أميركا والسلام في اليمن
عباس السيد
يعرف الجميع أنه لولا الدعم الأميركي لما شنت دول العدوان وعلى رأسها السعودية والأمارات الحرب على اليمن ، ولولا المواقف الأميركية لما استمر هذا العدوان طيلة ثماني سنوات ولا يزال .
وفي هذا السياق جاءت مواقف الرئيس الأميركي جوبايدن قبل أيام ، والتي أعلن فيها التزام واشنطن بحماية الإمارات وأنها ستعمل لمنع تكرار تعرضها لهجمات كالتي تعرضت لها في يناير من العام الماضي .
بيان الرئيس الأميركي أو ” جو النائم ” كما يسميه منافسه الجمهوري دونالد ترامب ” جاء متزامنا مع ذكرى الضربة التي وجهها الجيش اليمني على اهداف حيوية استراتيجية في أبوظبي ، كرد شرعي على مشاركة الإمارات في العدوان على اليمن ومشاركتها الفاعلة والمباشرة في تنفيذ مخططات تفكيك اليمن والسيطرة على مقدراته ونهب ثرواته .
موقف بايدن الأخير وتعهده بعدم تكرار ما سبق يستدعي السؤال : ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لمنع تكرار ما تعرضت له الإمارات من ضربات يمنية نوعية من قبل ؟! وخصوصا أن تلك الضربات لم تكن مفاجئة ، وقد سبقها تحذيرات معلنة ومتكررة من قبل القيادات اليمنية ، وبالتالي كانت متوقعة من قبل نظام أبوظبي وحليفه الأميركي والضباط الأميركيين في قاعدة الظفرة الذين لم يركنوا إلى منظوماتهم الدفاعية المشهورة واختبأوا في الملاجئ ، وبدت منظومات باتريوت وثاد أمام المسيرات والصواريخ اليمنية مثل فزاعات الطيور في مزارع الحبوب .
هل يراهن بايدن على القبة الحديدية ، على مقلاع داوود ، وغيرها من المنظومات “الإسرائيلية” التي يجري تطويرها بأموال أميركية ؟ بالتأكيد لا .. هو يُسوَق لها لحلب المليارات التي بدأت منتصف العام بصفقة ” رافائيل ” بين الإمارات وكيان العدو الذي لم يستطع حماية نفسه من صواريخ ومسيرات المقاومة في غزة ولبنان ، رغم كل ما ينفقه من أموال ودعم أميركي للتطوير .
“الاسرائيليون” أنفسهم يعرفون مدى فاعلية المسيرات والصواريخ اليمنية ، وبحسب ما نقله موقع عبري عن ضابط رفيع في سلاح الجو ” الإسرائيلي” يقول :
” في أعقاب هجوم أرامكو، أصدر قائد سلاح الجو اللواء عميكام نوركين أمرا بعنوان : الدفاع عن الدفاع الجوي.
أضاف الضابط : ” قبل عشر سنوات كان هدف بطارية القبة الحديدية اعتراض الصواريخ، أما اليوم فإن كل قائد بطارية أصبح ملزماً أولاً بالحفاظ على منظومته، وبعدها الاعتراض ”
لا يراهن الرئيس الأميركي على منظومات دفاعية جديدة ، أميركية أو إسرائيلية ، فليس بالإمكان أكثر مما كان ، لكنه يراهن فقط على ما يتمتع به حلفاؤه وأدواته في المنطقة من غباء و ولاء .
وفي حين تقوم الولايات بتأجيج الصراع وإطالة أمد الحرب بين اليمنيين ومع جيرانهم وأشقائهم في السعودية والإمارات ، تعمل بكل إمكاناتها لتحويل الكيان الاسرائيلي من عدو محتل لأرض ومقدسات عربية إسلامية إلى صديق وحليف للإمارات والسعودية .
المثير في مواقف بايدن الأخيرة ، أنها جاءت متزامنة مع نجاح الجهود السياسية في التوصل إلى تفاهمات بين صنعاء وقوى العدوان حول الملفات الإنسانية وتجديد الهدنة كتمهيد للمضي في معالجة بقية الملفات وصولا إلى تسوية شاملة تنهي الحرب والحصار .
كان الأحرى بالرئيس بايدن مباركة ما تم التوافق عليه كخطوة أساسية في مسار إنهاء الحرب على اليمن وتحقيق السلام والأمن في المنطقة والإقليم بشكل عام ، وليس تحريض الإمارات للاستمرار في الحrب على اليمن .
ألم يكن إنهاء الحرب على اليمن وعدا انتخابيا للرئيس بايدن ؟. فلماذا يتناساه ويعمل بعكس ما وعد به ؟. لا تستحق مثل هذه الأسئلة البحث عن إجابات ، والسؤال الأهم هو : متى كانت الولايات المتحدة تعمل لإنهاء الحروب وتحقيق السلام بين دول وشعوب العالم ؟!.
الولايات المتحدة هي العدو الأول للسلام في العالم ، ولا تعيش إلا في مناخ الحروب ، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى العام 2001 ، شهد العالم 248 نزاعا مسلحا في 153 دولة ومنطقة حول العالم ، 201 منها ، أشعلتها الولايات المتحدة ، ما يعني أنها ” كانت مسؤولة عن 81% من إجمالي جميع الحروب والصراعات حول العالم.ـ بحسب دراسة تأريخ حروب وصراعات الولايات المتحدة ـ . أي أنها بمثابة العقل المدبر للاضطرابات ومصدر الفوضى في العالم.
وبحسب الكاتب الأميركي ويليام بلوم في كتابه ” الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكا” يقول بلوم : ” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة للإطاحة بأكثر من 50 حكومة أجنبية، معظمها منتخبة ديمقراطيا، وتدخلت بشكل صارخ في انتخابات ديمقراطية لـ30 دولة على الأقل، وحاولت اغتيال أكثر من 50 من القادة الأجانب” .
إذا ، ما الذي يمكن لنا أن نتوقعه من إدارة بايدن أو غيرها من الادارات الأميركية من مواقف تجاه العدوان والحصار سوى التحريض والتأجيج والعمل على إطالة أمد الحرب ؟!.
ختاما ، يمكن القول أنه في حالة استمرار التعنت الأميركي ومساعيهم لإطالة أمد الحرب والحصار على اليمن وعرقلة جهود التسوية والسلام ، فإن ذلك سيكون دافعا لأن يلجأ اليمنيون إلى خيارهم الوحيد ، حينها سيضطر بايدن إلى استنساخ ” الطريقة الإٍسرائيلية ” وسينشغل بالدفاع عن المصالح الأميركية قبل الإماراتية ، يعني الدفاع عن المُدافع أولا ، تماما كما أنشغل الإسرائيليون بتوفير الحماية للقبة الحديدة أولا .