التربية الإدارية في ضوء دروس السيد القائد لعهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر
قدِّم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (12) درساً متعلقة بإدارة شؤون الأمَّة في الإسلام، وفق هدي الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته وتعليماته، وذلك بالاستفادة من عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر حين ولَّاه مصر؛ وذلك باعتبار ذلك العهد وثيقة مهمة قدَّمت المهام، والمسؤوليات، والضوابط، والمعايير لإدارة شؤون الأمَّة في كل مواقع المسؤولية، وكل وظائف الدولة التي يكون الإنسان فيها مسؤول أو موظف في الدولة ومسؤولاً عن أي مجالٍ من المجالات، أو أي مستوى من المستويات.
رؤية قرآنية تعبِّر عن منهج الله الحق:
تضمنت وثيقة عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رؤية قرآنية تعبِّر عن منهج الله الحق فيما يتعلق بإقامة القسط، وكل ما يتعلق بالسياسات، والتوجيهات، والضوابط، والمعايير التي ينبغي أن يلتزم بها الإنسان في أي موقع من مواقع المسؤولية، وأي وظيفة من الوظائف في الدولة، وبالتالي فإن الجميع بحاجةٍ إلى معرفة هذه الرؤية القرآنية، لاسيَّما وأن الإمام علي عليه السلام الذي قال عنه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله: (عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ)، قد قدَّم من خلال القرآن الكريم، وهدي الله سبحانه وتعالى، محتوى هذه الوثيقة المهمة.
تقوى الله سبحانه وتعالى:
إن الالتزام بالتقوى له أهمية كبيرة جدًّا في أن يمنحنا الله النور، والبصيرة، والفهم الصحيح، وهذا أهمية له كبيرة في السلوك، وفي التصرف في العمل حيث تأتي الثمرة ذلك إلى الواقع العملي، فتكون التصرفات والقرارات مبنية على رؤية صحيحة، وفهم صحيح.
وتقوى الله سبحانه وتعالى هي الضابط الذي يضبط أداء الإنسان في مسؤوليته، والذي يجب أن يؤدِّي مسؤوليته في أي موقع من مواقع المسؤولية على أساس تقوى الله سبحانه وتعالى، يقول السيد القائد:
“(أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ)، تقوى الله هي الضابط الذي يضبط أداء الإنسان في مسؤوليته، يؤدِّي مسؤوليته في أي موقع من مواقع المسؤولية، على أساس تقوى الله سبحانه وتعالى، وهذا ضابطٌ مهمٌ جداً؛ لأن الإنسان الكثير من الناس عندما يصل إلى منصب معين، وبالذات إذا كان منصباً كبيراً، والبعض من الناس لا يحتاج حتى إلى منصب كبير، البعض كما يقولون في المثل الشعبي: [يسكر من زبيبة]، البعض ولو كان منصبه منصباً صغيراً يطغى، يطغى؛ لأنه وصل إلى منصب معين، يتعامل مع الناس بطغيان، وتكبر، وتجبر، ويظلم، ويسيء، وتتغير سلوكياته، ويفقد أسلوب التواضع في معاملته مع الناس، فالإنسان بحاجة إلى أن يرسِّخ في نفسه هذا الضابط المهم جداً؛ ليضبط أداءه العملي في أي موقع من مواقع المسؤولية على أساسه: تقوى الله سبحانه وتعالى، أن تستشعر أنك في أي موقعٍ من مواقع المسؤولية: كرئيس، أو وزير، أو مدير، أو مسؤول في أي موقع من مواقع المسؤولية، أنك تخضع لرقابة الله سبحانه وتعالى، وأنك قبل أن تكون مسؤولاً أمام الناس، أنت مسؤولٌ أمام الله سبحانه وتعالى، وأنَّ الله يرقبك، يعلم ما تفعل، يعلم بكل تصرفاتك، وأنه سيحاسبك، وسيجازيك، جزءٌ من حسابه وجزائه يأتي في عاجل الدنيا، يعاقبك ببعضٍ من العقوبات في عاجل الدنيا، والجزء الكبير، الجزء الرهيب في عالم الآخرة، ولهذا لتعرف أنك خاضعٌ للمؤاخذة إن انحرفت، إن ظلمت، إن طغيت، إن تجبرت، إن استكبرت، إن انحرفت عن مبادئ الحق والعدل والخير، أنَّ الله سيؤاخذك، لا تتصور أنك قد صرت في حَصَانَة”.
ترسيخ العبودية لله “سبحانه وتعالى”.
إن المنطلق الأساس لأداء المسؤولية في الدولة، والحكومة، هو منطلق العبودية لله “سبحانه وتعالى”، فالعلاقة مع الله “سبحانه وتعالى” هي من أول وأهم ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في أداء المسؤولية، يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي:
“في الإسلام، في منهج الإسلام، وفي تربية الإسلام، يرسِّخ الإسلام لدينا النظرة إلى المنصب، إلى المسؤولية العامة، إلى الموقع الذي نكون فيه في موقع مسؤولية لإدارة شؤون الناس، في أي مستوى من المستويات، أنه وظيفة عبودية، عليك فيها التزامات إيمانية، تؤدِّي فيها ما تؤديه كقربة إلى الله سبحانه وتعالى، وكعمل صالح، عليك فيه التزامات بضوابط معينة، بمعايير معينة، وأن تكون أيضاً ملتزماً فيما يتعلق بالحلال والحرام… وغير ذلك.
وهذا مهم على المستوى النفسي والتربوي، على المستوى النفسي والتربوي، أنَّ الإنسان في موقع المسؤولية مهما كان منصبه: رئيس، أو ملك، أو وزير، أو مدير… أو في أي موقع من مواقع المسؤولية، في أي مستوى من مستويات المسؤولية، يجب أن يرسِّخ في نفسه على الدوام أنه عبد، عبدٌ لله سبحانه وتعالى، عليه أن يخضع لله، أن يطيع الله، أن يلتزم بأمر الله سبحانه وتعالى، عليه”.
السيطرة على النفس:
تعد السيطرة على النفس من أهم ما يؤخذ بعين الاعتبار في أداء المسؤولية؛ ذلك لأن كثيراً من الأخطاء، والتصرفات السيئة، والممارسات الخاطئة والظالمة يكون منبعها في معظم الأحيان هو هوى وشهوات ورغبات النفس.
ومن أهم الأشياء في موقع المسؤولية أن يسعى الإنسان للسيطرة على رغبات وشهوات نفسه؛ وذلك حتى لا تؤثر عليه في عمله، فيكون تأثيرها كبير في أن يتجه الانسان بدافع هوى النفس، ورغبات وشهوات النفس للعمل وفق هوى نفسه، وذلك لتلبية رغباته الشخصية، وليس لمصلحة العمل، وأداء المسؤولية بشكلٍ صحيح. فتكون المسألة خطيرة جداً، وتحتاج إلى سيطرة قوية على النفس، يقول السيد القائد:
“من أهم ما يؤخذ بعين الاعتبار في أداء المسؤولية: السيطرة على النفس؛ لأن كثيراً من الأخطاء، والتصرفات السيئة، والممارسات الخاطئة والظالمة، يكون منبعها- في كثيرٍ من الأحيان- هوى النفس، وشهوات النفس، ورغبات النفس، وعندما يكون الإنسان في موقع مسؤولية عامة، في أي مستوى من مستويات المسؤولية، ثم يتصرف في مسؤوليته وفق هوى نفسه، وفق رغبات نفسه، وفق أطماع نفسه، هوى النفس ورغبات النفس تشمل كل الميول النفسية، سواءً بدافع الرغبة والشهوة بشكلٍ أساسي، وهذا ما يؤثر على الكثير من الناس، ما يدفعهم إلى الفساد، ما يدفعهم إلى الخيانة، ما يدفعهم إلى الظلم، ما يدفعهم إلى العمل بطريقةٍ غير صحيحة ولا سليمة، ما يبعدهم عن تقوى الله “سبحانه وتعالى” في أداء مسؤولياتهم، هي الرغبات، هي الشهوات، هي الأهواء، فيتجهون إلى استغلال مناصبهم ومسؤولياتهم لتحقيق رغبات أنفسهم، وللتركيز على المصالح الشخصية فوق مصلحة العمل، فوق التزامات المسؤولية وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، ويحيدون عن تقوى الله “جلَّ شأنه” بسبب ذلك.
ففي موقع المسؤولية من أهم الأشياء: أن يسعى الإنسان للسيطرة على رغبات نفسه، على شهوات نفسه؛ حتى لا تؤثر عليه في عمله، فيتجه بدافع هوى النفس، ورغبات النفس، وشهوات النفس للعمل وفق هوى نفسه، لتلبية رغباته الشخصية، وليس لمصلحة العمل، وليس لأداء المسؤولية بشكلٍ صحيح”.
الناس هم ميدان المسؤولية:
إن ميدان المسؤولية هم الناس، ولذلك يجب أن يدرك الإنسان جيداً أن مسؤوليته تتعلق بالناس، لاسيما وأن المسؤولية في الدولة، والحكومة، وفي أي منصب من المناصب هي مسؤولية تجاه الناس، يقول السيد القائد:
“الإنسان عندما يتحرك إلى موقع المسؤولية، فليدرك جيداً أنَّ مسؤوليته تتعلق بالناس، المسؤولية في الدولة، المسؤولية في الحكومة، في أي منصب من المناصب، في أي موقع من مواقع المسؤولية، هي مسؤولية تجاه الناس، وميدان المسؤولية هم الناس؛ ولذلك يجب أن تحسب حساب علاقتك مع هؤلاء الناس، وطريقة أدائك للمسؤولية، بعد أن تكون أولاً: حسبت حساب علاقتك بالله “سبحانه وتعالى”، والسيطرة على نفسك، ثم تحسب حساب علاقتك مع الناس، أن يكون أداؤك للمسؤولية أداءً سليماً، تقدِّم فيه النموذج الجيد، وتأخذ العبرة من تصرفات الآخرين، الذين كانوا قبلك، وكان لتصرفاتهم السيئة، ممارساتهم الخاطئة، ولما حصل منهم من ظلم، أثر سيئ عليهم، على أعمالهم، على موقف المجتمع منهم”.
ويؤكد السيد القائد أن لهذه المسألة أهمية من جوانب متعددة، إذ يقول:
“لهذه المسألة أهمية من جوانب متعددة، بما أنَّ ميدان مسؤوليتك، وبما أنَّ عملك أصلاً مرتبط بالناس، أنت مسؤولٌ تجاههم، فمن صالح عملك، ومن مصلحتك أن تكون علاقتك بالمجتمع الذي هو في نطاق مسؤوليتك، وأنت مسؤولٌ تجاهه، أن تكون علاقةً إيجابية، علاقةً جيدة، هذا له أثره حتى في نجاحك في أعمالك ومهماتك، وفي أن يكون المجتمع بنفسه عوناً لك، عوناً لك في أداء مسؤوليتك؛ لأن المجتمع عندما يشعر أنَّ أهم شيءٍ عندك بعد رضا الله “سبحانه وتعالى”: أن تؤدِّي مسؤوليتك تجاه هذا المجتمع بشكلٍ صحيح، وأن تقوم بواجبك بحسب ما ينبغي، وأنك مخلصٌ في ذلك، صادقٌ في ذلك، جادٌ في ذلك، وأنَّ عندك اهتمام بالناس، اهتمام بأمر الناس، هذا له أثره الكبير تجاهك من جانبهم، في مشاعرهم، في تعاونهم، في نظرتهم إليك، فيكون لهذا نتيجته الكبيرة في الواقع العملي، يكونون عوناً لك على أداء مسؤوليتك، وتكون علاقتك مع المجتمع كشريك لك في إطار مسؤولية يتعاون فيها الجميع، هذا شيءٌ مهم”.