تقدير لنعمة الهدى نحتفل ونظهر الفرح بمناسبة المولد النبوي

 

 

عندما نحتفل، عندما نظهر كل مظاهر الفرح والابتهاج في هذه المناسبات التحضيرية، وعندما تأتي أيضاً مناسبة ذكرى يوم المولد في الثاني عشر من هذا الشهر الأغر، التي ستشهد- إن شاء الله- حضوراً كبيراً ومتميزاً في كل الساحات المحددة للاحتفال بهذه الفعالية، نحن نعبِّر عن التقدير لنعمة الله -سبحانه وتعالى- عن الاعتراف بفضل الله -سبحانه وتعالى- حينما قال الله -جلَّ شأنه-: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: من الآية58]، فضل الله المتمثل برسالته العظيمة، بهديه العظيم، برسالته وبرسوله الكريم الذي تحرك بهذه الرسالة، الذي سعى لإقامة هذا الدين، الذي أرسله الله كما قال -جلَّ شأنه-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: الآية107]، هذه النعمة العظيمة التي من واجبنا الإيماني وبحكم هويتنا الإيمانية أن نشكر الله عليها، وأن نظهر الفرح بها والسرور والاستبشار.

إنَّ أعظم النعم على الإطلاق بين كل نعم الله التي لا تحصى ولا تعد، وفي نفس الوقت أعظم وأهم الاحتياجات الإنسانية التي يحتاج إليها الإنسان أكثر من غيره من بقية المخلوقات والكائنات على هذه الأرض، إنها نعمة الهدى، نعمة الهدى هي أعظم النعم، والإنسان في أمسِّ الحاجة إليها قبل كل النعم المادية الأخرى، ولذلك علَّمنا الله -سبحانه وتعالى- أن نقول في كل صلاةٍ نصليها ونحن نتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، فالله -سبحانه وتعالى- يرشدنا إلى أن يكون أهم سؤلٍ لنا ومطلبٍ لنا نسأله ونطلبه ونرجوه من الله -سبحانه وتعالى- هو الهدى، الهداية إلى الصراط المستقيم؛ لما لهذا من أهمية حاسمة بالنسبة للإنسان، يترتب على ذلك سعادته وفوزه وفلاحه في الدنيا والآخرة، أو فيما إذا لم يتوفق لهذه الهداية الإلهية يشقى ويخسر في الدنيا، وفي الآخرة الخسران الأبدي والفظيع والرهيب جدًّا.

الهدى هو أهم احتياج يحتاجه الإنسان؛ لأنه يترتب عليه أهم ما يحتاج إليه هذا الإنسان في حياته في الدنيا، وفي مستقبله الأبدي في الآخرة، والله -جلَّ شأنه- قال في القرآن الكريم: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: من الآية38]، يعني: لهم المستقبل المطمئن، المستقبل السعيد، المستقبل السليم الذي لا تشوبه الخسارة والشقاء، {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ويقول -جلَّ شأنه-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: من الآية123]، وأخطر شيءٍ على الإنسان هو الضلال، هو الضياع، هو الشقاء، هو الخسران، ولذلك الإنسان يضمن لنفسه الخير كل الخير، والفلاح، والفوز، والسعادة، من خلال ماذا؟ من خلال اتباع الهدى، فالإنسان أحوج ما يكون إلى الهدى، ولذلك يتحدث القرآن الكريم عن نوعية من البشر، نوعية متميزة، مفلحة، فائزة، ظافرة: هم المتقون، فيقول الله -سبحانه وتعالى- عنهم في  القرآن الكريم: {أُولَئِكَ} (أُولَئِكَ): هذه الفئة؛ المتقون، {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فالفلاح هو يقترن بالهدى، (عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) في معتقداتهم، في أفكارهم، في ثقافتهم، في أقوالهم، في أفعالهم، في سلوكياتهم، في مواقفهم، في ولاءاتهم، في عدائهم… في كل مسيرة حياتهم (عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ)، لا يتحركون في مسيرة هذه الحياة لا في الأفعال، ولا في الأقوال، ولا في المواقف، لا في حالةٍ من الانفلات، ولا في اتباعٍ للهوى، ولا في اتباعٍ للمضلين، إنما يتحركون بناءً على هذا الأساس: {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}.

ولذلك اقترنوا في مسيرة حياتهم بالفلاح؛ لأن الهدى يقترن به الفلاح، يعني الفوز بالظفر، الفوز بالمأمول، النجاح الحقيقي، الوصول إلى تحقيق الأهداف العظيمة والسامية التي هي أعظم ما ينشده الإنسان ويرجو الوصول إليه، من خيرٍ وسعادةٍ أبدية، ومن عزةٍ وكرامة.

ومصدر الهدى هو الله -سبحانه وتعالى- الله -جلَّ شأنه- هو مصدر الهداية، هو -جلَّ شأنه- القائل في القرآن الكريم: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: الآية12]، هو -جلَّ شأنه- القائل: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: من الآية35]، هو -جلَّ شأنه- القائل: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: من الآية73]، هو -جلَّ شأنه- القائل: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: من الآية9]، ولأنه -سبحانه وتعالى- هو  الذي يتولى هداية عباده أنعم على عباده برسله وأنبيائه، وبالكتب التي أنزلها معهم، والوظيفة الأساسية والرئيسية للرسول والكتاب هي الهداية للعباد، العمل على هداية البشرية، العمل على إنقاذ الناس وهدايتهم؛ ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- عن القرآن الكريم، وهو الكتاب المهيمن الذي احتوى في مضمونه الهداية الإلهية في كل كتب الله السابقة، بما تحتاج إليه البشرية إلى قيام الساعة، منذ نزول القرآن الكريم وإلى قيام الساعة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: الآية2]، يقول -جلَّ شأنه-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: من الآية9]، يقول -جلَّ شأنه- عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- رسول الله محمد الذي هو خاتم النبيين، وهو أيضاً وارث كل الأنبياء، حمل هديهم، وهو سيد المرسلين الذي حمل من الكمال البشري ما لم يصل إلى مستواه أي بشرٍ قبله، ولن يصل إلى مستواه أي بشرٍ بعده -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- يقول الله عنه: {وَإِنَّكَ} يعني: الرسول محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: من الآية52]، كما يقول الله -سبحانه وتعالى- أيضاً: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: من الآية54].

فالرسول والكتاب الوظيفة الأساسية والرئيسية لهما، والمهمة الواحدة الموحَّدة المندمجة المتلازمة هي الهداية، هي الهداية، فالله أوصل إلينا هداه عن طريق منهجٍ عظيم يتمثل بالقرآن الكريم، وعن طريق قدوةٍ وقائدٍ وهادٍ يهدينا بهذا الكتاب، يعمل على إخراجنا بهذا الكتاب من الظلمات إلى النور، هو رسول الله وخاتم أنبيائه محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: الآية1].

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

كلمة السيد خلال فعالية للجامعات اليمنية بمناسبة المولد النبوي الشريف 1441هـ

 

قد يعجبك ايضا