العلامة حمدي زياد لموقع أنصار الله: يجب أن يفهم الحجاج أنه لا بد من الوحدة، وبناء قوة إسلامية تتصدى للأعداء

موقع أنصار الله – صنعاء – 9 ذو الحجة 1444هـ

إن فريضة الحج التي فرضها الله على من استطاع إلى ذلك سبيلا لم تأت لأداء طقوساً معينة ثم ليذهب الجميع إلى بلده دون أن يكون هناك موقف موحد تجاه واقع الأمة والتهديدات التي تحدق بها  وضرورة إصلاح واقع الأمة،  بل إن الأمة مطالبة بتحقيق الغايات من وراء فريضة الحج ، كالقوة والوحدة والتكافل والتكامل والبراءة من أعداء الله والبحث في تطوير الاقتصاد والسياسة والعلم وغير ذلك، كما أنه مطلوب من الأمة أن تدافع عن المقدسات وأن تنزع عن الحرمين ولاية الطغاة الذين يضعون إرادتهم فيها بديلا عن إرادة الله تعالى، لأن هذا انحراف وإلحاد سببه أطماع الملك وانعدام الوازع الديني.

هذا ما قاله العلامة حمدي زياد عضو رابطة علماء اليمن، في الحوار الذي أجراه معه موقع أنصار الله للوقوف على  أبعاد ورسائل وغايات فريضة الحج.

حاوره: صادق البهكلي

 

في البداية ما هي أهداف وغايات فريضة الحج ؟

يجب أن نعلم جميعا أن الله سبحانه وتعالى جعل الشرع الحنيف بكافة تعاليمه صلاحا للإنسان في الدنيا والآخرة، بمعنى لا تستقيم الدنيا إلا بالدين. ولا تستقيم الآخرة إلا بالدين. وانطلاقا من هذا الفهم؛ نرى الصلاة والزكاة والصيام كلها تُصلح للمسلمين دينهم ودنياهم، وكل تعاليم الإسلام، وعلى هذا الشأن تنهض بالإنسان في مجالات دينه وفي مجالات حياته،

وعلى هذا النحو هو الحج، جعله الله قياما للناس ينهض بهم في الدين والدنيا. فيقوم بالمسلمين في شؤون حياتهم. وفي شأن آخرتهم. وهذا المعنى ساقه القرآن الكريم لنا في كثير من آياته البينات مثل قوله تعالى {جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (المائدة – 97).

 

ما هي الأهمية الرمزية للكعبة المشرفة؟

أولاً علينا أن نتأمل كيف جاءت الآيات في القرآن تتحدث عن الحج على مساري منافع الدنيا ومنافع الآخرة في مثل قوله تعالى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ}، ومع رصد آيات الحج في القرآن الكريم رصد التدبر والتفكر؛ يعود الإنسان بحصيلة كبيرة من الهدى الذي أراده الله تعالى للعالمين من قديم الزمان. وإلى قيام الساعة وسبحانه ما أعلمه وأقدره. كيف نصب الكعبة في الأرض لتنشر في العالمين الهدى والبركات يقول الله تعالى { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } معنى “مباركاً” أن الله هيأ البيت العتيق ليكون للناس ساحة عطاء لا تنقطع. ويلمس ذلك العطاء كل من يؤم البيت العتيق. أن البركات تحل على أحواله وأرزاقه.

إن هذه البركات قد تشمل الأمة كلها بالمنافع الاقتصادية والفكرية والسياسية. وفي كل المجالات، في حالة أن الأمة عظمت شعائر الله واستغلتها بإخلاص لواقعها وأحوالها الدينية والدنيوية.

 

هناك علاقة وثيقة بين هدى الله والكعبة المشرفة .. كيف ذلك؟

بالنسبة للهدى فقد هيأ الله البيت العتيق شعائره ومشاعره ليدل على الواحد الأحد الفرد الصمد. وليدل على خط الأنبياء جميعاً بغير زيغ ولا تحريف؛ وليدل على ملة إبراهيم ودين محمد صلوات الله عليهم وآلهم أجمعين. يقول سبحانه وتعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} وهنا حكم الله تعالى أن من ترك الحج مستطيعا فقد شارك أعداء الإسلام في الكفر.

إن الكفر لا يقتصر على أهل الكتاب لوحدهم أو الوثنيين لوحدهم. وإنما يعم كل من رفض أوامر الله. و لنا هنا أن تتدبر بقوة. كيف أن الله بعد أن فرض الحج؛ وجّه وعيده وخطابه للكافرين في سورة آل عمران بدءًا من المتمردين على هذه الفريضة في دائرة الإسلام وانتهاءً باليهود والنصارى الذين يحاربون الإسلام بكل أركانه وتعاليمه..

 

ما هو الجامع بين المتمردين على الحج من أهل الإسلام وبين أهل الكتاب المحاربين للإسلام كاملا، والمحاربين للحج على وجه الخصوص؟

الله أراد للمقدسات أن تبقى إلى يوم القيامة، وأن يبقى دورها الكبير على ساحة المسلمين إلى يوم القيامة، وأن يظل البيت المعمور معمورا إلى قيام الساعة؛ ومن كان من أهل الإسلام المقتدرين لا يعمر بيت الله بأداء فريضة الحج إليه؛ فقد شارك اليهود والنصارى في حربهم على المقدسات عبر التاريخ وإلى زمننا هذا.

انظر إلى الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {من مات من المسلمين ولم يحجّ لم يمنعه من ذلك مرض حابس، ولا سلطان جائر، ولا حاجة ظاهرة، فليمُت على أي الحالين شاء، إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانيا}، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم {من وجد زادًا وراحلة يبلّغانه بيت الله ولم يحجّ؛ فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا، وإن شاء مجوسياً، أو على أي ملةٍ شاء}، وكذلك عن سعيد بن جبير قال: قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم {من مات مؤسرا؛ ولم يحجّ مات كافرًا}. وهذه النصوص النبوية تذكرنا بما ركز عليه الشهيد القائد الحسين بن بدر الدين عليه وعلى آبائه السلام، حينما قال في معنى كلامه إن المسلمين المتنصلين عن مسؤوليتهم يشاركون الكافرين المعتدين بنسبة سبعين في المائة من سيادة الباطل في الأرض.

هذا وحرب المقدسات إثم وعارٌ ملتصق باليهود والنصارى من غابر الأزمان قال الله سبحانه وتعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} انظر إلى الصهاينة-برغم خمسة وسبعين عاما من الاحتلال. لفلسطين-لكن ما تركوا المسجد الأقصى يوما واحدا من الاستهداف، فكيف لو تمكنوا-لا سمح الله-من مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتان أثرهما أعظم، وحقد الكافرين عليهما أكبر! .

إن المخلصين من أمة محمد قد امتدحهم الله بعمارة المساجد، وعدم تفريغها من مقاصدها وغاياتها، قال الله تعالى { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ}، والقرآن يريد أن نفرق بين الحج المرضي والحج غير المرضي، فمثلا حج الكافرين في الجاهلية عبارة عن صفير وتصفيق وتعرٍّ وخمور وزيغ وتحريف، وحج المسلمين الغافلين السطحيين مجرد عبادة مجردة من مضامينها وغاياتها وفقط رحلة استجمامية، وأما حج المسلمين المهتدين الذين يعمرون المقدسات فهو عبادة خالصة كاملة، يطلبون بواسطتها تحقيق الغايات والمقاصد التي أرادها الله على طرفي الدين والدنيا.

وأما قول الله تعالى {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}، فهذا حكم عام يشمل اليهود والنصارى، وجميع الملحدين، وينص أولا على الرافضين المستطيعين من أمة محمد-صلوات الله عليه وآله-وينسحب هذا الحكم على كل من صد عن الحج من القيادات تحت ذريعة سياسية أو ذريعة بيئية أو بذريعة الاختصار من الزحام وتقليل الأعداد مثلما يمارس في هذا الزمن، تمنع شعوب وجماعات لوجود الخلاف السياسي بينهم وبين آل سعود، ويمنع الناس بذريعة الأوبئة، وامتثالا لتوجيهات من الدوائر الغربية، ويمنع الناس بذريعة تقليل الأعداد يقولون “تفادياً لوقوع الكوارث”، وهذه ذرائع إن تفحصناها وجدناها ما أنزل الله بها من سلطان. فهي صد ما بعده صد. بل وخدمة للأعداء الذين يحاربون الله ورسوله والمقدسات.

 

كيف جعل الله فريضة الحج وسيلة للنهوض بالأمة وربطها بالصراع مع أعداء الأمة

إذا نظرنا إلى الحج والمقدسات في كتاب الله نجدها تذكر في سياق الصراع مع أهل الكتاب؛ فهي مستهدفة والحج مستهدف، وكذلك أعلن الله استغناءه عن المنافقين في الأمة الذين يرفضون تعظيم شعائر الله، واستغناءه عن اليهود والنصارى المستهدِفين للحج والشعائر، ولجميع المقدسات، و هذا الإعلان جاء بعد أن ذكر الله الحج ووجوبه، ثم استمرت الآيات في ذكر أهل الكتاب والصراع معهم، لأنه إذا صُرعت المقدسات-لا سمح الله-فبعدها ستُصرع هذه الأمة في كل شيء. يقول تعالى من سورة آل عمران من الآية السابعة والتسعين { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}.

 

وصل ببعض الخونة وعلماء السوء  للحديث بأن الكبعة والأقصى الشريف قضية خلافية .. كيف تقيمون موقفهم؟

إن المقدسات يجب أن تبقى معظمة ومصونة بأيدي المسلمين الوارثين الشرعيين لدين الله وللمقدسات، ومهما زعم اليهود بالانتماء إلى ابراهيم الخليل فالله يكذّبهم ويقول{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}، ومهما زعموا أنهم الأولى بإبراهيم وبالمقدسات فإن الله يرد عليهم ويقول{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ}، ومهما حاول اليهود وأتباعهم جعل القدس الشريف والمسجد الأقصى قضية خلافية في ملكيتها؛ فإن الله يقمعهم ويجعلهما في خريطة الإسلام والمسلمين أرضا وبشرا، يقول سبحانه وتعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}.

 

 ما هي مسؤولية الأمة تجاه الحج والمقدسات؟

إن المطلوب من أمة الإسلام اليوم أن تعظم شعائر الله بإقامة فريضة الحج بغير قيود ولا شروط. وأن تعلنها كما اعلنها الأنبياء. قال الله تعالى عن إبراهيم الخليل وهو يعلّم الناس بفريضة الحج { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ}.

ومطلوب من الأمة تحقيق الغايات من وراء هذه العبادة، كالقوة والوحدة والتكافل والتكامل والبراءة من أعداء الله والبحث في تطوير الاقتصاد والسياسة والعلم وغير ذلك، قال الله تعالى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }.

ومطلوب من الأمة أن تدافع عن المقدسات لأنها إذا لم تدافع عن المقدسات فلن تستطيع الدفاع عن أعراضها وأوطانها. يقول الله سبحانه وتعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}.

ومطلوب من هذه الأمة أن تنزع عن الحرمين ولاية الطغاة الذين يضعون إرادتهم فيها بديلا عن إرادة الله تعالى، وهذا انحراف وإلحاد سببه أطماع الملك وانعدام الوازع الديني، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحج { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ويقول سبحانه وتعالى{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.

 

ما هي رسائل الحج في واقع الأمة والصراع مع الأعداء

إن المفروض على وزارات الحج في كل الأرض الإسلامية قبل أن تفوّج حجاجها إلى الديار المقدسة أن تقيم لهم في بلد المنشأ ورشات توعوية-ولو لساعات-  لتهديهم إلى المناسك وكيفية هذه الرحلة الربانية ولتعرفهم بأنهم وفد الله، وأمناء الله على منافع أمتهم. فلا بد أن يشتركوا مع حجيج الأمة في هذه المقررات بإخلاص ووعي وجد وفكر، وإبراز موقف متقدم يذاع ويُرى على أسماع وأبصار العالم؛ وهذا الموقف يبدأ برفع البراءة من أعداء الله، الذين يحاربون الأمة في كثير من أوطانها، وفي المقدمة فلسطين الوطن المظلوم والمغتصب لعقود من الزمن من قبل الكيان الغاصب، قال الله تعالى { بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)}.

ما سمح الله للأمة أن تمتنع عن البراءة من المشركين، وطردهم من المقدسات بحجة الاقتصاد أو السياسات أو الاعتبارات الأخرى؛ فهذه ليست مبررات بين يدي رب العالمين، ومن خالف أوامر الله في الدنيا فإن جزاءه في الدنيا وفي الآخرة. قال الله تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}.

ثم يبتُّ الحجاج في مظلومية الأمة الإسلامية في كل البلدان، ويرسمون الخطط العلمية والعملية المدعومة من قبل جماهير الأمة؛ لتخليص كل المظلومين المسلمين في الأرض ثم يتجاوز الحجاج ذلك إلى البت في منافع الأمة العلمية والاقتصادية والتنموية والصناعية وغيرها، وكيفية تآزر وتكامل الأمة في تلك المجالات وغيرها.

وقبل كل شيء يجب أن يفهم الحجاج أنه لا بد من الوحدة الإسلامية، وما هي الطريق للوصول إليها، وما هي المقررات التي تُتبع والتي توصل الحجاج إليها كتعزيز العوامل المشتركة للأمة، وتعزيز الحوار بين أبناء الأمة بكل بصيرة وعلم، وحل مشاكل الأمة المختلفة فيما بينها في كل الأوطان بالوسائل الصحيحة والسليمة، ويتم الحديث عن إعلام هادف وعملاق وموحد يجيد التخاطب مع أبناء الأمة، ومع الأجنبي بترجمة المؤتمنين من أمة الإسلام.

ويتم الحديث عن اقتصاد للأمة بالممكن-والممكن كثير-في توحيده وتعزيزه وتكامله كسوق إسلامية مشتركة، وتبادل المنافع وعملة إسلامية عملاقة موحدة، وتبادل للمنتجات والخبرات وتنمية الصناعات والكثير في هذا الشأن.

ويتم الحديث عن القوة الإسلامية الرادعة، والمقتدرة كأن تساهم كل البلدان الإسلامية بجزء من السلاح وجزء من المقاتلين؛ حتى نحصل على جيش إسلامي مشترك في السلاح والبشر والعقيدة والأهداف والإخلاص والإيمان يكون جاهزًا عند الحاجة إليه، وفي مقدمة مهامّه يقي الأمة من هجمات الأعداء عليها في أي مكان من الأرض الإسلامية، ويتعامل مع مشاكل الأمة الداخلية بميزان القرآن { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ثم يتعامل مع الخارج بأوامر رب العالمين { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ }، وقال تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، و قال تعالى{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}.

هذا وبإمكان وفد الله-الحجاج-أن يساهموا في كل شيء من مجالات بناء الأمة العلمية والأخلاقية والفكرية والاقتصادية والسياسية وفي كل شيء، هم من يضعون الخطط والبرامج للأمة، يطبقونها مع أمتهم من بعد الحج من خلال العلم والتواصل والتحرك، كي لا تظل أعمالهم حبرا على ورق.

وليعلم الجميع أن الأجانب يعلمون مقاصد الحج أكثر منا؛ ولذلك حرصوا على السيطرة عليه من خلال عملائهم لتفريغه من مضامينه، ولحصره على المناسك فقط، ولمنعه من أي نتيجة مرضية للأمة، فقد جعل الكفار بديلا عن مقررات الحج المؤسسات الدولية السياسية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، فضلا عمّا تتخذه الدول الاستكبارية من إمضاء لسياساتهم في العالم طوعا وكرها.

و نبشر الجميع أن لنا في اليمن بقيادة الأخيار من ذريات آل رسول الله صحوة وثورة وفكراً قرآنياً إن شاء الله سيتعاظم ذلك مع جهود إخوتنا الأحرار في كافة الأمة بإذن الله وقوته ترقى هذه الجهود وتنتشر حتى تعم الأرض الإسلامية كلها.

 

قد يعجبك ايضا