهدى ورمزا شامخا من رموز الحق وسيضل مشعلا ينير درب الأمة إلى قيام الساعة ولذلك أولاه اهتماما خاصا وحباه برعاية استثنائية ساعدت في تشكيل البنية القوية لشخصية الإمام زيد عليه السلام كما ساعدت في نأيها عن اقتراف الذنوب الت تذهب بزكاء النفس وكذلك استشعار المسؤولية تجاه المستضعفين من عباد الله (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)

زكاء نفسيته وطهارة أرومته

نشأ الإمام زيد في بيوت تنزل فيها الوحي وشغفها حب الله ورسوله وشغلها التبتل والعبادة لله والاهتمام المستمر بأمور المستضعفين من عباد الله وغلب على أهلها أخلاق سيد الأنبياء وخاتم المرسلين من مدحه الله بقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4 وفي هذا الوسط الإيماني شب الإمام زيد عليه السلام زاكي النفس طاهر البال نقي السريرة حي الضمير بعيدا كل البعد عن مساوئ الأخلاق حتى وخبائث الأفعال لم يدنس لسانه بالكذب واللغو ولا جوارحه بالفجور واللهو  {والله ما كذبت كذبةً قط منذ عرفت يميني عن شمالي، وما انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن الله يعاقب عليه) وهذه النفسية الزاكية أهلته لأن يصل إلى ما وصل إليه من مراتب التقوى العظيمة وأن ينظر للآثام وأهلها نظرة استحقار حتى وإن كانوا ملوكا وقادة من أمثال الطاغية هشام بن عبد الملك الأموي فهم في نظره حقيرون حتى وإن حملوا فوق رؤوسهم أوبة الملك وتيجان الذهب حتى وإن غرقوا في بهارج الملك وزهوة السلطان فإنهم لا شيء بدون تقوى الله ولذلك قال لهشام بكل صراحة (أتق الله يا هشام) وهو يعلم أن هشاما قد توعد بقتل كل من يقولها له.

حرصه على صلاح أمة جده

كان الإمام زيد -سلام الله عليه- حريصا كل الحرص على صلاح أمة جده رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- يتحرق أسفا وحزنا وكمدا على بعدها عن دين الله وعن نهج الحق والعدل يعز عليها كلما رأها تظلم وتقهر ويستبد بها أشرارها وشفهاؤها بينما هي صامتة صابرة لا تتحرك ولا يبدر منها أي ردة فعل خاصة وأن في مقدورها أن تفعل أشياء كثيرة لو هي تحركت بجد وفق رؤية قرآنية.

كما كان يعلم جليا مدى خسارة الأمة جراء ذلك التفريط والصمت والسكوت على استفحال الباطل وضياع الحق سواء خسارة الأمة لدورها المنوط بها في تنوير العالم من حولها أو خسارتها في ضياع الحقوق والواجبات فيما بينها وعودتها إلى دائرة التظالم والاستبداد كما كانت في جاهليتها أو من حيث ضياع جهود رسول الله والإمام علي والحسن والحسين وغيرهم من شهداء المسلمين ومجاهديهم  الذين أفنوا أعمارهم وقدموا أرواحهم في سبيل نشر دين الله وها هي تضيع تلك الجهود وتصبح هباء منثورا كل تلك الإدراكات وغيرها كانت تحز في نفس الإمام زيد سلام الله عليه ولذلك نرى شدة تلك الحرقة وعمق تلك الحسرات في قوله (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا ثم أقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة، قطعة وأن يصلح الله بذلك أمر أمة محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم).

معرفته العظمة بالله

لقد كان الإمام زيد -رضوان الله عليه- من أكثر الناس تعلقا بكتاب الله ومن خلاله عرف الله حق معرفته لأن القرآن كما يقول الشهيد القائد -رضوان الله عليه- أهم مصدر لمعرفة الله فكان حينما يقرأ بعضاً من آيات القرآن الكريم، ويتأملها أو يسمعها في بعض المقامات يُغمى عليه.. وهذه المعرفة العظيمة لله جعلته لا يخشى أحدا في هذا الوجود سوى الله -سبحانه وتعالى- ولذلك نراه يدخل على هشام ثلاث مرات وفي كل مرة يلقن هشام درسا قاسيا عندما ينطق بالحق في وجهه دون أن يخشى سطوته ومنها قوله (أتق الله يا هشام) بعد أن سمع أن هشام قد قال والله لا يقول لي أحد أتق الله إلا قطعت عنقه ولكن الإمام زيد عليه السلام قالها له وهو في مجلسه وبين كبار دولته دون أن يتهيب ردة فعله فلما سمع هشام كلام الإمام زيد صاح في وجهه -أو مثلك يأمر مثلي بتقوى الله- فأجاب عليه الإمام زيد عليه السلام (يا هشام ليس أحد فوق أن يؤمر بتقوى الله ولا دون أن يأمر بتقوى الله).

وهو بهذه النفسية المشبعة بمعرفة الله المليئة بحب الله ورسول استطاع أن يقف في وجه أعتى طاغية في بني مروان وقد صمم على الخروج عليه وتخليص الأمة من شره حتى لولم يخرج معه إلا ابنه يحيى ولذلك كانت وصيته لبنه وهو يفارق الحياة أن يواصل حربه ضدهم (قاتلهم يا بني فو الله إن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار).

 

تعلقه الشديد بكتاب الله (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)

ليس من أهل بيت رسول الله قائم إلا وكان هدفه الحقيقي هو اصلاح واقع الأمة المخزي والمشين وفك رقبتها من بين مخالب الفساد والمفسدين ومن ثم إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى هذا الأساس تحرك أنبياء الله ومن بعدهم أعلام الهدى على مر تاريخ البشرية ومن أولئك الإمام زيد عليه السلام القائل عندما رأى الرايات ترفرف فوق رأسه ( الحمد لله الذي أكمل لي ديني والله لقد كنت استحيي من جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرد عليه يوم القيامة ولم آمر في أته بعروف ولم أنهى عن منكر) وهو نفس مقوله جده الحسين في كربلاء وكذلك كل من لحق بهما من أعلام الهدى من أهل هذا البيت العظيم إلى قيام الساعة

إذا كان المحرك الحقيقي للإمام زيد هو القرآن الكريم الذي يبني في الإنسان المسلم عزة وينمي فيه الروحية الجهادية {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الأنفال39]

الواقع المزري الذي تعيشه الأمة(والله ماكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا)

نشأ الإمام زيد عليه السلام في واقع محطم بكل ما للكلمة من معنى بين أوساط أمة مقهورة وأعراض مهتوكة ودماء مسفوكة وضياع للدين وانتهاك لحرمة المسلمين ومقدساتهم وتطبيع مع اليهود نشأ ورأى بأم عينيه ما فعله يزيد وأشباه يزيد بأمة جده ومدينة جده وأرث جده نشأ ليرى ألاف من القلوب المفطورة والنفوس المقهورة والضمائر المكسورة نشأ ليترعرع في مدينة الأحزان تلك وليطوف ببيوتها المحرقة ودورها المهدمة ليلفي آلاف الأسر التي شردها جيش يزيد ومثلها التي ابادها عن بكرة أبيها ليمسح عيون دامعة وقلوب موجعة ليرووا له حادثة كربلاء والحرة وقصة إحراق الكعبة.

وكل تلك الأحداث وغيرها دفعت بالإمام زيد عليه السلام ليرفع في وجه البغاة سلاحه وليقول لكل الخانعين إن مع الحركة البركة وفي الصبر على الباطل خسارة الدنيا والآخرة ليقول للكل (والله ماكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا) وإن علينا أن نتحرك جميعا حتى لولم تملك إلا نفسك ولا عذر للجميع أمام الله (والله لو لم يخرج إلا أنا وابني زيد لخرجت)

قد يعجبك ايضا