الإخوان يدمرون أنفسهم ذاتياً
عندما يشب حريق في بيت, ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله, ينبغي عليك ان تعلم أنها دعوة خائن, لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر, هو الاستحمار, وإن كان عملا مقدسا.
العبارة السابقة هي للمفكر الاسلامي د/علي شريعتي, وهي تلخص أوضاع مصر اليوم, التي تحترق الكثير من مدنها, وبدلاً من أن يطفئ حكامها الجدد النار, لديهم اهتمامات أخرى, بل ويهرولون الى الأمام مشعلين الكثير من الحرائق في طريقهم.
دخل الإخوان في مصر – واليمن نسبياً – المرحلة الانتقالية بعقلية الصراع الانتخابي في الأوقات العادية والمستقرة, متناسين أن المرحلة الانتقالية تقتضي التوافق وليس المغالبة, ففيها ستحصل الكثير من الإشكالات بسبب مقاومة أصحاب المصالح ومراكز القوى التقليدية التي بدأت تخسر امتيازاتها, وفيها ستنتقل البلاد من حال الى حال, ويصاغ دستورها, لذلك فالمرحلة الانتقالية بحاجة الى توافق من قبل جميع القوى السياسية, وبالحد الأدنى توافق القوى الثورية التي سعت الى التغيير.
التوافق شرط أساسي في أي مرحلة انتقالية, لأنها مرحلة صياغة عقد اجتماعي جديد, يجب ان تشارك فيه القوى الرئيسية في البلد, بغض النظر عن الأغلبية والأقلية, وفي بلد كمصر يصبح التوافق أكثر أهمية خصوصاً أن هناك أكثر من دين و طائفة, وبالتالي فلا يمكن ان تترك المرحلة وعقدها الاجتماعي بالأخص لصناديق الاقتراع.
غطاء الاخوان غير كافٍ لإدارة المرحلة الانتقالية, لذلك تشهد مصر أسوأ مراحلها, فالقتل والتدمير والحرائق تلتهم كل شيء, واجهزة الدولة عاجزة, حتى أجهزة الشرطة دخلت على خط الاضراب والاعتصامات المفتوحة ورفض التوجيهات, ولم يبقى أمام الاخوان الا جر الجيش المصري الى مواجهة شعبه ليستتب لهم الأمر.
خسر الإخوان أغلب القوى التي شاركتهم في الثورة, ابتداء باليساريين واللبراليين وانتهاءً بالتيارات السلفية, وكلما خسروا فريقاً عوضوا ذلك بسيطرتهم على الكثير من اجهزة الدولة واستخدموها لقمع معارضيهم, وشيئاً فشيئاً سيتحولون الى نظام قمعي سرعان ما سيتم اسقاطه, اما شعبياً أو عبر الانقلاب, بعد أن تكون أغلب القوى السياسية والاجتماعية قد ذاقت الأمرين على أيديهم وبالتالي يمكن أن تشكل غطاءً لأي انقلاب عسكري متوقع, خصوصاً مع انفلات الأمن وتورط الجيش في ادارة البلاد من الناحية الأمنية.
لا يعي الاخوان دروس التاريخ, فإما أن وهج السلطة وإغراءاتها افقدتهم البوصلة, أو أن ظلام المعتقلات والعمل السري جعلهم غير مستوعبين للمتغيرات.
يتآمر الإخوان على أنفسهم دون أن يشعروا, وفي نفس الوقت يتهمون غيرهم بالتآمر عليهم, فسعيهم الى السلطة وتصديهم للمرحلة الانتقالية, يُحملهم الكثير من أعبائها وصعوباتها التي لا تقوى أي سلطة على تحملها مهما كانت مستعدة لذلك, فكيف بالإخوان الذين لا تجربة لهم في الحكم.
يتعامل الاخوان في مصر بعقلية الأنظمة في العقود الماضية, غير مدركين للفرق الهائل بين الماضي القريب والحاضر, وغير مستوعبين للنقلة التكنولوجية التي جعلت المعلومات تتدفق بسرعة هائلة, وأدت بالتالي الى تغير في نوع وسرعة الحراك الاجتماعي تجاه الأنظمة.
كلما زاد بُعد الاخوان في مصر عن تيارات مهمة داخل الشعب, وكلما زاد الاحساس لدى الناس أن هذا النظام لا يعبر عنهم ولا عن مصالحهم, سعى الاخوان لردم الهوة بينهم وبين تلك التيارات عبر الانبطاح أكثر للإدارة الأمريكية, التي تلوح بعصى الرفض الشعبي لسياساتهم, وتهددهم بأنها ستدعم خصومهم السياسيين في حالة كانت عروضهم أقل من عروض الأنظمة التي سبقتهم.
تسعى أميركا الى ضرب الإخوان ليس عن طريق مواجهتهم أو دعم خصومهم, فذلك قد يعطيهم شعبية أكثر وبالتالي يضفي عليهم مزيداً من الشرعية, لكنها تتحالف معهم وتمكنهم من السلطة ليغتروا بمباهجها ويتورطوا في فضائحها وقمعها, ويفقدوا بذلك قضيتهم ومبرر وجودهم كأطراف مقاومة – حسب زعمهم – للمشاريع الصهيونية في المنطقة, وبالتالي يدمروا أنفسهم ذاتياً كالأنظمة القومية التي سبقتهم.