جمعة رجب ذكرى إسلام أهل اليمن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً  فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

أحاديث نبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوباً، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان)

 (إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن)

 (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا) قالها ثلاثا.

-وحين بلغه إسلام أهل اليمن قال ((نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر، وأصبرها على الجهد، وفيهم أبدال، وفيهم أوتاد).

 

 

جمعة رجب أو «الرجبية» مناسبة يحتفل بها ويقف عندها الشعب اليمني، الشعب الذي وصفه رسول الله-صلوات الله عليه وآله-بقوله:(الإيمانُ يمانٍ، والحكمةُ يمانيةٌ) في شهادة لنا نفتخر بها لأنها من سيد المرسلين، وفي دلالة واضحة على مستوى الإيمان والحكمة التي اختص بها الله سبحانه وتعالى الشعب اليمني دون غيره من شعوب العالم الإسلامي.

إذ يحتفل اليمنيون في الجمعة الأولى من شهر رجب من كل عام بهذه المناسبة لما لها من أهمية كبرى؛ لأنها من الصفحات البيضاء الناصعة في تاريخنا، حيث التحق في الجمعة الأولى من رجب عدد كبير من أبناء اليمن بالإسلام طوعاً دون ضربة سيف، ولا طعنة رمح. وفيما بعد أقبل أهل اليمن إلى الإسلام من خلال الوفود بشكل كبير يبايعون الرسول صلوات الله عليه وعلى آله.

جمعة رجب محطة تاريخية للانتماء اليماني للإسلام

ويرتبط بها مناسبةٌ تاريخية وذكرى عظيمة لليمنيين، فهي تعتبر محطةً أساسيةً من المحطات التاريخية لهذا الشعب العظيم في انتمائه للإسلام، فرسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» كان قد أرسل الإمام علياً «عليه السلام» برسالة إلى اليمن؛ ليدعو أهل اليمن إلى الإسلام، فكان هناك استجابة سريعة، ودخولٌ طوعيٌ بكل رغبةٍ وقناعةٍ في الإسلام، وفي ذلك اليوم التحق عددٌ كبيرٌ من أبناء هذا البلد بالإسلام، وأعلنوا إسلامهم، وكتب الإمام عليٌّ «عليه السلام» إلى رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» رسالةً أخبره فيها عن ذلك ببعضٍ من التفصيل، فسجد رسول الله «صلى الله عليه وعلى آله وسلم» شكراً، وسُرَّ سروراً عظيماً.

 

اليمنيون نجوم ساطعة في سماء التاريخ الإسلامي

في بدايات البعثة النبوية وحين بدأ رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» مرحلة الدعوة للدين الإسلامي الحنيف في مكة، على المستوى الفردي لم يكن هناك إلا القلة القليلة ممن آمنوا به في مكة، وبالطبع فقد كان من أبرزهم من هم من أصولٍ يمانية، مثل: عمار بن ياسر ووالده وأمه، وكذلك المقداد، المعروف بالمقداد بن الأسود الكندي، وعمار والمقداد من عظماء وأخيار صحابة رسول الله «صلى الله عليه وعلى آله»، الذين آمنوا، وجاهدوا، وصبروا، وجمعوا بين الهجرة والجهاد والإيمان، وكانوا على مستوىً عظيم من الوعي، والبصيرة، والمنزلة الرفيعة في إيمانهم، وسابقتهم، وفضلهم.

أما على المستوى الجماعي فقد كان إيمان قبيلتي الأوس والخزرج (الأنصار)، وهؤلاء هم من كان لهم شرف السبق بالإيمان والنصرة الذين تشرَّفوا بهذا الشرف الكبير: الإيواء لرسول الله، ونصرته، والدخول في الإسلام، والأوس والخزرج من أصولٍ يمانية.

ثم تبع ذلك أيضاً إيمان البعض على مستوى فردي، وعلى مستوى جماعات، على مستوى قبائل، لكن التحول الواسع، التحول الكبير كان في جمعة رجب، ففي آخر السنة الثامنة وأول التاسعة للهجرة بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن الإمام عليَّ بنَ أبي طالب -عليه السلام- وهو أول رسله إلى صنعاء وقبائل همدان، فأسلمت على يده صنعاء وهمدان كلها في أول جمعة من رجب فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فلما قرأ رسول الله الكتاب خرّ ساجداً لله ثم رفع رأسه وقال:( السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان)، وفي رواية أنه قال(نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر، وأصبرها على الجهد، وفيهم أبدال، وفيهم أوتاد).

وفي نصرتهم للإمام على وتأييدهم له، والوقوف إلى جانبه، في معاركه ضد الناكثين والقاسطين والمارقين، ففي حرب صفين كان أبرز قاداته من اليمن أمثال سعيد بن قيس من همدان، ومالك الأشتر من نخع، والمرقال من بني زهرة، وعدي الطائي من طيئ، وقد كانت قبائل همدان في مقدمة الصفوف، وقاتلوا قتال الأبطال حتى أعجب الإمام علي عليه السلام بقتالهم، حتى قال في مدحهم قصيدته المشهورة التي وصف فيها نجدة همدان بكل بطونها (شاكر، شبام، أرحب، نهم، أحياء السبيع، يام)وشجاعتهم، وكرمهم ومحبتهم للإمام علي، وهي قصيدته التي مطلعها:

ولما رأيت الخيل تقرع بالقنا…فوارسها حمر النحور دوامِ

ومع الإمام الحسين كذلك كان لأهل اليمن وجودهم، وسجل التاريخ مواقفهم الكريمة في البذل والعطاء، ومواقفهم المتفانية في التضحية والفداء، في مواقف متعددة مع أئمة أهل البيت عليهم السلام لا يتسع هذه المختصر لذكرها.

جمعة رجب مناسبة مهمة وقيّمة عند اليمنيين؛ ومحطة للإحسان وفعل الخير

يذكِّرنا الله «سبحانه وتعالى» بقيمة أن نتذكر النعم، أن ندرك قيمتها، أن نستشعر إيجابيتها، وأن نفرح بها، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس: الآية58]؛ لذلك من العظيم أنَّ هذه المناسبة تحظى باهتمام، بتقدير، بالنظرة إليها كذكرى تاريخية عظيمة وإيجابية، اعتاد شعبنا اليمني أن يعطيها أهمية، أن يدرك قيمتها، أن يجعلها مناسبةً لفعل الخير، لصلة الأرحام، للبر، للإحسان، للابتهاج بها، لذكر الله فيها، وأن يعقد فيها الكثير من الاجتماعات والاحتفالات.

ولهذا فهي مناسبة وذكرى تاريخية عظيمة ومقدسة:

في الحفاظ على هويتنا اليمانية المسلمة.

وفي تجذير وترسيخ هذه الهوية الإسلامية لكل الأجيال حاضرا ومستقبلاً.

تمثل نعمة وفضلا كبيرا من الله-سبحانه وتعالى-علينا، وتوفيقا عظيما منه بكل ما تعنيه الكلمة.

ولأن هذه الذكرى هي أول ذكرى وأول محطة ارتباطنا بالإسلام العظيم.

ولكونها ذكرى من أعز وأقدس المناسبات عند اليمنيين.

 

مميزات الانتماء الإيماني للشعب اليماني

الإيمان طواعية: إقبال أهل اليمن في انتمائهم للإسلام، وفي انتمائهم الإيماني، كان متميزاً بأنه في أغلبه طوعيٌ، وإقبالٌ برغبةٍ.

المبادرة والسبق: فإقبال أهل اليمن إلى الإسلام كان منذ المرحلة الأولى في الدعوة الإسلامية.

التجسيد للمبادئ والقيم الإسلامية: إسلام أهل اليمن إسلام فيه تجسيدٌ لقيم هذا الإسلام، ومبادئ هذا الإيمان، وتمسكٌ بقيمه وأخلاقه.

الالتزام العملي بكل التوجيهات الإسلامية: فلم يكن مجرد انتماء شكلي، بل كان إيماناً فيه نصرةٌ، وجهادٌ، وعطاءٌ، وتضحية.

صدق الانتماء: فاليمنيون كانوا وما زالوا هم أهل الإيمان، فلم يهتز إيمانهم في فترات مرت على التاريخ الإسلامي، ولم تتزعزع مواقفهم الإيمانية.

ثبات الانتماء: حيث كانوا وما زالوا حتى يومنا هذا ثابتين على القيم والمبادئ الإسلامية، فلم يتجهوا للفكر الأموي والعباسي قديما، ولم يستجيبوا للفكر الوهابي المتطرف حاليا.

في مستوى بنية الجيش الإسلامي: كانوا هم نواة الجيش، وهم الجانب الأكثر والأبرز والصلب، الذي استفادت منه الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات، فهو الشعب الفاتح.

ولذلك كانوا بما حملوه من مميزات إيمانية إلى درجةٍ وصفهم الرسول «صلوات الله عليه وعلى آله» بها بوصفٍ عظيم، ويعتبر-بحقٍ-وسام شرفٍ كبير لهم، عندما قال رسول الله «صلى الله عليه وعلى آله وسلم» فيما روي عنه: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).

مواصفات رئيسية هي معيار للانتماء الإيماني الصادق:

يقدم القرآن الكريم مواصفات الإيمان الصادق ومن أهم تلك المواصفات

الثقة بوعد الله ووعيده بيقين وبصيرة، وعدم الارتياب

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾، المؤمن لا يرتاب أبداً في وعد الله «سبحانه وتعالى»، يصدّق ويثق بوعد الله وبوعيده، يؤمن بكل ثقة، بيقين، ببصيرة، ثم لا يرتاب أبداً، حتى وإن حصلت حملات تضليل.

الجهاد بالأموال والأنفس

﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ يأتي الجهاد في التحرك وفق منهج الله «سبحانه وتعالى»، ضد الأعداء من الكافرين والمنافقين الذين يسعون بكل الوسائل للسيطرة على الأمة، ومنعها من الالتزام بمنهج الله وتعليماته.

فيأتي الجهاد في التصدي لهم والدفع لشرهم ولفسادهم، لباطلهم، الذي يحاولون أن يفرضوه على الأمة بكل الوسائل، في مقدمتها القوة، والضغط العسكري، والعدوان، والإجرام، والحصار.

مجالات الجهاد في سبيل الله: الجهاد يأتي في كل المجالات: جهاد على المستوى (العسكري، الثقافي، الفكري، الاقتصادي، الخ)، وفي مقدمته الجهاد بالمال (العطاء).

  أهمية الإيمان ونتائجه

هذا الإيمان، وهذا الانتماء الإيماني بكل مميزاته، كان له نتائجه الطيبة في التزكية، وفي سمو النفس، ومن النتائج الكبيرة للإيمان ما يلي:

الإيمان إنقاذٌ لنا في الدنيا والآخرة

فالإيمان إنقاذ للإنسان في الدنيا، وإنقاذ له في الآخرة، إنقاذ للإنسان في الدنيا؛ كي لا يضيع حياته، كي لا تتحول مسيرة حياته إلى وبالٍ عليه.

كما أن الإيمان إنقاذ في الآخرة، إنقاذٌ من عذاب الله، إنقاذٌ من جهنم -والعياذ بالله-، إنقاذ من الخسارة الكبرى، من فوات نعيم الجنة والرحمة الإلهية الأبدية.

الفوز العظيم والسعادة الأبدية

يقول الله -سبحانه وتعالى-﴿وَعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾، وهذا هو المستقبل الأبدي العظيم الذي وعدهم الله به، الفوز العظيم والسعادة الأبدية، في الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.

الانتماء الإيماني ميثاقٌ بينك وبين الله «سبحانه وتعالى» على السمع والطاعة

﴿إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، سمعنا لكل توجيهاتك يا الله، لكل هديك، لكل ما في كتابك، لكل ما تأمرنا به، ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، أطعنا في التزامنا العملي، فنعمل وفق ما أمرنا الله به.

الرحمة الإلهية في الدنيا والآخرة:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فالمؤمنون الصادقون في إيمانهم هم من سيحظون برحمة الله «سبحانه وتعالى» في الدنيا والآخرة، ورحمته بهم في الدنيا تشمل شيئاً كثيراً من رعايته، كل رعايته بهم، من هداية، من عون، من نصر، من توفيق، من تسديد، من بركة…أشياء كثيرة جداً، وأشياء متعددة وواسعة.

الإيمان نور وبصيرة، وزكاء للنفس، وكل ما فيه يشرِّف الإنسان، ويرتقي ويسمو بالإنسان، ويصلح حياة المجتمع البشري.

فالإيمان يمنح المؤمنين البصيرة، ويمنح الوعي العالي، والفهم الصحيح، والزكاء للنفس، ويمنح أيضاً الصلة بالله «سبحانه وتعالى» التي يكسب بها الإنسان توفيق الله، ومعونته وتأييده، والرعاية والنصر من الله «سبحانه وتعالى».

الثبات في مواجهة التحديات وأمام الإرجاف

من أهم تجليات الإيمان الصادق هذه الحالة من الثبات في مواجهة التحديات، يقول الله «سبحانه وتعالى» عن المؤمنين الصادقين : ﴿الّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ﴾.

الزيادة في الثقة بالله أكثر وأكثر

﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾، يزدادون ثقةً بالله «سبحانه وتعالى»، والتجاءً إلى الله «سبحانه وتعالى»، وتوكلاً على الله، ازدادوا أملاً بنصره، ازدادوا قناعةً بما هم فيه من موقف الحق، تجلى لهم أهمية موقفهم، فاتجهوا بجدٍ وباهتمامٍ أكثر، وبصبرٍ أعظم.

الالتجاء إلى الله والتوكل عليه

﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، قالوها بإيمان وبوعي لما تعنيه هذه العبارة، ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾: يكفينا الله، وفعلاً ﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾، يكفينا أننا مع الله، وأننا في الموقف الذي يرضيه، وأننا انطلقنا استجابةً له، وهو سبحانه لن يخذلنا، لن يتركنا.

الاستهداف للهوية الإيمانية .. أخطر أنواع الاستهداف

وبما أن الهوية الإيمانية هي مصدر النصر لكل من يحافظ عليها كما ورثها من أجداده، فلم تكن الهوية الإيمانية بمنأى عن الاستهداف المباشر بالطمس والمسخ والتحريف فاليمن اليوم يواجه تحدياتٍ وأخطاراً، على كافة الصعد (عسكريا واقتصاديا وسياسياً…الخ)، وهو يقف بفضل الله صامداً، ويسجل بتوفيق الله انتصارات متعددة، لكن أخطر الهجمات هي تلك التي تستهدفه في طمس هويته الإيمانية، بكل ما فيها من مبادئ وقيم وأخلاق، بكل ما لها من آثار تربوية، ونفسية وشعورية.

والذي يشكل ضمانةً لنا في الحفاظ على تماسكنا وثباتنا في مواجهة التحديات أن نحرص دائماً على الحفاظ على هذه المبادئ والقيم وترسيخها وتنميتها، ونربى عليها أجيالنا جيلاً بعد جيل.

خطورة وآثار فقدان الهوية الإيمانية:

التأثير الخطير في مدى التماسك في مواجهة التحديات والأخطار، فلا تماسك ولا ثبات إذا فقدنا هويتنا الإيمانية.

القبول بكل أشكال الاستعباد والتبعية لكل طاغية ومحتل.

القبول بالذل، والقبول بالإذلال، والقبول بالهوان.

عدم القدرة على مواجهة التحديات والصعوبات في الدنيا ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾

-الفشل والسقوط المخزي في الآخرة أمام الاختبار الإلهي ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.

فإذاً هويتنا الإيمانية: تشكل ضمانة رئيسية لتماسكنا، لنبقى أحراراً، صامدين، أعزاء، ونأبى العبودية لغير الله.

القوة الناعمة

يطلق البعض مصطلح الحرب الناعمة على جزء منها فقط وهو نشر الرذيلة والانحلال الأخلاقي، بينما يتسع المفهوم لما هو أكثر من ذلك، ولمزيد من التفاصيل عن الحرب الناعمة (المفهوم والأهداف والأساليب وطرق المواجهة ونتائجها، نماذج تاريخية عنها، الأهمية) يرجى الرجوع إلى كتيب الهوية الإيمانية 1443هـ.

ولكن مع اشتداد هذه الحرب الشيطانية بقيادة اليهود، ظهرت إلى العلن حرب منظمة وممنهجة ضد الفطرة الإنسانية، تشنها قوى الطغيان بغطاء أممي وتأييد ومساندة دولية، إنها الحرب ضد كل القيم والمثل والمبادئ وهي نشر الشذوذ ودعمه وتشجيعه، بل شرعوا الاتفاقيات وعقدوا المؤتمرات للشذوذ الجنسي.

أنت جيش عدوك

تحت هذا العنوان تنطوي أخطر حرب في تاريخ الحروب، إنها حرب العقول، والسيطرة عليها، حرب لا تستخدم النيران ولا تعتمد عليها، حرب سلاحها الكلمة، وميدانها العقول، ونتائجها كارثية على كافة المستويات.

فما هي وسائل العدو للغزو؟

بما أن ميدان هذه الحرب هو العقل، فبالتالي تعتمد على نشر هذه القناعات في مجالات وسائل قادرة على اختراق العقول، وتغيير قناعاتها عبر الإعلام وقنواته المختلفة (التلفاز، الإذاعة، الصحف، المجلات، الكتب).

وهذه الوسائل لها تأثيرها الخطير في توجيه الفكر، وتغيير مساره، ومع التقدم التكنولوجي ظهر سلاح الإنترنت الذي قفز مستخدمو الإنترنت في العالم إلى 4.95 مليار في بداية عام 2022، ويبلغ معدل انتشار الإنترنت الآن 62.5 % من إجمالي سكان العالم.

وبلغ التعلق بهذه الخدمة درجة الإدمان، كشف تقرير حديث حمل عنوان «الرقمية 2022: المشهد العالمي»، أن سكان العالم قضوا 12.5 تريليون ساعة على الإنترنت عام 2021.

وبخصوص منصات التواصل الاجتماعي تشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدمي التواصل الاجتماعي النشطين يومياً 4.62 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي أي ما يساوي 58.4% من إجمالي البشر. بمعدل أكثر من مليون مستخدم جديد يومياً.

وفيما يتعلق بمستخدمي الهواتف المحمولة على مستوى العالم، فإن أكثر من ثلثي (67.1 %) من سكان العالم يستخدمون الهاتف المحمول، والذين وصل عددهم إلى 5.31 مليار مستخدم بحلول بداية عام 2022.

وكل هذا يأتي بهدف مسخ المستخدمين، وتغيير قناعاتهم، وإشغالهم عن واقعهم، والعيش في عالم افتراضي بعيد عن الواقع، ونشر الفكر والثقافة الغربية والأمريكية على حساب ثقافات الشعوب الأخرى، وإشعال الثورات الملونة.

وختاما نؤكد على وجوب التصدي لحرب الإفساد وتضليل الأعداء من خلال ما يلي:

التحلي بالإيمان وبالقيم المستمدة من الثقافة القرآنية.

الوعي والبصيرة.

التربية الإيمانية، والتمسك بقيم الهوية الإيمانية.

ترسيخ القدوة الحسنة.

ترسيخ المفهوم الصحيح لحياة الإنسان.

تبيين المفاسد الهدامة لمساعي اليهود، والتي تلحق ضررا بالغاً بالإنسان وبالمجتمع.

قد يعجبك ايضا