مخاطرُ عودة التصعيد تفضحُ “دبلوماسية واشنطن”: البيتُ الأبيض يدافعُ عن استمرار العدوان والحصار!
||صحافة||
أكّـدت عرقلةُ إدارة بايدن لمشروع قرار إنهاء المشاركة الأمريكية في العدوان على اليمن، صِحَّةَ قراءة القيادة الثورية والسياسية اليمنية لموقف البيت الأبيض من السلام، إذ أصبح واضحًا أن واشنطن حريصة بشدة على استمرار الحرب والحصار وتجنب أية فرصة للوصول إلى حلول حقيقية، وهو ما يعني أن شعار “الدبلوماسية الأمريكية” التي ترفعه إدارة بايدن ليس سوى دعاية لتضليل الرأي العام والعالم، وأن عنوان “تجديد الهُــدنة” قد تحول إلى غطاء لكسب الوقت والمماطلة.
البيتُ الأبيض: إنهاءُ الحرب يهدّدُ “الهُــدنة”!!
في محاولتها لتبريرِ قيامها بعرقلة مشروع القرار الذي كان مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزمُ التصويتَ عليه لإنهاء المشاركة الأمريكية في العدوان على اليمن، ووقف الدعم عن السعوديّة، زعمت إدارة بايدن أن مشروع القرار سيشكل خطراً على الهُــدنة وسيصُبُّ في صالح من أسمتهم “الحوثيين”.
حُجّـةٌ رديئة للغاية وغير منطقية، كشفت بوضوح أن البيت الأبيض لا يرغب في التوجّـه نحو أية خطوات من شأنها إحداث تقدُّمٍ إيجابيٍّ حقيقيٍّ نحو إنهاء الحرب، فالهُــدنة التي تدّعي إدارة بايدن أنها حريصة عليها قد فشلت أصلاً وانتهت ولم يتم تجديدها؛ بسَببِ تعنت الولايات المتحدة بشكل أَسَاسي ورفضها لمطالب الشعب اليمني واستحقاقاته الإنسانية والقانونية.
القيادةُ الثورية والسياسية اليمنية كانت قد قرأت هذا الموقف بشكل واضح قبل أن تقومَ الإدارةُ الأمريكية بعرقلة مشروع قرار مجلس الشيوخ، إذ أكّـد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والرئيس مهدي المشَاط، أن الولايات المتحدة هي من تسببت بفشل جهود تجديد الهُــدنة؛ لأَنَّها لا تريد سلاماً فعلياً بل تسعى لدفع صنعاء نحو الاستسلام.
بالتالي فَـإنَّ استمرارَ مشاركة الولايات المتحدة في العدوان، واستمرار دعمها للسعوديّة هو الخطر الذي يهدّد الهدوء النسبي الذي خلقته الهُــدنة، وليس مشروع قرار مجلس الشيوخ كما زعمت إدارة بايدن.
بحسب وسائل إعلام أمريكية، فَـإنَّ البيت الأبيض جادل بأن مشروع قرار إنهاء مشاركة أمريكا في الحرب على اليمن يهدّد “الدبلوماسية الأمريكية” التي يزعم أنها تهدف للتوصل لاتّفاق سلام، لكن هذا لم يعد ينطلي على أحد، فمشروع القرار جاء أصلاً؛ بسَببِ إدراك لحقيقة أن البيت الأبيض يكذب ولا يريد إنهاء الحرب (الإعلان عن وقف الدعم “الهجومي” للسعوديّة كان تجربة كافية لمعرفة ذلك).
وفي هذا السياق نقل موقع “صوت أمريكا” الإخباري عن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بيرني ساندرز قوله إنه “لا يوجد أي تقدم دبلوماسي على الأرض ويمكن أن يندلع العنف في أية لحظة”.
وعلق المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر على مزاعم “الدبلوماسية الأمريكية” في حديث لموقع “ذا انترسبت” قائلاً إنه “لم تكن هناك عملية سياسية أَو مفاوضات حقيقية أَو حتى احتمال لحدوث ذلك” وَأَضَـافَ أن كُـلّ ما حدث هو “هدوء مؤقت” لكن “كل الأطراف تستعد للأسوأ”.
هذه التعليقات تؤكّـد أن البيت الأبيض يحاول أن يستثمرَ الهُدوءَ النسبي الذي خلقته الهُــدنة والذي يرجع الفضل في استمراره إلى تجاوب صنعاء مع جهود الوسطاء، ليقدمه كإنجاز دبلوماسي يوهم الرأي العام والعالم بأن هناك جهوداً تُبذَلُ في مسار السلام، وبالتالي التهرب من تداعيات استمرار التورط في العدوان والحصار.
غطاءٌ دبلوماسي لمواصلة العدوان والحصار وتجنُّب التداعيات
لطالما كانت الغايةُ الرئيسيةُ لكل التحَرّكات الأمريكية التي رفعت شعار “إنهاء الحرب في اليمن” هي امتصاص الضغوط والتخلص من الانتقادات، وتوفير غطاء لمواصلة السلوك العدواني ضد الشعب اليمني، وما يحدث الآن ليس إلَّا صفحة أُخرى من صفحات كتاب هذه المراوغة الأمريكية، ففي الوقت الذي يقوم فيه مبعوث البيت الأبيض تيم ليندركينغ بإفشال جهود تجديد الهُــدنة وسد أفق التفاهمات، تزعم الإدارة الأمريكية أنها تواصل “جهودها الدبلوماسية” لإنهاء الحرب وأنه “لا ضرورة” لمشروع قرار ينهي المشاركة الأمريكية في العدوان والحصار!
وفي هذا السياق أَيْـضاً ينقل موقع “صوت أميركا” عن تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، قولها إن عرقلة مشروع القرار تبقي المجال مفتوحاً أمام إدارة بايدن لتقديم المزيد من الدعم للسعوديّة تحت مبرّر أنه “دعم دفاعي”، أي أن البيت الأبيض حريص على مواصلة منهجه العدواني.
ووفقاً لكل ما سبق، يمكن القول: إن أية فرصة للوصول إلى حَـلّ فعلي عن طريق الهُــدنة قد أصبحت بعيدة جِـدًّا؛ لأَنَّ كُـلّ ما تبقى من هذه الهُــدنة هو غطاء دبلوماسي تستخدمه الإدارة الأمريكية لهندسة وضع يتيح لها التهرب من الانتقادات والضغوط والاستمرار في قيادة العدوان والحصار على اليمن في آن واحد، وهذا المسعى تترجمه حالة “اللا حرب واللا سلام” التي تسعى الولايات المتحدة لفرضها من خلال وضع صنعاء بين خيارات “غير منصفة” بحسب وصف قائد الثورة.
وبقدر ما يبدو هذا المسعى الأمريكي مصمَّماً بعناية كبيرة، فَـإنَّه يبقى في حقيقته مسعًى مرتبكاً وغير مضمون، كما أنه غير جديد؛ لأَنَّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكية قد حاولت أكثرَ من مرة على امتداد السنوات الماضية أن تقيِّدَ خياراتِ صنعاءَ بحيل سياسية ودبلوماسية، وحيلة “تجديد الهُــدنة” لن تنجح في تحقيق ما عجزت عنه الحيل السابقة؛ لأَنَّ النجاح في إعاقة مشروع قرار مجلس الشيوخ وتضليل الرأي العام والعالم شيء، والنجاح في خداع صنعاء شيء آخر، فالأخيرة تدرك جيِّدًا ومنذ البداية أن “الدبلوماسية الأمريكية” مُجَـرّد تكتيك حربي، ورسائل قائد الثورة في خطابه الأخيرِ تؤكّـد بوضوح أن عودة التصعيد ستكون حتمية إذَا لم تعدل الولايات المتحدة سلوكها وتبدأ بالعمل على الحلول الحقيقية، وعندما يعود التصعيد الذي أكّـدت صنعاء عدة مرات أنه سيكون “غير مسبوق” فَـإنَّ المكاسب المزعومة لـ”الدبلوماسية الأمريكية” الدعائية ستسقط كلها ولا يهم إن ألقت واشنطن اللوم على صنعاء وقتها؛ لأَنَّ الحقيقة ستكون واضحة على الأرض وهي أن الحرب التي تشارك فيها الولايات المتحدة ضد الشعب اليمني لا زالت محتدمة، ومخاطرها وتداعياتها ما زالت قائمة، وأن إدارة بايدن لم تكذب فحسب، بل إنها أخفقت في محاولة تغيير الواقع الذي استطاعت صنعاءُ فرضَه.
والحقيقةُ أن فشلَ الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن قد بات واضحًا بالفعل، وبحسب موقع “FPIF” فهو ليس فشلاً أخلاقياً فحسب، بل فشلٌ استراتيجيٌّ أَيْـضاً.
صحيفة المسيرة