هَكَذَا سَتُوُدِيْ الوعودُ الأمريكيةُ بالسعوديةِ إلى الهاوية

عبدالرحمن الأهنومي

منذ وصل الوفدان العماني والسعودي إلى صنعاء نهاية رمضان، بهدف التباحث مع صنعاء لوقف العدوان ورفع الحصار وصرف المرتبات، استنفرت الإدارة الأمريكية بكل مستوياتها وبكافة وسائلها لتدفع بالأمور نحو استمرار الحرب واستمرار الحصار ومنع صرف المرتبات، فأرسلت مبعوثها المشؤوم ليندر كينغ إلى الرياض ليستدعي الوفد السعودي من صنعاء، ومارست الضغوط السياسية على مملكة العدوان السعودية لتمنعها من المضي في أي اتفاقات تفضي إلى وقف الحرب التي تشنها على اليمن بالنيابة عن أمريكا نفسها، ودفعت بالصحف ووسائل الإعلام الأمريكية إلى تعزيز المخاوف لدى السعوديين من أي خطوات تتجه نحو إحلال السلام، وأطلقت الصحافة الأمريكية خلال الأسابيع الماضية رزمة من التقارير والتحليلات لإثارة المخاوف لدى السعوديين مما وصفته خطورة المضي في أي اتفاق سلام مع اليمن، ومن ناحية أخرى قالت إن خروج السعودية من الحرب يعتبر هزيمة لها ستؤثر على السعودية وعلى مصيرها، والحقيقة أن نهاية الحرب وإحلال السلام سيؤثر فقط على المليارات من الدولارات التي تحصل عليها أمريكا من وراء السلاح وخدمات الحرب على اليمن، وتقطع التمويلات الهائلة التي تحصل عليها من مملكة العدوان السعودية المورطة في الحرب على اليمن، وتدفع بالمملكة نفسها إلى مزيد من الغرق والتوريط في الحرب العدوانية على اليمن.

قبل أيام وصل ليندر كينغ إلى الرياض، وأطلق تصريحات تأتي في السياق نفسه، منع السعودية من أي خطوة تؤدي إلى حل الملف الإنساني بما في ذلك صرف المرتبات، ورفع الحصار، وضع العراقيل أمام أي جهود تبذلها سلطنة عمان أو غيرها تؤدي إلى وقف العدوان ورفع الحصار، الدفع إلى استمرار الحرب العدوانية بصب الزيت على النار، وبمنع مملكة العدوان السعودية من الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للشعب اليمني.
المبعوث الأمريكي ليندر كينغ صرَّح خلال تواجده بالرياض بأن صرف رواتب الموظفين من موارد النفط والغاز لن يتم إلا مقابل اشتراطات يسوقها ليندر كينغ لإدارته، وكلامه تكرار لما قاله سابقاً بأن المطالبة بصرف المرتبات شروط غير مقبولة ومتطرفة، فالإدارة الأمريكية ترى في حصول الموظفين على رواتبهم تطرفاً وأمراً غير مقبول، لكنها تنظر إلى كسب مليارات الدولارات من وراء صفقات السلاح وبموت عشرات الآلاف من اليمنيين بالأسلحة التي تبيعها لدول العدوان أمراً مقبولاً وغير متطرف.
في السياق نفسه أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يوم أمس إنه سيصل السعودية اليوم السبت لإجراء محادثات مع المسؤولين، وقال إن الملف اليمني سيكون على رأس اهتماماته، مستبقاً وصوله بتصريحات قال فيها إن أمريكا ملتزمة بحماية المنطقة، زاعماً بأن استراتيجية بلاده في المنطقة مبنية على ثنائية الردع والدبلوماسية، محذراً من عقد حاسم ربما لم نرَ مثله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
الزيارة تقرأ من سوليفان نفسه الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي وهو من أعلى المناصب الأمنية والعسكرية في أمريكا ، فالهدف من إبعاث سوليفان تقديم وعود لحل معضلة مملكة العدوان السعودية لمواجهة ضربات الصواريخ والمسيّرات اليمنية، ودفعها للمضي في استمرار الحرب العدوانية على اليمن بتقديم وعود أخرى في سياق الخدمات العسكرية التي تقدمها أمريكا لمملكة العدوان السعودية في الحرب على اليمن مقابل مليارات الدولارات، ومن التصريحات التي أطلقها يتضح بأن الإدارة الأمريكية تستميت بكل قوتها للدفع بالأمور نحو استمرار الحرب، وتعطيل جهود إحلال السلام ووقف العدوان ورفع الحصار.
مملكة العدوان السعودية بين خيارين، إما أن تُخرج نفسها من ورطة استمرار الحرب على اليمن، وتقرر ذلك لما فيه مصلحة لها بالخروج المتاح من ورطة غرقت فيها منذ ثمانية أعوام وكبدتها خسائر باهظة، أو أن تستجيب للتوجيهات الأمريكية وتستمر في الحرب العدوانية، وتنقلب على عقبيها عن المناقشات الأولية التي جرت، وبهذا فهي تقرر الانتحار وعليها أن تستعد للخسائر التي ستدفعها جراء الاستمرار في الحرب وعدم المضي في تنفيذ مطالب الشعب اليمني، وتستعد أيضاً لدفع المليارات من الدولارات إلى بنوك الإدارة الأمريكية ثمناً للحرب أيضاً وصفقات الأسلحة وغيرها من عقود التشغيل والصيانة التي تقدمها أمريكا لآلة الحرب السعودية.
إبقاء الأمور على حافة الهاوية ليس في مصلحة مملكة العدوان السعودية بالتأكيد، فأمريكا تريد ذلك لأنها تريد ألا يتحقق للشعب اليمني سلام عادل ومشرِّف وأن تستمر في احتلال بعض المناطق، وتريد أيضاً مليارات الدولارات من خزائن السعودية، وربما تريد استمرار الحرب للضغط على مملكة العدوان السعودية نفسها وابتزازها، إلى جملة أهداف أخرى تسعى من خلال عرقلة الجهود العمانية إلى تحقيقها.
كل الوعود التي تقدمها أو ستقدمها أمريكا لمملكة العدوان السعودية أياً كان مستواها وحجمها لن تكون أكثر مما فعلته أمريكا مع مملكة العدوان السعودية في الحرب الإجرامية على اليمن طيلة ثمانية أعوام وفشلت في تحقيق أي نصر في هذه الحرب، وما خفض التصعيد القائم إلا لأن القيادة اليمنية قررت إتاحة الفرصة أمام جهود عمان، وأيضاً لإيجاد مخرج للسعودية من الحرب، لكن الإدارة الأمريكية تلعب بالنار وتحاول تفجير برميل البارود على مسرح واسع سيمتد إلى المياه البحرية، وستمتد أضراره إلى جهات عديدة.

على السعودية ألَّا تعلق آمالاً على وعود الإدارة الأمريكية، فأمريكا التي تتخلى عن أدواتها بعد استثمارهم لم تتغير، من أفغانستان إلى أوكرانيا، مروراً بالجماعات التي موّلتها في سوريا والعراق، وما حدث في أفغانستان العبرة لمن يعتبر ومن لم يعتبر بعد، فإذا كانت السعودية تتوهم بأن البيت الأبيض يحميها ويدافع عنها فهي واهمة في ذلك، عليها أن تتعظ مما حدث لبيادق أمريكا حين تخلت عنهم واشنطن، بعد أن استنزفتهم، وما تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول “الشركاء والحماية” إلّا للتضليل وبيع الكلام الفارغ، أمريكا تبحث عن مصلحتها وهي المقياس لديها، وحين تقتضي المصلحة التخلي عن بيادقها ستتخلى عنهم وتتركهم في العراء وفي أصعب المواقف.

قد يعجبك ايضا