مساعي العدوّ للمناورة برحلات مطار صنعاء تكشفُ إصرارَه على تجنُّب السلام الفعلي

||صحافة||

على الرغمِ من أن السفرَ عبرَ مطار صنعاء الدولي يُعتبَرُ حَقًّا إنسانيًّا مشروعًا لأبناء الشعب اليمني، تُصِرُّ دولُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على استخدام هذا الحق كبطاقة للمناورة السياسية والإعلامية وكأدَاة لكسب المزيد من الوقت لإطالة معاناة الشعب اليمني، وذلك عن طريق تقطير الرحلات الجوية، ومحاولة استثمارها؛ للتغطية على حقيقة استمرار الحصار الإجرامي المفروض على البلد؛ وهو ما يمثل مؤشرًا واضحًا على انعدام الجدية في التوجّـه نحو السلام الفعلي الذي يعتبر رفع الحصار من خطواته الأَسَاسية والجوهرية.

 

مناورةٌ بالاستحقاقات الإنسانية:

مؤخّراً، سمح النظام السعوديّ بتسيير ثلاث رحلات إضافية أسبوعية فقط من مطار صنعاء الدولي ضمن الوِجهة الوحيدة التي سمح بها سابقًا، وهي الأردن، وأعقب ذلك بالسماح بفتحِ عددٍ من الرحلات للحجاج اليمنيين من صنعاء، لكن هذه الخطوات لم تأتِ في سياق إثبات “حُسن النوايا” للتوجّـه نحو السلام، بل في سِياقِ المراوغة ومحاولات كسب الوقت والالتفاف على مطلبِ رفع الحصار بشكل كامل؛ لأَنَّ هذه الخطوات جاءت متأخرةً بأكثرَ من عام على بدء مسار التهدئة الذي كان يُفترَضُ أن يشهدَ توسعًا تصاعديًّا في معالجات المِلف الإنساني، وُصُـولاً إلى رفع كافة القيود الإجرامية المفروضة على اليمن.

ولم يكن التأخر في هذه الخطوات ناتجًا عن أية “تعقيدات” كما حاول تحالف العدوان أن يروج خلال الفترات الماضية، بل كان تعنُّتًا واضحًا من جانب دول العدوان ورعاتها، بدليل أنها بمُجَـرّد أن “اضطرت” لهذه الخطوات اختفت كُـلُّ “التعقيدات” المزعومة بسرعة.

ويكشفُ توقيتُ هذه الخطوات بوضوح عن الأسباب الحقيقية التي دفعت دولَ العدوان لاتِّخاذها؛ إذ جاء السماحُ بالرحلات الجديدة متزامنًا مع تصاعد نبرة تحذيرات وإنذارات صنعاء بشأن عواقب استمرار النظام السعوديّ ورعاته الأمريكيين بالمماطلة في تنفيذ مطالب الشعب اليمني، حَيثُ حذّرت القيادة الثورية والسياسية الوطنية بوضوح من نفاد صبر صنعاء، وأكّـدت أن استمرار معاناة اليمنيين لن يمر دون حساب؛ وهو الأمر الذي جعل دول العدوان ورعاتها تقف أمام خطر انتهاء التهدئة التي يسعَون لتحويلها إلى حالة لا حرب ولا سلام طويلة الأمد؛ لتجنب عودة العمليات العسكرية التي أكّـدت صنعاء الاستعدادَ لاستئنافها.

وليست هذه المرة الأولى التي تلجأُ فيها دولُ العدوان إلى استخدام بعضِ استحقاقات الشعب اليمني كأوراق مساومة مقابل كسب بعض الوقت وتجنب استمرار علميات الردع، إذ تصر الرياضُ وواشنطن بشكل مُستمرّ على إخضاعِ مختلف جوانب المِلف الإنساني لرغبات ومصالح لا علاقة لها بالسلام الفعلي، وقد تضمنت فترةُ الهُدنة نموذجًا واضحًا على ذلك، إذ عمدت دولُ العدوان إلى تقطير سفن الوقود التي تم الاتّفاق على السماح بوصولها إلى ميناء الحديدة، كما رفضت فتح وِجهة القاهرة للرحلات الجوية برغم أن الاتّفاق نَصَّ عليها بشكل صريح.

وحقيقة أن دولَ العدوان لا زالت تصر حتى الآن على إبقاء القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، برغم سقوط كُـلّ المبرّرات، وبرغم استمرار صنعاء بالتعاطي الإيجابي مع جهود السلام، تؤكّـد بوضوح أن السعوديّة والولايات المتحدة الأمريكية لا زالتا تحاولان تجزئة المِلف الإنساني واستخدام جوانبه كأوراقٍ؛ لتحقيق مكاسب ومطامع، أدناها: كسب الوقتِ، وإطالةُ أَمَدِ حالة اللا حرب واللا سلام.

 

محاولاتُ لتجميل صورة السعوديّة:

تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة مع الرحلات المحدودة الجديدة التي سمحت بها السعوديّة من مطار صنعاء، يمثل أَيْـضاً دليلًا إضافيًّا على نوايا استثمار هذه الرحلات لأغراض بعيدة تماماً بل ومناقضة للسلام الفعلي، إذ عمد المسؤولون الأمريكيون والممثلُ الأممي في اليمن إلى تقديم هذه الرحلات كـ”تنازل” من جانب النظام السعوديّ، واعتبروها “خطواتٍ إغاثيةً” وليست استحقاقاتٍ مشروعةً للشعب اليمني.

هذا التعاطي يؤكّـدُ بوضوح أن دول العدوان ورعاتها تحاول استثمار الخطوات الشكلية في المِلف الإنساني؛ للتغطية على ضرورة رفع الحصار بشكل كامل وعاجل، والتغطية على ضرورة معالجة بقية جوانب هذا الملف، إضافة إلى تقديم السعوديّة في دور “الداعم لجهود السلام” لصرف النظر تماماً عن مسؤوليتها المباشرة في استمرار معاناة الشعب اليمني.

وهذا ما يؤكّـده أَيْـضاً حرص المسؤولين الأمريكيين على ربط “تحقيق المزيد من التقدم” بشرط “إجراء مفاوضات يمنية يمنية”، حَيثُ يبدو بوضوح من خلال هذا التعاطي المضلل أن الولايات المتحدة تسعى لجعل استحقاقات اليمنيين مرهونة بتنازل صنعاء عن “نديتها” في التفاوض مع دول العدوان؛ وهو ما يمثل التفافًا واضحًا على طريق السلام الفعلي.

لكن صنعاءَ واجهت هذا المسعى العدواني بتأكيداتٍ واضحة على أن ما تم السماحُ به من الرحلات لا يغطي الاحتياجَ الفعلي، وأن المطلوبَ هو رفعُ الحصار بشكل كامل وعاجل، ومعالجة كافة جوانب الملف الإنساني؛ وهو الأمر الذي يضع النظام السعوديّ والولايات المتحدة مجدّدًا أمام الخطر الذي يحاولُ التهرُّبَ منه والمتمثل بانفجار الوضع وعودة العمليات العسكرية.

والتحذيراتُ الأخيرة التي وجّهتها القيادة الثورية والسياسية والعسكرية تؤكّـد بشكل واضح أن أُسلُـوبَ تقطير الاستحقاقات الإنسانية لكسب الوقت لم يعد يجدي، وأن تجاهُلَ دول العدوان لهذه الحقيقة سيضعُها أمام مفاجآت صادمة.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا