عن السلام المنشود
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالعزيز البغدادي
ما من شك أن أي إنسان عاقل وسوي لا بد أن يكون مع السلام، وأن دق أبواب السلام -إن تهيأت عواملها الجادة- هي أفضل أبواب الجهاد وهي باب الجهاد الأكبر، وصون الدماء أصلٌ من أصول الدين والأخلاق والقانون، والشعب اليمني الصابر المجاهد عانى خلال ثماني سنوات من العدوان والحصار الشامل وما تبعه من دمار وخراب وتقتيل وجرائم متعددة الألوان والأشكال ما يندى له جبين الإنسانية.
لقد ذاقت جميع محافظات ومناطق اليمن دون استثناء كل أنواع الحرمان والبؤس والجراح المادية والمعنوية، وأي خطوة إيجابية نحو السلام الحقيقي لا يمكن أن يقف ضدها إلا من تصلبت ضمائرهم ويبست أحاسيسهم وغاب وعيهم عن المعنى الحقيقي للجهاد أولا وللنهج الثوري النابض بالحياة ثانياً، وللإنسانية بدءاً وختاماً، فكل سياسة لائقة وشريفة هدفها السمو بالإنسان لتحقيق طموحاته في حياة حرة كريمة ، والحرب المشروعة إنما هي حرب الدفاع عن سيادة الأوطان وكرامة الإنسان وعزته ، والسلام الحقيقي في اليمن عند من يعي ويدرك مثلما يهم الإنسان اليمني بالدرجة الأولى لأنه كان وقود الحرب التي أشعلها العتاة المستكبرون، فإنه يهم العالم ليس فقط لأن مشاعر الإنسانية الحية مترابطة، بل ولأن مصالحه كذلك مترابطة متشابكة وموقع اليمن الاستراتيجي يهم هذه المصالح ولهذا فالحاجة إلى سلام حقيقي حاجة مشتركة وملحة في آن، والسلام الذي يهم العالم يبدأ بالسلام الذي يهم اليمنيين الذين يعانون الفقر والفاقة وهم يجثمون على أغنى أرض ، السلام اليمني اليمني يحقق السلام الشامل للجوار وللعالم ، والجوار الواعي العاقل يدرك بالتأكيد أن عليه واجبا كبيرا نحو تشجيع اليمنيين على سلوك درب السلام وليس في تعبئتهم بالطائفية المريضة وغيرها من النعرات والمشاريع الصغيرة وتمويلهم بالمال والسلاح لدفعهم إلى محارق الموت ومشاريع الدمار والأزمات فهذه اللعبة خطرة على اللاعب والملعوب بهم.
نعم إن تحقيق الأمن والسلام في اليمن مفتاح خير لليمنيين ولكل الجوار والمنطقة والعالم، وعقلاء الجزيرة والخليج والوطن العربي والعالم يدركون هذه الحقيقة، وأن المصالح التي تتحقق بالسلام والحوار هي المصالح المشروعة الأقدر على البقاء.
وتاريخ اليمن الحديث والقديم يبين أن الشعب اليمني هو أكثر شعوب المنطقة حباً للسلام وأن الحروب والصراعات التي عانى منها إنما هي وافدة إليه وليست من عمق ثقافته، فاليمنيون هم ألين قلوباً وأرق أفئدة كما وصفهم النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، فلم يعتدوا على أحد ولم يحتلوا او يستولوا على أرض أحد.
وفق هذا المبدأ فإن أي مبادرة للسلام في المنطقة مرحبٌ بها ويجب أن تكون البداية الصحيحة للتعايش والإخاء وحسن الجوار واحترام كل دولة السيادة الكاملة للدول الأخرى ومراعاة المصالح المشتركة والمتبادلة، هذه المبادئ في عمق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهي الطريق الأسلم للخروج من حالة الضعف والهوان والتخلف التي تعاني منها دول المنطقة المشغولة بالصراعات البينية والمؤامرات التي يستوردونها كما يستوردون بقية البضائع، وهذه المنطقة لا يمكن أن تقوى وتتقدم وتزدهر إلا بالتكامل الاقتصادي والتجاري كمدخل لشراكة عالمية محترمة تحقق جميع المصالح المشروعة.
ومن البديهي أن يكون السلام عنوان أي خطوة يخطوها أبناء المنطقة نحو التوحد أو التقسيم، فالتجارب الإنسانية أثبتت بوضوح أن أي وحدة بالقوة تنتهي بالقوة أو العنف، وأي وحدة سلمية لا تدوم إلا بمزيد من السلام بمعانيه الإنسانية الشاملة، وكل تقسيمات المنطقة لو لم تكن مبنية على المؤامرات الخارجية وتغذية النعرات الطائفية وغيرها لكانت أقدر على الصمود، تقسيمات المنطقة يجب أن تبنى على التفاهم بين أبنائها والمراجعة الجادة للتجارب السلمية البعيدة عن الاستعلاء والعنف ذلك هو الطريق المستقيم للتقدم نحو آفاق أرحب وأكثر جدوى يقطف ثمارها كل أبناء المنطقة.
ومن أبجديات السلام القابل للبقاء والديمومة أن يُبنى على العدل والمساواة واحترام حقوق الانسان، أما السلام المبني على المناورة والخداع واستقواء واستعلاء طرف على آخر فلن يؤدي سوى إلى استمرار الصراع وإن سكتت أصوات المدافع. ومن المؤكد أن دماء الشهداء لن تذهب هدراً.
الحبُّ يبدأ بالسلام
ولايدوم بغيرهِ
السلامُ المهيمن لله اسمٌ
وفي الأرض معنىً ومبنىً.