(نص+فيديو ) المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 27 رمضان 1444 هجرية
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
في الالتزام بالإيمان، وتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن أهم مواصفات المؤمنين، التي لابدَّ منها في مصداقية الإنسان، في التزامه الإيماني، وانتمائه الإيماني: هي العفة والطهارة، والسلامة الأخلاقية، والتنزه عن جريمة الفاحشة بكل أنواعها (الزنا، والفاحشة المثلية) نعوذ بالله منها، هذا من لوازم الإيمان والتقوى، كما ورد التأكيد على ذلك في القرآن الكريم كثيرًا، وكما هو معروف، ومعلومٌ بالضرورة، من الشريعة الإسلامية:
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مواصفات عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، هذه الآيات المباركة وردت في (سورة المؤمنون)، ووردت أيضًا في (سورة المعارج) بنصها؛ لتؤكد على أنها من المواصفات اللازمة، التي لابدَّ منها في تحقيق الإيمان، لا يتحقق الإيمان إلَّا بالحفاظ عليها، مع بقية المواصفات التي أتت معها.
ويقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضًا في مواصفات عباده المؤمنين، في (سورة الأحزاب): {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}[الأحزاب: من الآية35]، كذلك من المواصفات المهمة الأساسية، التي هي لازمةٌ لتحقيق الإيمان والتقوى.
يقول أيضًا في (سورة الفرقان) وهو يصف عباده المؤمنين: {وَلَا يَزْنُونَ}[الفرقان: من الآية68]، هم متنزهون عن تلك الرذيلة والفاحشة الدنيئة.
كل هذا يبين أنها من لوازم الإيمان، فالإيمان كصلة، يصلك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يجعلك تؤمن به “جَلَّ شَأنُهُ”، وتخشى عذابه، وتستحي منه، وتعظمه، وتعظم أوامره وتوجيهاته، وتسعى للالتزام بها، وتحترم حلاله وحرامه، وتقف عند حدوده، لا تتعدى حدوده التي رسمها لك، وكذا في الأثر العظيم للإيمان، في تزكية النفس البشرية، وتطهيرها، والسمو بها، وفي ترسيخ مكارم الأخلاق، والقيم الفطرية العظيمة، التي ينشد إليها الإنسان بفطرته، كل هذا له أثره الكبير في استقامة الإنسان، وفي تنزهه، وطهارته، وعفته، وصونه لنفسه عن تلك الرذيلة والفاحشة الدنيئة والمخزية، والتي هي من أسوأ الجرائم، ومن أبشع الذنوب، ومن كبائر المعاصي والعياذ بالله.
الإنسان في طريق الإيمان، وفي مسيرة حياته، على أساسٍ من إيمانه بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يتربى التربية الإيمانية، التي تعزز في نفسه المنعة، وصون النفس من الانزلاقة نحو تلك الرذائل البشعة؛ لأنه معلوم بين كل البشر، بمختلف أديانهم، أممهم، وعلى مر التاريخ، وفي مختلف بقاع الأرض، أن تلك الفاحشة هي دنيئة، ورذيلة، ومتنافية مع مكارم الأخلاق، وأنها بشعة، وسيئة، ومقيتة، يعني: هذا أمرٌ فطريٌ، بالنسبة للبشر في مختلف أممهم، ومختلف أجيالهم.
ولذلك يعتبر التفريط في ذلك، إذا فرط الإنسان- والعياذ بالله- في هذا الالتزام، في هذه الاستقامة، واتجه اتجاه الانسلاخ عنها، نحو الوقوع والتورط في مثل تلك الجرائم الفظيعة، يعتبر هذا:
انسلاخًا عن قيم الفطرة، التي فطر الله الناس عليها.
خروجًا عمَّا كرمك الله به كإنسان؛ لأن هذه ميزة للإنسان عن بقية الحيوانات، الحيوانات أكثرها، الحيوانات المتوحشة، والحيوانات البرية، أكثرها لا تعيش في حياتها نظام الحياة الزوجية المستقيمة، وتتعامل فيما يتعلق بغريزتها الجنسية، في حالة من الفوضى، وحالة من الانفلات، ليست مرتبطة- كما هو في الواقع البشري- بطريقة سليمة.
خروجٌ عن خط الإيمان أيضًا، وعن الالتزام الإيماني، وعن الاستقامة الإيمانية.
خروج عن مواصفات المؤمنين.
خروج عن الاستقامة على أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته.
ومعصية كبيرة وخطيرة جدًّا، من كبائر المعاصي والذنوب.
وخروجٌ إلى- من خط الايمان، وحالة الإيمان، وشرف الإيمان- إلى الفجور، إلى الفسق.
الإنسان يتحول من مؤمن، إلى فاسق، إلى فاجر، ومن طيبٍ، إلى خبيث، وإلى سيء، وهي حالة خطيرة جدًّا، وإذا وصل الإنسان إليها، هو لا يصل إليها، إلَّا وقد خسر إيمانه، وانسلخ تمامًا من التزامه الإيماني، وشرفه الإيماني، وشرفه الإنساني؛ ولهذا ورد في الحديث النبوي: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، لا يصل إلى تورط في تلك الجريمة البشعة، الشنيعة، الفظيعة، إلَّا في الوقت الذي يكون قد خسر إيمانه بشكلٍ تام.
وأتى في القرآن الكريم النهي الشديد، والتحذير من تلك الجريمة، وما يؤدي إليها، ويوقع الإنسان فيها:
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام: من الآية151]، نهي شديد، وأتى في سياق التوصيات والتوجيهات الملزمة في (سورة الأنعام)، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ}، هو نهيٌ عنها، ونهيٌ عن القرب لها، من خلال مقدماتها، التي توقع الإنسان فيها والعياذ بالله، وفي كل أشكالها، وأنواعها، وأحوالها، ولهذا يقول: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، احذروا ذلك.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: الآية32]، {وَلاَ تَقْرَبُوا}؛ لأن الإقدام على ما يُقَرِّب منه، على مقدماته، وما يؤدي إليه، هو قُربٌ يوصل الإنسان فيه والعياذ بالله، {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}، ليس مجرد معصية بسيطة، أو مخالفة عادية، هو معصية شنيعة جدًّا، وفعلةٌ قبيحةٌ للغاية، وجريمة كبيرة، وفظيعة، ورهيبة، {وَسَاء سَبِيلاً}، طريقة سيئة، لمحاولة أن يصل الإنسان الى إرواء غريزته الجنسية.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الوعيد على الزنا: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}[الفرقان: 68-69]، فهذا وعيد شديد، وعيدٌ بنار جهنم، بمضاعفة العذاب، فالذي يتبع هوى نفسه، ويتورط في مثل تلك الجرائم، هو يخسر مستقبله في الآخرة، بشكلٍ نهائي، ويخلد في عذاب نار جهنم للأبد، يضاعف له فيه العذاب المهين، الذي فيه إهانةٌ له، يجمع بين شدة العذاب وشدة الهوان؛ لأنها جريمة مهينة ومخزية، وإذا تورط الإنسان فيها، أستحق الإهانة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما جعل الغريزة الجنسية في الإنسان (ذكرًا، وأنثى)، جعلها لتكون سبيلًا للتناسل، ولبناء الأسرة، لتكوين الأسرة، ولتكون ارتباطًا في الحياة الزوجية، وجعل الوسيلة لها، أو السبيل لتلك الغريزة هو الزواج، وهذه مسألة معروفة في البشر، ومنذ بداية الوجود البشري، حينما خلق الله (آدم، وحواء)، واقترنا بالزوجية، وكونا الأسرة البشرية، في أول تكوين للأسرة البشرية، وبطريقة فيها تكريم للبشر، هذا من التكريم لهم، أن يكون نظام حياتهم على هذا النحو، الذي فيه سُمُوٌّ بهم، وتكريمٌ لهم، ومن عوامل الاستقرار لهم في حياتهم، ولتكوين المجتمع على مستوى منظَّم، وبشكلٍ صحيح، من خلال لبناته الأساسية، التي هي الأسرة، والتي تتكون عبر هذه الطريقة.
ولذلك حينما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، فالغريزة الجنسية السبيل لها الصحيح، والسليم، والذي ليس له أي آثار سلبية، ولا نتائج سيئة، لا في نفسية الإنسان، ولا في واقع الحياة، هي من خلال الحياة الزوجية، والارتباط الزوجي؛ أمَّا الممارسة لها خارج إطار الحلال والحياة الزوجية، فذلك جريمة شنيعة، وفظيعة، ولها آثارها الخطيرة جدًّا؛ ولهذا يقول الله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، تعتبر ممارستها خارج إطار الحلال، والزواج الشرعي، يعتبر جريمة رهيبة، واعتداء، وتجاوز، اعتداء على حرمات الله، انتهاك لحرمات الله، تعدي على حدود الله، وتعدي على كرامة الآخرين، واستهانة وانتهاك لحرمات الآخرين؛ ولهذا تعتبر جريمة رهيبة، وجريمة كبيرة، من كبائر الجرائم، وفي نفس الوقت طريقة فاسدة، وضارة، وسيئة.
ولهذا قال الله عن قضاء الغريزة الجنسية بتلك الطريقة الإجرامية البشعة: {وَسَاءَ سَبِيلًا}، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: الآية32]؛ لأنها طريقة سيئة بكل ما تعنيه الكلمة، بشعة، تمس بكرامة الإنسان وأخلاقه، وتخرجه عن التزامه الإيماني، ولها تداعيات وآثار فظيعة وسيئة وقبيحة جدًّا، وآثارها على مستوى الإنسان في نفسه وحياته، وعلى مستوى المجتمع بشكل عام.
من الآثار السيئة والفظيعة لجريمة الفاحشة، جريمة الفاحشة )الزنا، والفاحشة المثلية)، كلاهما يمثل جريمة سيئة جدًّا، ويطلق عليه اسم الفاحشة والعياذ بالله:
أول آثارها السيئة على نفس الإنسان: هي تُوَجِّه ضربة مدمرة لزكاء النفس:
زكاء نفس الإنسان، ومن أول وأهم ما يحتاج إليه الإنسان هو زكاء نفسه، هذا شيءٌ تحتاجه أنت؛ لتحظى بكرامتك الإنسانية، لتسمو في حياتك، لتستقيم في حياتك، لصلاح نفسك، وصلاح أعمالك، إذا أردت أن تكون أعمالك صالحة ومستقيمة، ومسيرتك في الحياة مستقيمة، تحتاج إلى زكاء النفس، إذا تخرّب زكاء نفسك، تخربت أعمالُك؛ وبالتالي لم تستقم حياتك.
إضافةً إلى أن الإنسان إذا فقد زكاء النفس، هو يجلب لواقعه النفسي، لمشاعره النفسية، لحالته النفسية، المتاعب الكبيرة، والأضرار الخطيرة؛ لأنه فقد السلامة النفسية، وفقد الاستقرار النفسي، ولوَّث نفسه بما هو أمراض خطيرة عليها، ومؤثرات سيئة عليها، تؤثر عليها التأثير السيئ.
وتدنيس للنفس البشرية:
الإنسان الذي يتورط في تلك الجرائم- والعياذ بالله- يفقد:
الشعور بالكرامة.
الشعور بالعزة.
الحياء.
يفقد ما يتميز به الإنسان في فطرته، من قيم مهمة وعظيمة، وأخلاق كريمة، وانشداد في فطرته للأشياء المقدسة، والأشياء العظيمة في هذه الحياة، وبدلًا عن ذلك، تكون نفسية الإنسان:
منحطة، ودنيئة، وفاسدة.
وميالة إلى القذارات، إلى الجرائم، إلى الأشياء الدنيئة، إلى الاشياء السيئة.
وفي نفس الوقت، تكون مُطوَّعةً للشيطان.
يكون الإنسان ميالًا بشكل كبير جدًّا، ومنجذبًا بشكل يطغى على مشاعره وأحاسيسه، إلى الأشياء الدنيئة، والأشياء السيئة، والأشياء الفاسدة، ومهيأً لعمل أي جرائم، أي منكرات، وخاضعًا للتأثير الشيطاني، يقوى عليه التأثير من جانب الشيطان والعياذ بالله؛ فتميل نفسه إلى الرجس، وإلى قذارة الفساد، وإلى الإجرام، ويفقد مشاعر الصلاح، مشاعر الزكاء، مشاعر الخير، في نفسه، فيتجه في الحياة اتجاهًا سيئًا.
من آثارها السيئة، ومن أسوأ ما فيها: أنها من أبشع أشكال الخيانة:
ففي الحياة الزوجية (سواءً من جهة الزوج، أو الزوجة) هي خيانة كبيرة جدًّا، وخيانة مسيئة، وخيانة مدمرة للحياة الزوجية، وتمثل صدمةً كبيرة، لأيٍّ من الزوجين (للزوج تجاه زوجته، أو الزوجة تجاه زوجها)، من يكتشف أن الآخر يخونه عبر ارتكاب تلك الجريمة، يستاء جدًّا، ويمثل ذلك صدمةً كبيرةً له، وجرحًا عميقًا، قد تبقى أضراره وآثاره طول حياته.
وفي نفس الوقت تُفكِّك الأسرة، وهي من الأسباب التي تسبب لكثيرٍ من حالات الطلاق، في كثيرٍ من المجتمعات، وتفكك الأسر، وتؤثر على حياتها؛ وبالتالي تُفكك المجتمع، كلما انتشرت في أوساط المجتمع، ضربت البنية الأسرية، التي هي العُمدة في بناء المجتمع، وفي تكوين المجتمع، وكذلك الأساس في تكوين الأُسر، فتمثل مشكلةً كبيرةً على كثيرٍ من المجتمعات.
أمَّا المجتمعات الغربية، التي انتشرت فيها تلك الرذيلة بشكل كبير جدًّا؛ فأصبحت الحياة الاجتماعية فيها متضررة جدًّا، كلٌ من الطرفين (من الزوج، وزوجته) لا يأمن الآخر، ولا يثق به، وحالة جهنمية في واقعهم النفسي وفي حياتهم والعياذ بالله.
من أسوأ آثارها ونتائجها، ومن أقبح ما فيها، أنها تمثل بؤرة لإنتاج الجرائم الأخرى:
إذا انتشر الفساد الأخلاقي، وانتشرت جريمة الفاحشة، بأنواعها (الزنا، والفاحشة المثلية)، فهي تنتج الجرائم الأخرى: ينتج عنها ويتفرع عنها جرائم القتل، جرائم الاعتداء، جرائم متنوعة في واقع الناس، جرائم الاعتداءات، وجرائم القتل، وجرائم أخرى، وتمثل خطرًا كبيرًا على أمن المجتمعات.
وهذا حاصل، في المجتمعات الأخرى غير المسلمة، بشكل كبير وواضح، يعني: هي في واقعهم تمثل مشكلة كبيرة لهم، فالجرائم التي تتفرع عنها كثيرةُ جدًّا، وجرائم وحشية للغاية، جرائم بشعة جدًّا، جرائم مفجعة، ومخزية، ومخيفة جدًّا، تنتشر في أوساطهم، البعض يقتل أبناءه، البعض من الأمهات تقتل بنتها، تحصل أشياء رهيبة جدًّا، أيضًا جرائم الانتحار، كثيرةٌ في أوساطهم، نتيجةً لذلك، البعض من النساء- فيما بعد- يلجأن إلى الانتحار، تُدَمَّر حياتُها، وتشقى في حياتها، وتخزي في حياتها، فتلجأ إلى الانتحار.
هي أيضًا مدمرة صحيًا، وهي السبب الرئيسي لانتشار مرض (الإيدز)، الذي انتشر في العالم، وأصبح مشكلة صحية في كثيرٍ من البلدان:
دمَّر الوضع الصحي فيها، وسبَّب أيضًا لمشاكل كبيرة جدًّا، وأزمات: أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية، ومشاكل متنوعة، وأمراض مهلكة أخرى، تنتشر نتيجةً لذلك، وهذا معروف، معروف عالميًا أن السبب الرئيسي: هو انتشار الفساد الأخلاقي، وجريمة الفاحشة.
ولسوء آثارها، وتنوّع أضرارها، وما تجلبه على المجتمع البشري من شقاء كبير، إضافةً إلى أن الإنسان يخسر فيها إيمانه بالله، صلته الإيمانية بالله، بكل ما يترتب عليها، ويخسر شرفه الإنساني، شرفه الإنساني؛ لأن آثارها فيما يتعلق بشرف الإنسان، وشعوره بالخزي والعار، وأن يُعرف بالعار فيما بين المجتمع، مسألة معروفة في المجتمعات البشرية كافة.
ولذلك يركز الشيطان- وهو العدو المبين للإنسان- يركز على توريط الناس فيها، والله قد كشف لنا ذلك عنه، في القرآن الكريم، وفي كتبه السابقة، وبلَّغ الرسل والأنبياء، بلغوا المجتمعات بذلك على مدى التاريخ، يقول الله في القرآن الكريم، وهو يفضح الشيطان، ويخبر، يخبرنا عن تركيزه على ذلك: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}[البقرة: من الآية 196]، فهو يأمر بذلك، ويوسوس لذلك، ويسعى لتوريط الإنسان في ذلك، وإغرائه بذلك، يقول عنه: {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}[البقرة: من الآية 268].
يقول أيضًا: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور: من الآية 21]، فالشيطان يسعى في استهدافه للإنسان إلى توريطه في ذلك، والإيقاع له في ذلك؛ لأنه يعتبر هذه ضربة مدمرة للإنسان، ومخزية للإنسان، ومهينة للإنسان.
كما أن جنود الشيطان وأعوانه يركزون أيضًا على ذلك، وهو من أسوأ الأعمال، التي يركزون على نشرها في المجتمعات البشرية بشكلٍ عام، من المعروف أنَّ اللوبي الصهيوني اليهودي يتحرك بكل إمكاناته، وأصبح يُحَرِّك دول الغرب، والمجتمعات الغربية بإمكاناتها، وعلى رأسها أمريكا، وكذلك ذراعه إسرائيل، يُحَرِّك الكل بإمكاناتهم، وباهتمام كبير، وسعي حثيث، لإفساد المجتمعات البشرية، وبشكل غير مسبوق.
في هذا الزمن، تحرَّك الغرب في ذلك، تحركت أمريكا، وتحركت إسرائيل، وتحركت الدول الأوروبية، في ذلك بشكل كبير جدًّا، حتى مثَّل ذلك إزعاجًا لكثير من البلدان غير المسلمة، مثل ما هو الحال في الصين، مثلما هو الحال في روسيا، مثل ما هو الحال في بلدان أخرى، لاحظوا أن ذلك التحرك هو تحرك غير طبيعي، سعي حثيث، ضغط كبير، إغراءات كثيرة، أنشطة كثيرة، تسخير إمكانات ضخمة، للسعي للإيقاع للناس في تلك الجرائم، وربطهم بها، بدلًا عن الحياة الزوجية، يحاولون أن يفصلوا الناس، وأن يبعدوهم- إلى حدٍ كبير- عن الحياة الزوجية، والارتباط بالحياة الزوجية، إلى الاستبدال لها بشكلٍ تام بالجريمة المثلية، والفاحشة، وفاحشة الزنا والعياذ بالله، فتحركهم غير مسبوق، وهذا مثَّل- فعلًا- إزعاجًا لكثير من المجتمعات، وعرفوا أن ذلك من الاستهداف العدائي، استهداف بعداء شديد، وبوسيلة وأسلوب قذر والعياذ بالله.
في هذا العصر قاموا بالتبني الفاضح والمخزي للفاحشة بأنواعها:
الجريمة المثلية: قاموا بتبنيها بشكل علني، وأصبح من السياسات الأمريكية المعروفة، والمعلنة، وليست الخفية: الترويج للجريمة المثلية، والتشجيع عليها، والدعم لها، والسعي لقوننتها، والسعي لتبسيطها في المجتمعات، المجتمعات مشمئزة- بفطرتها- منها، وبانتمائها الديني، في كل المجتمعات؛ لأنها جريمة شنيعة، بحسب الأديان، وبحسب الفطرة البشرية، فهم يحاولون أن يبسطوها، أن يكسروا حاجز العفة في المجتمعات البشرية، الحاجز الفطري لدا المجتمعات البشرية.
وكذلك جريمة الزنا: يحاولون أن يعملوا عليها بنفس الطريقة.
في الماضي، كان الأمر ظاهرًا، وبارزًا، ومعروفًا، في أجهزتهم الاستخباراتية، مثلما هو الحال بالنسبة للمخابرات الأمريكية، والمخابرات الإسرائيلية، كان معروفًا عنها عالميًا، أنها تستخدم هذه الوسيلة في الإيقاع بمن تجندهم عملاء لها، الإيقاع لهم في جرائم الفساد الأخلاقي (في الزنا، والجريمة المثلية)، وتقوم بتصويرهم وهم في تلك الحالة البشعة جدًّا، من ممارسة الجرائم، ثم الابتزاز لهم، والإخضاع لهم، على تنفيذ أوامرها، والتحرُّك وفق ما تريده منهم، وتطلبه منهم، وتنفيذ أي جرائم أخرى.
تبدأ المسألة عن طريق الابتزاز، وتبقى مسألة الابتزاز وسيلة للإخضاع والسيطرة، ثم مع الاستمرار في ذلك، تتدنس النفس، وتخبث النفس، ثم يصبح الإنسان متجهًا بشكلٍ تلقائي لهم، وفق ما يريدونه في ارتكاب أي جريمة، مهما كانت بشعة، يخون أمته، يخون شعبه، يخون أسرته، يخون وطنه، يتجه لفعل أي جريمة، جريمة قتل أي إنسان، حتى لو كان قريبًا له، حتى لو كان إنسان من أخيار المجتمع، أو كانت جريمة بشعة بحق مجتمعه، لا يبالي، يصبح جاهزًا لارتكاب أي جريمة؛ لأنهم من خلال جريمة الفاحشة، صنعوا منه مجرمًا كاملًا، جاهزًا لارتكاب أي جرائم، هكذا كان الواقع.
ثم اتسعت سياساتهم لاستهداف المجتمعات بشكلٍ عام، كانوا أيضًا يستهدفون النخب، يستهدفون الساسة، يستهدفون القادة، بنفس الهدف: لإخضاعهم والسيطرة عليهم، ثم اتجهوا إلى الاستهداف العام، للمجتمعات بشكل عام، وأصبحت سياساتهم في ذلك سياسات علنية، وخططهم مكشوفة، وبرامجهم العملية على أساس ذلك:
عملوا- في ظل الاستهداف العام- للترويج لذلك تحت عنوان (الحريات الشخصية)، فيقدمون الجريمة، الدنيئة، السيئة، المخزية، التي هي انتهاك لحرمات الله، وتعدٍّ لحدود الله، وتعدٍّ على حرمات أبناء المجتمع، يقدمونها حريّة، تحت عنوان أنها (حريّة)، وليست من الحريّة في شيء، كيف تكون الجريمة، السيئة، المخزية، المدمرة بكل آثارها وتبعاتها السيئة في حياة المجتمع، حريّة؟! هي دناءة، هي انحطاط، هي عبودية للشيطان، عبودية للطاغوت، عبودية لأعوان الشيطان عبودية للمجرمين.
عملوا على توفير الحماية القانونية لها.
عملوا على كسر حاجز الفطرة عند البشر، والتي مثَّلت مشكلةً أمامهم؛ لأنه معروف أنها جريمة منحطة، ودنيئة، ومخزية، هذا معروف حتى في المجتمعات الغربية، في كل مجتمعات الدنيا.
ركزوا على ذلك؛ لأنهم يضربون زكاء النفوس، ولأنهم- في نهاية المطاف- يسيطرون على المجتمعات، وهذا الهدف الرئيسي بالنسبة لأعوان الشيطان: أن يسيطروا على المجتمعات، أن يدمروها، في قيمها، وفي فطرتها، في عوامل المنعة، والإباء، والعزة، والكرامة، وأن يحولوها إلى شعوب وبلدان منحطة، دنيئة، لا قيمة عندها لأي شيء، ولا كرامة لديها؛ فتصبح خاضعةً لهم، مستسلمةً لهم، مسخرةً لهم، شعوب مريضة، معتلة نفسيًا، وصحيًا، واجتماعيًا، ومفككة؛ وبالتالي يسهل عليهم السيطرة عليها.
فهي وسيلة دنيئة وقذرة للاستهداف والسيطرة، وأخطر من الوسائل الأخرى، الاستهداف بالحرب، والقتل، والدمار وسيلة مستفزة للشعوب والمجتمعات، وتدفعها إلى التحرك، إلى القتال، تحرك فيها: الغيرة، الحميّة، الإباء، الكرامة، الغضب، وهم يريدون أن يستهدفوا الشعوب بطريقة أخرى، بدلًا من أن يستثيروها بمثل هذه الدوافع والحوافز، يحاولون أن يسيطروا عليها بطريقة دنيئة ومخزية.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حذرنا في القرآن الكريم من ذلك، وبيّن أن الشيطان- ابتداءً- هو يسعى لذلك، بدافع العداء للبشر، قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْـمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور: الآية 21].
القرآن الكريم، في الوقت الذي حذر من تلك الجريمة، وبيّن أن الشيطان يستهدف الإنسان لإخزائه، وتجريده من الكرامة، وإشقائه وتوريطه، إلى ما يشقيه، ويسبب له عذاب الله، وسخط الله، هو يستخدم أسلوب (الخطوات)، وهذه أهم نقطة على الإنسان أن يتنبه لها؛ ليصون نفسه، وليحافظ على عفته، وشرفه الإنساني، وإيمانه، وأخلاقه، وكرامته، أن يحذر من (الخطوات)، الشيطان يستخدم أسلوب (الخطوات)، ولهذا أتت التوجيهات من الله في القرآن الكريم، بما يحمي الإنسان من خطوات الشيطان، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أمر بغض البصر: {قُلْ لِلْـمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْـمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور: 30-31].
الشيطان، وأولياء الشيطان، يسعون إلى الإيقاع بالإنسان عن طريق الإغراء، عن طريق المشاهد المغرية، المشاهد المؤثرة على الإنسان، التي تستثير غريزته الجنسية، وتميل به إلى الفاحشة والعياذ بالله، سواءً عن طريق المشاهد المحرمة، التي يشاهدها في هذا الزمن من خلال وسائل الإعلام، والأعداء يصنعون مشاهد خليعة، مشاهد إباحية، مشاهد سيئة للغاية، يحاولون من خلالها التأثير على الناس، ينشرونها في قنوات سيئة جدًّا فضائية، ينشرونها في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والهدف منها: استهداف الناس في زكاء نفوسهم، وتدمير زكاء نفوسهم، والإيقاع بهم- من خلال ذلك- في الجريمة والعياذ بالله.
فالإنسان علية أن يغض بصره، وأن يتجنب ذلك بشكل نهائي وتام، أيضًا في واقع الحياة أن يتجنب الإنسان النظر والبصر، يحافظ على بصره نظره من مشاهدة النساء المحرم عليه النظر إليهن، كلُّ ما هو محّرم على الإنسان من ذلك: سواءً المشاهدة عبر التلفاز، أو عبر وسائل الإعلام، للمشاهد الإباحية والخليعة، أو في واقع الحياة، ألَّا يتطلع بنظره إلى النساء الأُخريات، ويحاول أن ينظر إليهن بالريبة، والاستغلال لذلك في الاتجاه الذي يُحَرِّك فيه غريزته ومشاعره نحو الفاحشة والجريمة والعياذ بالله، على الإنسان أن يحذر من ذلك.
إذا صان الإنسان نفسه من النظر الحرام، فهو سيبقي نفسه بعيدًا بلا شك، وهي أهم طريقة، وأول ما يساعد الإنسان على الوقاية، يحافظ على مشاعره، أن تبقى مشاعر طاهرة.
كذلك على مستوى التفكير، أن يبقى سليمًا، لا يأتي ما يثيره، مع أن الإنسان- على كل حال- ينبغي أن يتجنب التفكير في المعاصي، والتخيل لها، والتركيز الذهني عليها، والدخول ذهنيًا وخياليًا في تفاصيلها، هذه قضية خطيرة على الإنسان، التفكير في المعاصي يجر إليها، ويدفع بالإنسان نحوها والعياذ بالله.
من مداخل الشيطان وخطواته: هو من خلال العلاقة المحرمة (بين الذكور والإناث)، والاختلاط الفوضوي، والتواصل المغري عبر وسائل الاتصال المعاصر:
مثلما يحصل للبعض، عن طريق التواصلات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الإنترنت، أو عبر الجوّالات، أو عبر أي وسائل معاصرة، ثم تكون هي- تلك المراسلات، والمغازلات، والكلام البذيء، والكلام الفاحش والسيئ- يكون وسيلة للإغراء، ووسيلة للوصول إلى تلك الجريمة والعياذ بالله.
الاختلاط الفوضوي كذلك، يكسر الحواجز، من الحياء والعفة، ويسبب لتحريك المشاعر، مشاعر الغرام، والمحبة، والعشق، والميول الفاسدة، نتيجةً لذلك، ثم الوقوع- والعياذ بالله- في الجريمة.
الخلوة المحرمة بالنساء، كذلك يؤدي إلى تلك الجريمة.
فكل تلك الخطوات، التي يعتمد عليها الشيطان، في الإيقاع بالإنسان، على الإنسان أن يحذر منها، وأن يتجنبها، وعلى المجتمع- كمجتمع- أن يتعاون على البر والتقوى، نظام حياته، مسيرة حياته، أسلوبه، يكون مما يساعده على التزام حالة التقوى، والبعد عن حالة المعاصي، ثم أن يلتزم الإنسان بالضوابط الشرعية.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ربنا، الكريم، الرحيم، العظيم، ذو الفضل الواسع العظيم، هو الذي قال لنا في كتابه الكريم: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: 26-28].
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” شرع لعباده الزواج، وهذه قضية معروفة في المجتمع البشري، في كل المجتمعات البشرية، وعبر كل الأجيال، منذ بداية الوجود البشري، الزواج هو وسيلة للتناسل، ووسيلة لبناء الحياة الأُسرية، وفي نفس الوقت يُحَصِّن المجتمع، ويحافظ عليه، ويحافظ على استقراره، ويحافظ على الاستقرار النفسي للزوج والزوجة في هذه الحياة؛ حتى ينطلقا في مهام الحياة، من واقع استقرار نفسي، واطمئنان نفسي، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
فالضوابط الشرعية، تصون الإنسان:
وفي مقدمتها: الاهتمام بأمر الزواج، وتحصين المجتمع بالزواج، هذه مسألة مهمة، ومن المهم للناس أن يتعاونوا، في مساعدة الفقراء الذين يحتاجون إلى المساعدة من أجل الزواج.
كذلك أن يتركوا بعض العادات، التي هي غريبة على مجتمعنا، مثل: مسألة تأخير الزواج إلى آخر مرحلة الشباب، أو ما بعد مرحلة الشباب، بُحجة الواقع المعيشي، وبُحجة أنه يريد أن يدبر مستقبله أولًا، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول في القرآن الكريم: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: من الآية32]، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو المتكفل بالرزق، فمسألة التأجيل للزواج، حتى ينقضي عمر الشباب ومرحلة الشباب، أو إلى آخره، يجلب الكثير من المفاسد، وهي مسألة خطيرة جدًّا.
غض البصر، {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور: من الآية30]، عند الرجل، والمرأة كذلك، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور: من الآية31].
حفاظ على الضوابط الشرعية في العلاقات، في التعامل بين أبناء المجتمع، هذا مما يصون النفس، ويصون المشاعر، ويصون تفكير الإنسان، ويبقيه بعيدًا عن ضغط الإغراء، وعن التأثيرات السيئة، التي تؤثر عليه، وتدفع به نحو الفساد.
تذكر العواقب السيئة لتلك الجريمة، وما ينتج عنها، وأنها تسبب للإنسان سخط الله، وغضب الله، ولها عقوبات في الدنيا والآخرة، عقوبات في الشرع الإسلامي، عقوبات من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الدنيا، وعقوبات في الآخرة، جهنم والعياذ بالله.
وعدم الاطمئنان إلى ما يسوِّل به الشيطان للبعض، الشيطان يسوِّل للبعض: [أنه لن يعرف أحدٌ بذلك، وأنهم سيبقون في حالة من الستر الدائم، ولن يتضح لأحدٍ ماذا يحصل، ويمكن أن يتوبوا فيما بعد]، إلى غير ذلك من أساليب الشيطان المخادعة.
في واقع الأمر، فإن الحالة التي يصل إليها من يفكرون هذا التفكير هي الفضيحة، من يتجهون اتجاه الجريمة، والرذيلة، والفاحشة، في الأخير يفضحهم الله، وفي الأخير يُكشفون، ويكون ذلك فضيحةً لهم، وعارًا عليهم، وخزيًا لهم بقية أعمارهم، طول حياتهم.
والإنسان مهما كان موقعه، سواءً كان شخصية اجتماعية، أو مسؤول في الدولة، أو شخصية بارزة، أو شخصية دينية، إذا فُضِح بمثل تلك الفضيحة- فضيحة مخزية للغاية، وفضيحة دنيئة جدًّا، ومشوِّهة للإنسان- هو يخسر كرامته، وشرفه، ومنزلته، بين أوساط الناس، والنظرة إليه نظرة سلبية جدًّا.
الإنسان ليحذر من العواقب السيئة، ومن سخط الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أعمال الإنسان تُحبَط، كل أعماله الصالحة، لا يْقبل منها شيء، ثم يكون مصيره- والعياذ بالله- إلى جهنم، {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}[الفرقان: من الآية 69]، في عذاب جهنم، يتلقى العذاب المهين، الذي يهينه الله به.
كثيرًا ما تحدثنا عن هذا الموضوع، بالذات في المحاضرات الرمضانية؛ لأن الأعداء في هذا العصر، أعداء الإسلام والمسلمين- الشيطان، واللوبي الصهيوني اليهودي، وأمريكا، وإسرائيل- يشتغلون في هذا المجال، في هذه المرحلة، بشكل كبير جدًّا؛ لاستهداف المجتمعات البشرية بشكل عام، والمجتمعات الإسلامية، ويسعون إلى تمييع المجتمع، إلى إفساده، إلى تفريغه من قيمه، ويعملون عبر ذلك من خلال المنظمات.
المنظمات البعض منها مهمته الأساسية: هو أن يهيئ لذلك، وأن يستهدف النساء، ويستهدف أبناء المجتمع، بهدف الإيقاع بهم في الجرائم، والإفساد لهم، طريقتهم في العمل، أساليبهم، برامجهم، طريقتهم في الاستقطاب، هي واضحة في هذا الاتجاه، وأنها بهدف الإيصال بالمجتمع، إلى الضياع، إلى الفاحشة، إلى الرذيلة، إلى الفساد؛ وبالتالي فساد المجتمع، وفساد حياته، والسيطرة عليه.
فنكرر الحديث عن هذه المسألة، في معظم المحاضرات الرمضانية، على حسب الأعوام الماضية، وفي هذا العام؛ للفت النظر إلى هذه المسألة، وللتنبيه على قيمة الضوابط الشرعية، وأنها بحكمة الله، وبرحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الخبير بعباده؛ لأن البعض يحاربونها، يحاربون الضوابط الشرعية، يسخرون منها، يشوهونها، ويسعون إلى أن تتحول العفة مشوَّهة، يعملون في الاتجاه الشيطاني والعياذ بالله.
مثل هذا الموضوع يجب أن يحظى باهتمام الخطباء، أن يكون من ضمن الاهتمامات التربوية، والتثقيفية، والتعليمية، مجتمعنا- بحمد الله- مجتمع محافظ، لكن ليستمر في الحفاظ على واقعه، على عاداته الراقية جدًّا، فيما يتعلق بالعفة، والشرف، والكرامة، وصون النفس، والحذر من غزو الأعداء، وأساليبهم في الاستهداف، والتي هي خطوات متدرجة، وعملية ترويض، وأساليب مخادعة؛ للإيقاع بالناس في الرذيلة، ونشر تلك الجرائم والعياذ بالله.
ليبقى أيضًا التركيز على تزكية النفس، والتربية الإيمانية، والتربية الأخلاقية، محط اهتمام لدى الجميع، لدى الإنسان تجاه نفسه، تجاه أُسرته، والمجتمع بشكلٍ عام.
أَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَتَقبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَام، وَالقِيَام، وَصَالِحَ الأَعْمَال.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛