المنظمات الأجنبية ودورها في ترسيخ ثقافة التدجين

من الظريف جدًّا جانبان:
الجانب الأول: أن هذه المنظمات جذورها ومنابعها أتت من عند تلك القوى الدولية، التي بذلت أقصى جهد لتكون هي الأقوى في هذا العالم، والتي هي عنيفة جدًّا جدًّا، وهل هناك أعنف من أمريكا، وهي التي ضربت البشر حتى بقنابل نووية، وهي التي تصنع أكثر السلاح وأشد السلاح فتكًا وتدميرًا لتقتل به البشر، وهي التي تعمل على ابتكار مختلف أنواع الأسلحة التي تميت وتقتل وتمزق أكبر قدر ممكن من البشرية، جذور كثير من المنظمات منها، وتأتي إلينا لتقول لنا- أحنا المساكين، أحنا الذين لا نمتلك شيئًا يساوي القدرات العسكرية الأمريكية والأوروبية والغربية- يقولوا لنا: [أنتو كونوا أمة ليس عندها أي اتجاه عسكري، أو قتالي، أو بأي شكل من الأشكال، كونوا ناس مدجنَّين (دجاج)، دجاج القرن الحادي والعشرين]، التي هي منظمة في بلدانها التي هي أشبه ما تكون بمزارع الدجاج والأغنام والأبقار، [مساكين، لا تمتلكون أي قدرات عسكرية، ولا أي اهتمامات عسكرية، ولا دفاعية، ولا لما يبنيكم لتكونوا أمةً قوية، ذات مَنَعَة، ذات قدرة على الدفاع عن نفسها، اتركوا لكم من ذا الكلام، ركِّزوا على مسائل معينة…]، ويتجهون إلى تمييع الناس، التمييع الثقافي، التمييع السلوكي، حتى إلى نشر الفساد الأخلاقي، تأتي منظمات تقول: [كل مهمتها أن تنشر الواقي الذكري]، وأن تهتم بالنساء والرجال الذين يمارسون الرذيلة والجريمة؛ للوقاية لهم من وباء الإيدز الذي ينتشر نتيجة تلك الجريمة، اهتمام كبير في الساحة بهذا الموضوع، أو تركيز كبير على منع الحمل، أكبر موضوع رئيسي، أو… وهكذا يعني أشياء ساذجة.
هم يأتون من بلدانهم، إذا هم يريدون- فعلًا- نشر هذه الثقافة، فليبدؤوا أولاً بنشرها عندهم هم، يوعظوا الأمريكي هذا ذي عنده قدرات هائلة جدًّا، وأكبر ضحايا البشرية من سلاحه، من أفعاله، من خططه، من تدابيره، من سياساته، من برامجه، يسيروا يوعظوا الإسرائيلي، ويقولوا له: [يبطل له]، ويوعظوا الأوروبي، ويوعظوا كل تلك الدول، هي أولى يعني، هذا إذا هم ناصحين من صدق.
الجانب الثاني: من الظريف- أيضًا- والغريب أنهم يعطون تركيزًا أكبر على البلدان الأكثر استهدافًا، يذهب لك إلى الفلسطيني، الفلسطيني المسكين ذي حالته حالة: أرضه محتلة، ممتلكاته مغتصبة، اليهود شلوا عليه كل شيء، مظلوم، مقهور، مضطهد، ما عنده قدرات، مُعاني، مهضوم، في هذه الحياة، يتعرض- يوميًا- للاضطهاد والظلم والقهر، سجون الإسرائيليين ملان منه، بيُقتَل يوميًا ناس منهم، بيظلموا، يضطهدوا، أخذت منازلهم، أرضهم، مزارعهم، كل يوم يعانون كل أشكال الممارسات الظالمة بحقهم، كل يوم: هذا أخرجوه من بيته، وذاك أخذوا مزرعته، وذاك قلعوا أشجار الزيتون من مزارعه، وذاك زجوا به في السجن، وذاك ضربوه، وتلك امرأة اغتصبوها، وتلك سجنوها، وتلك ضربوها، وو… يجوا لهذا الفلسطيني: [أنت أحذر العنف، كُف، يعني، لا تكن عنيفًا، أنت كُن مهذبًا وأخلاقيًا وطيبًا، عليك بالابتسامة الدائمة، لا تكن عنيفًا، لا تتوتر، لا تغصب، لا تنفعل، وكن طيبًا، كن وديعًا، كن هادئًا…] وهكذا يعني.
يأتون مثلًا إلى الشعب اللبناني الذي يعيش التهديد الكبير جدًّا، وعاش تجربة العدوان الإسرائيلي، يشتغلون بهذه الثقافة، ويحاولون أن يشوِّهوا حزب الله وحركات المقاومة، سواءً في فلسطين أو في لبنان، وأنها حركات عنيفة، متشددة، متزمتة، متمشكلة، المفترض أن يكونوا وديعين، هادئين، طيبين، مسالمين، ولا أحد يحمل سلاح، ولا أحد يسوي شيء، والإسرائيلي هناك مُصَنِّع (المير كافا)، ومُصَنِّع كل أنواع السلاح، ومُقَتِّل، عامل له برامج عسكرية، محوّل الحالة العسكرية حتى لشعبه، أكبر اهتمام عسكري في المنطقة، وتوعية عسكرية، وتعبئة عسكرية عامة وشاملة عند الإسرائيليين، وليست دولة شرعية، كيانهم، على مستوى الجيش، على مستوى المستوطنين، على مستوى بقيتهم، حالة عامة، حالة شاملة، حالة من الجهوزية العسكرية، التعبئة العسكرية، الاهتمام العسكري، حتى الأطفال عندهم، يذهبون بهم في مواسم معينة إلى الدبابات، إلى المعدات العسكرية، يعوّدونهم عليها، يربطونهم بها، يثقفونهم تثقيفًا على القتال، على العِداء، على مواجهة الأعداء، على الهيمنة، على الطغيان، على الاستحواذ، على السيطرة… على أشياء كثيرة.
ليش تلك المنظمات ما تذهب توعّظهم؟ المفترض أنها توعّظهم أربعة وعشرين ساعة، وتنصحهم أربعة وعشرين ساعة، وتعمل لهم برامج ضد العنف، وضد، وضد، وضد… على طول يعني.
عندنا في اليمن، ما بلا جاء العدوان وقفزت المنظمات هذه، لكن قفزة، القوم هاجمين علينا، بيقتلونا بكل أنواع السلاح، الأمريكي حاضر في المعركة بإدارته، بخططه، بسلاحه، بعتاده، بما يقدِّم للقوى المباشرة والأيادي القذرة التي يعتمد عليها من مختلف أنواع السلاح الأشد فتكًا وتدميرًا، يجي يضرب عليك في صنعاء، في صعدة، في عمران، في الحديدة، في مختلف المحافظات، على المدن نفسها بقنابل وصواريخ من الأشد تدميرًا وفتكًا، يقتل بها الأطفال والنساء، يرتكب أبشع الجرائم، يُجيِّش المرتزقة من كل الأصقاع والأقطار: من اليمن، ومن غير اليمن، ومن بلدان كثيرة، ويأتي بهم لاقتحام هذا البلد من كل صوب، من كل اتجاه، ويعمل لتحقيق ذلك كل ما يستطيع، ويفعل كل ما يستطيع.
المنظمات تجي تشتغل عندنا في الداخل، وبعض الحمير من الإعلاميين وما يسمى بعضهم أتباع منظمات المجتمع المدني، يقولون للناس: [لا، اهدأوا اهدأوا، كونوا وديعين، كونوا هادئين، اتركوا السلاح، اجلسوا كذيه هادئين، وديعين، ابتسموا].
يا أخي ما المقام هذا المقام، أولاء هاجمين علينا، بيقتلونا، يشتوا يحتلوا بلادنا، بيفعلوا كل شيء من أجل أن يقتلونا، وأن يستذلونا، وأن يمتهنونا، وأن يحتلوا أرضنا، وهم يدمرون كل شيء، أنت مشغول تجي تقل لي: [كن وديعًا، وهادئًا، وغير متوتر، ولا تحمل السلاح، وكن طيبًا، عليك بالابتسامة الدائمة لأربعة وعشرين ساعة، البس لك ملابس وديعة، واصرف ذهنيتك نحو أشياء ثانية، لا تلتفت إلى هذا الذي يجري، اتركوا العنف….]، وهكذا يعني، سخافة، سذاجة، حميّة، هذا هو الاستحمار يعني.
ثقافة التدجين لا يشتغلون عليها- مثلًا- في المجتمعات الأخرى، يدجِّنوا الأمريكيين، ويدجِّنوا الإسرائيليين، ويدجِّنوا أولاك العسرين يعني، ذي هم بحاجة يدجِّنوهم لو هو شويه، ما بلا علينا، هذا الشغل علينا فقط كعرب وكمسلمين، شغل يستهدفنا نحن، لماذا؟ نكون طيبين في هذه الحياة، والا نكون عبيد؟ وديعين لنكون دُمى، لنكون أمة ذليلة، مهانة، محتقرة، يدوسها الآخرون، يجي الإسرائيلي، يجي الأمريكي يدوس بحذائه على رقبتك، وأنت وديع، ومؤدب، وهادئ…إلخ. ما شاء الله العظيم! سذاجة كبيرة جدًّا.
ثقافة التدجين ثقافة غير واقعية، غير منطقية، لا تُعتمد استراتيجيًا لدى المجتمعات الكثيرة في مختلف الدنيا يعني، في مختلف الدنيا ليست استراتيجية لا للأمريكي، ولا للأوروبي، ولا للصيني، ولا للهندي، ولا للياباني، ولا… كل الناس في الدنيا يتجهون- بكل ما يستطيعون- ليكونوا أقوياء، بكل عوامل القوة: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، القوة السياسية، القوة الإعلامية، العنوان الرئيسي: هو القوة، (قوة) نكون أمة قوية، وعصر القوة، ومنطق القوة، والا نِدَّعس، نظلم، نقهر، نستعبد، نهان، هذا واقع الحياة، ومن أجل هذا أتت ثقافة الجهاد ضمن مفهومها القرآني الصحيح، غير المحرف.

 

 اللـــه أكـــبــــر
المــوت لأمريكــا
المـوت لإســرائيل
اللعنة على اليهود
النصــر للإســـلام

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة 1439هـ

قد يعجبك ايضا