العالم الإسلامي وفرص التغيير بالاستفادة من مناسبة المولد النبوي الشريف

ما يعيشه العالم اليوم في ظل الهيمنة والتسلط الأمريكي والصهيوني من الذلة والخزي والقهر والظلم يفوق بكثير ما كان يعيشه العالم قبل بعثة الرسول  (صلوات الله عليه وعلى آله ومن يقارن بين هذه الحالة الرهيبة للعالم اليوم وبين ما كان يعيشه العالم آنذاك من فساد وظلم واستعباد للبشرية ونيل من المقدسات وفي مقدمتها وأعظمها الرسول سيجد الفرق شاسعاً وخصوصاً مع تطور الوسائل وتعددها لدى مستكبري هذا العالم وهيمنتهم المباشرة على أغلب شعوبه وقدرتهم على إيصال ظلمهم وفسادهم إلى كل بقعة من بقاع العالم في لمح البصر.

إننا ونحن نستقبل بعد أيام مناسبة عظيمة هي ميلاد النور المحمدي ميلاد نبي الرحمة نبي الأخلاق العظيمة ميلاد رسول الله الخاتم الذي كان ميلاده نقطة النهاية للجاهلية الأولى وبداية إخراج الناس وبالذات العرب من ظلماتها الى نور الهدي الإلهي والإسلام الحنيف والكرامة الإنسانية فنحن مدعون في هذه المناسبة لننظر إلى واقعنا اليوم الغارق في جاهلية أشد جهلاً من الجاهلية الأولى جاهلية مدعومة بأحدث الوسائل والتقنيات وفسادها يعم الأرض قاطبة ووصل إلى كل بيت في هذا العالم يجب أن نراجع واقعنا على ضوء الرسالة المحمدية التي جاء بها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وعلى ضوء هدى سبحانه وتعالى لنحاول قدر المستطاع الخروج من هذه الجاهلية إلى رحاب المنهج الإلهي الذي يحفظ للإنسان كرامته ويرفض الامتهان له كما تفعل اليوم الجاهلية المعاصرة بقيادة أمريكا وإسرائيل ومن والاهم حيث تنتهك كرامة الإنسان وتسفك الدماء البريئة وينشر الفساد على أنه تحضر وثقافة وحرية وديمقراطية.. فلنحاول العودة إلى رسالة الله ومعرفة عظمتها وإدراك النعمة الكبيرة التي امتن الله بهاعلينا بهذه الرسالة لنرى الطريق إلى النور والخروج من هذه جاهلية اليوم المدمرة ..

 

عرب الأمس وعرب اليوم

لقد كان الإنسان العربي الذي عرف من خلال تاريخه الجاهلي بأنه كان يأبى أن يظلم أو أن يستعبد وكانت الشجاعة والبطولة والنجدة والإباء هي من أبرز سماته وصفاته بالشكل الذي جعله مؤهلاً لأن يختاره الله لحمل رسالته إلى العالمين وشرفهم بأن جعل النبي الخاتم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) من بينهم وأنزل القرآن الكريم آخر الكتب السماوية والمهيمن عليها جميعا بلغته العربية واختارهم ليكونوا هم حملة هداه ورايته لإنقاذ البشرية جمعاء وتخليصها مما تعانيه من قهر وظلم وفساد أولئك العرب الذين وجههم الإسلام ليكونوا فرسان ميادين الجهاد في سبيل الله ورجال الله الذين يضرب بهم أعداءه وحاملي راية الحق والعدل والحرية والخير للإنسانية كلها هاهم اليوم يداسون بأقدام اليهود والنصارى إخوان القردة والخنازير وهم من كانوا في زمن الجاهلية يعيشون في ظل حماية الزعامات العربية وهاهم العرب من كانوا في زمن الشرك والكفر رجالات الحرب والقتال وفرسان الصحراء ويعتبرون التخلي عن هذه الصفات عار ومذلة هاهم اليوم يؤمرون من قبل زعمائهم بالقعود في بيوتهم كما تقعد النساء في الوقت الذي عرضهم مستباح وشرفهم مهان هاهم يطلب منهم أن يُعبّدوا أنفسهم لعدوهم الذي يسومهم سوء العذاب بعد أن تحول زعماؤهم إلى عبيد لأمريكا وإسرائيل هاهم أبناء هذه الأمة يثقفون ثقافة تجعلهم يتخلون عن مسئوليتهم في النهوض بهذا الدين وإيصال هدى الله إلى كل بقعة من بقاع هذا العالم في الوقت الذي يتحرك فيه اليهود والنصارى رجالاً ونساءً حتى وصلوا إلى عقر ديارهم وامتلأ بهم البر والبحر وبدل أن نكون نحن الفاتحين لتلك البلدان لتخليص العالم من الظلم والفساد جاءوا هم  فاتحين ومستعمرين لتكريس الظلم والقهر والفساد وحولوا الجيوش العربية إلى أداة لقمع الشعوب وسخرت ثروات الأمة لخدمة مشاريعهم وتحول أبناء هذه الأمة إلى عبيد لأعدائهم من اليهود والنصارى وليس النظام اليمني والنظام السعودي إلا نموذجًا واضحًا لما قد وصلت إليه حالة الكثير من هذه الأنظمة من الانحطاط والخسة والدناءة والسوء والمسخ والقبح ومن بيع لأنفسهم من الشيطان والأجانب والمتآمرين على أبناء شعوبهم وأمتهم ومن وقوف وتآمر مع أعداء الأمة الإسلامية ضد أبناء دينهم وجلدتهم وشعوبهم يدًا بيد مع الأمريكان والصهاينة لقد أصبحوا في وضع أسوء مما كان عليه العربي حتى في الجاهلية الأولى ولم يعد لهم ذرة من الوفاء والشهامة ولا أقل من ذرة من الضمير والإنسانية وهم يتعاونون على الإثم والعدوان ويرتكبون أبشع المجازر التي يقتلون فيها حتى الأطفال والنساء وجماعة الناس في الأسواق والبيوت والمساجد إرضاء لأسيادهم من اليهود والنصارى!. إن الأمة في هذا العصر وهي تعيش هذا الواقع الذي تعيشه من الهوان والاختلاف والفرقة وفقدان للحكمة وحالة رهيبة من الغباء والتخلف وهي تعيش في أزهى عصور الدنيا بعد أن أخرجت الأرض للناس خيراتها وأمدتهم بما أودع الله فيها من نعم هي بأمس الحاجة إلى العودة إلى ما يفيدها في تغيير هذا الواقع المظلم والمزري وإصلاح هذا الخلل الذي يوجد في داخلها وإنَّ ما يفيد في معالجة ذلك وما يخرجها من مأزقها ومن هوانها ومن ذلها بين الأمم هو العودة الصادقة إلى الرسول ورسالته فبهذا تكون الأمة قد عادت إلى ربها العودة إلى الرسول ورسالته العودة إلى الرسول محمد لمعرفته من جديد ومعرفة ماذا يعني لنا هذا الرجل العظيم وماذا تعني لنا رسالته والهدى الذي أتى به من عند الله والقيم والأخلاق والمبادئ التي أتى بها ودعا إليها والتي لما أضاعتها الأمة ضاعت وذلت وهانت واختلفت وتفرقت وحكمها سفهاؤها وأشرارها وتحكم فيها أعداؤها وتفوقت عليها الأمم الأخرى التي ليس لها نبي كهذا النبي ولا هدى كهذا الهدى .

غاية الرسالات الإلهية

 

من القضايا المهمة التي لا بد من معرفتها وخصوصًا في هذا الزمن الذي يعيش حالة رهيبة من الضلال والتضليل هذه القضية هي معرفة الهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب والغاية من دين الله فلماذا أرسل الله النبي محمدًا  ؟ ما هو دوره وعلى أي أساس أتى وماذا يهمنا من رسالته؟ وبالعودة إلى القرآن الكريم كتاب الله العزيز نعرف أن الهدف من ذلك هو الخير للناس هو لمصلحتهم لسعادتهم لإنقاذهم لصلاحهم وفلاحهم يقول الله سبحانه وتعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }.

فالله الرحيم بعباده يريد لهم السعادة والفلاح والخير يريد لهم ألاَّ يظلموا ويقهروا ويستذلوا ويتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله فأرسل رسله وأنزل كتبه التي فيها هديه وتعاليمه العظيمة هذا كله من أجل الناس ليقوم العدل فيهم وليعم الصلاح والخير يترتب على ذلك كله زوال الظلم والفساد والشر وهذه الثلاثيات هي ما يعاني منه الناس في حياتهم ، إذا عدنا إلى واقع أمتنا الإسلامية في هذا العصر ونظرنا إلى ما هي عليه من ظلم وإذلال وقهر وما هي فيه من فرقة وشتات وانحطاط وتخلف نعرف مدى خسارتها حين أضاعت مسئوليتها في التمسك برسالة الله وإقامة دينه الذي يكفل لها قيام العدل والحق والذي فيه الخلاص من الظلم والهوان لكل شعوب أمتنا .. إن إقامة رسالة الله الذي جاء به رسول الله   من خلال كتاب الله وهديه هي ما يمكن أن يحقق السعادة والخير والعدل والصلاح .

وغاية أخرى من الرسالة الإلهية هو إصلاح الإنسان وتربيته والارتقاء به وتكريمه وهدايته ولذلك يذكرنا الله بعظيم النعمة علينا نحن العرب حينما يقول {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  }

وعندما نعرف أن الغاية والهدف من رسالة الله هو هذا العدل والخير والسعادة وزكاء النفوس والسمو بالإنسان والوصول به إلى خير الدنيا والآخرة ونجاته من الشر في الدنيا والآخرة نعرف أن الرسالة والدين والرسل من مظاهر رحمة الله بعباده ولذلك يقول الله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }.

ولأن أمتنا في هذا العصر فقدت تفاعلها وتجاوبها مع رسالة الله ودينه ونبيه فقد خسرت العدل وغرقت في الظلم وفقدت زكاء النفوس وكان البديل هو الانحطاط والسوء وفقدت الحكمة وكان البديل هو الغباء والتخبط في المواقف والعشوائية في العمل والتلكؤ في الكلام .

 

العودة الواعية إلى الرسول(صلوات الله عليه وعلى آله)  هي مخرجنا الوحيد مما نعاني.

إننا أمام هذا الواقع الذي تعيشه الأمة, ليس لنا مخرج إلا بالعودة إلى الله, والعودة إلى كتابه, والعودة إلى نبيه عودة المستبصرين, عودة الواعين المتفهمين, عودة العاملين الصابرين المتبعين المتمسكين, هذا شيء أساسي، من يتجاهلون, من لا يهتمون, من لا يُبالون إنهم خاسرون, إنهم من سيبقون في هذه الحياة أذلاء ومهانين ومستعبدين للطواغيت, ثم يكون مصيرهم في الآخرة جهنم, فيجمعون بين شقاء الدنيا وعذاب الآخرة والهوان الدائم والعياذ بالله. إننا أمام هذا الواقع الذي نعيشه, وأمام المسؤولية التي علينا أمام الله, وأمام ما يمليه الواجب, وأمام ما يمليه الضمير يجب، أن نتحرك على أساس هدى الله, على أساس اتباع ما أنزل الله, واتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), وأن نعود إلى النبي نستلهم منه صموده وثباته وشجاعته, نستلهم منه الصبر والعمل والجد والصمود, هذا شيء مهم, أما اللامبالاة, أما التجاهل, أما الغفلة والضياع فإنها والله الهلاك والخسران والشقاء في الدنيا, والهوان والخزي في الدنيا والآخرة والعياذ بالله

ويجب أن نعي جيدا أنه ما من مخرج وما من ملاذ، لا لأمتنا الإسلامية، ولا للبشرية من حولنا يخرجها من المأزق الكبير الذي أوقعتها فيه قوى الطاغوت والاستكبار الشيطانية إلا الرسالة الإلهية، وإلا العودة من جديد إلى اتباع الرسل والأنبياء وإلى التمسك بنهجهم ومن خلال حلقة الوصل بهم المتمثلة في خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطبيين الطاهرين، والتمسك بالوثيقة الإلهية الربانية التي هي خلاصة لكل كتب الله السابقة، فعندما ننظر من هذه النظرة أو من هذه الزاوية إلى الرسالة الإلهية بما فيها من تعليمات وتوجيهات، ونرى فيها الحل الجذري لكل مشاكلنا، ما كان منها مشاكل اجتماعية، ما كان منها مشاكل اقتصادية، ما كان منها أزمات سياسية، ما كان، كل أنواع المشاكل التي يعاني منها البشر في كل أقطار الأرض، هذا هو السبيل للخروج منها والحل لها بشكل صحيح، والبشرية كلما تجاهلت هذا الأمر، وكلما بحثت هنا وهناك هل من مناص، لا تصل إلى حلول صحيحة ولا إلى حلول سليمة، لا بد لها من الالتفات إلى دعوة الله سبحانه وتعالى، كما أنه لا مبرر للتهرب من رسالة الله، ولا مبرر أبدا لهذا الجفاء الكبير ما بين البشر وبين رسل الله وأنبيائه ولهذه الفجوة الهائلة القائمة في واقع البشرية، باستثناء حالات محدودة وفي نطاق محدود للبعض من البشر، فهذه المسألة مهمة.

 

الجهود التي تهدف إلى ايقاظ الأمة هي امتداد لجهود رسول الله.

يقول السيد عبد الملك في خطابه بمناسبة المولد النبوي 1429م: (( إن الأصوات الصادعة بالحق, والجهود التي تهدف إلى إيقاظ الأمة, وإلى إعادتها إلى مصدر عزتها وقوتها, إعادتها إلى الله, إعادتها إلى الدين, إعادتها إلى القرآن, إعادتها إلى المستوى اللائق بها أمة عزيزة, مجاهدة, صامدة تقف في مواجهة أعدائها, ومقارعة أعدائها, هذه جهود هي امتداد لجهود رسول الله, هذا ما كان يسعى له رسول الله, هذا ما يريده رسول الله، وأن نكون من أمة محمد يجب أن يكون هذا الانتماء انتماء العمل, انتماء الإتباع, انتماء التمسك, أن نكون كما يريده محمد منا, محمد رسول الله يريد لنا أن نكون أعزاء كما كان عزيزاً, وكما الله عزيز {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون:من الآية 8) وللمؤمنين, يريد لنا أن نكون مجاهدين, أن نكون رجالاً في مواجهة أعدائنا, ألا نبقى أمة ذليلة يقتلها أعداؤها يومياً, يستبيحون دماءها ويستبيحون كرامتها, أما من لا يتبع محمد, ولا يتمسك بمحمد, لا يسير على درب محمد, ولا يتمسك بتعاليم محمد فهو من يتبرأ منه محمد ويلعنه محمد.))

إذاً فمناسبة المولد النبوي الشريف هي فرصة مهمة للعالم الإسلامي من خلال الاقتداء والتأسي برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله والاستلهام منه ما يغير واقعه الأليم ويعيد بوصلته نحو مبادئ وقيم الإسلام العظيم التي تشكل مقومات نهضته وخروجه من حالة التيه والضياع والخذلان.. فليكن تفاعلينا مع هذه المناسبة تفاعلاً يسهم في تصحيح وضع أمتنا من خلال الاحتفاء والاهتمام والتقدير والعناية بها والعودة الجادة والصادقة إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله باعتباره الرمز الجامع للأمة كلها وكخاتم أنبياء الله ورسله.. فقد جربت الأمة كل الوسائل والأيدولوجيات كالاشتراكية والرأسمالية وفشلت كلها بل قادت عليها الوبال وجعلتها تحت اقدام حفنة صغيرة من اليهود فيما كانت بإسلامها قادرة على أن تكون كما قال الله خير أمة أخرجت للناس..

 

قد يعجبك ايضا