الأَمريكي ينقلبُ على “مبادئ مسقط”.. قراءةٌ في الأسباب والحيثيات
موقع أنصار الله || صحافة محلية || صدى المسيرة/ عبدالله بن عامر
لم تكن المفاجأةُ في الانْقلَابِ على الاتّفَاق بل في الاتّفَاق نفسه؛ لأنه جاء متناقضاً بعضَ الشيء مع الأهداف الاسْتراتيجية لواشنطن في اليمن.
رغم وجود أسباب أُخْــرَى للانْقلَاب كرُؤية دول العدوان للحلّ ووضع مرتزقتها إلا أن جميعَ تلك الأسباب لا يمكنُ لها أن تتعارَضَ مع الإرادة الأَمريكية
الموافَقَةُ الأَمريكية على الاتّفَاق تأتي في إطار المسكّنات الهادفة لإظهار واشنطن بعيدةً عن الجرائم وحريصةً على الشعب اليمني ومحاولة القول إن اسْتمرَارَ العدوان ليس قراراً أَمريكياً.
لو كانت واشنطن جادَّةً في تنفيذ الاتّفَاق لَرفعت الحصارَ بحُكم أن بوارجها هي من تحاصِرُ اليمنَ ولَأوقفت إمداداتِ السلاح لدول التحالف ولَسحبت المستشارين العسكريين الذين يُديرون غُـــرَفَ عمليات العدوان.
واشنطن لم تكن تبحَــثُ عن سلام بقدر ما كانت ترغَبُ في تحقيق حضورٍ إعلامي وسياسي وتوريط أَدْوَاتها بشكل مباشر في العدوان.
اسْتمرَارُ العدوان يؤكدُ الاسْتراتيجيةَ الأَمريكيةَ في اليمن والتي تتجاوَزُ موضوعَ التغيير الحاصل في واشنطن
الاتّفَاقُ كشف حجْــمَ المأزِقِ الذي يعيشُه المرتزِقةُ ومدى التناقُض في مواقف أمريكا
ما حدث مجرد تبادُل أدوار فلا يمكنُ للسعودية أن تقفَ على الضد من الإرادة الأَمريكية ولا يمكن للمرتزِقة العملُ بما يتناقَضُ مع المصلحة السعودية.
لم يَكُـــنْ مفاجِئاً ما حدث بعد الإعلانِ عن توقيعِ اتّفَاق مبادئ مسقط بين القوى الوطنية اليمنية وتحالُف العُدْوَان بزعامة الولايات المتحدة الأَمريكية، من تنصُّلٍ لما ورد في الاتّفَاق ومحاولات التهرب من تنفيذ ما تضمنه من التزامات، بل والانْقلَاب عليه بطرق ووسائل مختلفة.
فما أن أعلنت وزارة الخارجية العُمانية توصُّلَ الأطراف إلى اتّفَاق مبادئ يتضمن وقفاً لإطلاق النار، إضافة إلى اسْتئنَاف المشاورات نهاية الجاري وتشكيل حكومة قبل نهاية العام الحالي، حتى بدأت أَدْوَاتُ العُدْوَان وعلى وَقْــعِ التطوُّرات السياسية اللافتة شَنَّ عمليات عسكرية هجومية في أَكْثَـرَ من منطقة، بالتزامن مع تصريحات أطلقها قادةُ المرتزقة تكشفُ حجمَ المأزق الذي تعيشه أَدْوَات العُدْوَان.
تصريحاتُ وزير الخارجية الأَمريكي جون كيري الذي مثّل تحالف العُدْوَان في مفاوضات مسقط هي الأُخْــرَى أثارت الكثيرَ من الجدل في صفوف أَدْوَات العُدْوَان التي بدت بعيدةً تماماً عما تم التوصل إليه دون العودة إليها في وقت تمكَّنَ فيها المفاوض اليمني من ترجمة ما حققه من مكاسبَ سياسيةٍ إلى أداء إعلامي بارز أجبر مختلفَ الوكالات والوسائل الإعلامية إلى تناول الحَدَث من زاوية التوضيحات والتصريحات المقدَّمة من الطرف اليمني المناهض للعُدْوَان وما تضمنته من مواقفَ ضمن النتائج الإيجابية للاتّفَاق.
كُلُّ ذلك إضافةً إلى عدم جديّة الولايات المتحدة الأَمريكية في التوصل لحلٍّ نهائي في اليمن يُفضي إلى وقف شامل للعُدْوَان ورفع للحصار كانت المؤشرات ومنذ اللحظات الأولى لا تشجع على التفاؤل ولا تبعث على الارتياح، سيما والدور الأَمريكي لم يكن منذ بداية العُدْوَان وحتى اللحظة سوى توفير الغطاء السياسي للعُدْوَان وبعث رسائل للمجتمع الدولي أن واشنطن تهتم بما يحدث في اليمن وتجتهد في سبيل التوصل لحل سلمي حتى تُبقيَ على الملف اليمني بِرُمَّته رهينَ أهدافها وأجندتها، وقبل ذلك حتى تحولَ دون أي تحرك حتى للمنظمات الدولية لتوثيق وإدانة ما يرتكبه العُدْوَان من جرائم.
ولهذا نجد أن الانْقلَابَ على اتّفَاق مبادئ مسقط لم يكن انْقلَاباً اضطرارياً نتج عن إخفاقات للأداء السياسي لتحالف العُدْوَان، بل انْقلَابٌ مزدوجٌ ومعد له مسبقاً، حيث ظهرت واشنطن وكأنها تحاول حل القضية اليمنية فيما أَدْوَاتها بالمنطقة وأتباعُ أتباعِها وبضوءٍ أخضرَ يؤكدون وبالتطورات العسكرية في الميدان، أن الاتّفَاق كأن لم يكن، بل ذهبوا نحو أبعد من ذلك بإعلان المرتزِقة شنَّ عمليات عسكرية واسعة، الأمر الذي أظهر الأتباع وكأنهم يمتلكون قرارَ أنفسهم بعد أن أكد كيري أن واشنطن هي المتزعّمة للعُدْوَان، وما المملكة ومعها الإمارات وأتباعُهما على الأرض ليسوا إلا أَدْوَات.
ضبابيةُ الموقف الأَمريكي وتبنّي الانْقلَاب على الاتّفَاق:
في ذات الصعيد.. وبينما كان كيري يلملم أوراقه بعد الاتّفَاق مستعداً لمغادرة مسقط، كانت السعودية ومعها الإمارات تلتزمان الصمتَ، غير أن المدافع لم تتوقف بعدُ، وكذلك الغارات والاعْتدَاءات، قبل أن توكل المهمة للمرتزقة ولما يسمى شرعية لممارسة دور الهجوم على الاتّفَاق وعدم الاعْترَاف به.
هنا أكدت واشنطن وقبل أن يجفَّ حِــبْـــرُ الاتّفَاق تبنِّيَها الكاملَ للانْقلَاب على الاتّفَاق، حيث لم يصدر أي موقف واضح من قبل المسؤولين في الإدارة الأَمريكية الحالية يؤكد ما تم الاتّفَاقُ عليه ويلتزمُ بما ورد في البنود العامة للمبادئ المتفق عليها، سيما فيما يتعلقُ بوقف إطلاق النار، بل ذهبت الإدارة الأَمريكية نحو المراوغة تارة والتهرب من الحديث عن الاتّفَاق تارة أُخْــرَى وكأنها تريد القول إنها فقط أرادت أن تقول للعالم ومن خلال تواجد كيري في العاصمة العمانية وبيانه الصحافي الذي صدر يوم الاتّفَاق بأنها حريصة على السلام وأنها بعيدة تماماً عما يُرتكب من جرائم بحق اليمنيين، بل والأهم من كُلّ ذلك أن قرار وقف العُدْوَان قد لا يكون بيدها بل بيد مرتزقة أَدْوَاتها في المنطقة، وبالتالي فإن اسْتمرَار العُدْوَان هذه المرة ليس بإرادة أَمريكية بل بإرادة سعودية إماراتية إن لم يكن بإرادة ما يسمى الشرعية.
يتضحُ ذلك جلياً في محاولات أَدْوَات العُدْوَان إعلان هُدنةٍ أُخْــرَى لمدة 48 ساعة وكأن اتّفَاق مسقط لا يعنيها في الوقت الذي ألمحت السعوديةُ وبشكل غير مباشر إلى أن اسْتمرَار العمليات العسكرية قرارٌ بيد المرتزقة، في محاولة لنسف ما حدث في مسقط وإظهار الرياض وبالتالي أتباع الرياض وكأنهم على الضد من الرغبات الأمريكية.
لكن ونحن بصدد تفكيك المشهد المعقّد خلال الأيام الماضية، سيما ما يتعلق بالموقف الأَمريكي الذي بدا ضبابياً بالنسبة للكثيرين، غير أنه وبالنظر إلى وضع الإدارة الأَمريكية وطريقة تعاطيها مع الملف اليمني سنجدُ أنها فيما لو كانت بالفعل تبحث عن السلام لَكانت أقدمت على خطوات من طرفها دون انتظارِ أَدْوَاتها في المنطقة أَوْ المرتزقة حتى يعلنوا تأييدَهم أَوْ رفضَهم لاتّفَاق مسقط الذي كانت واشنطن تمثّلهم فيه، ثم هل واشنطن ومِن خلال تبعية دول الخليج لها تحتاجُ إلى موافقة المملكة السعودية على أيَّةِ خطوة أَمريكية قد تتخذُها الإدارةُ في واشنطن فيما لو كانت هذه الخطوة جادةً وليست مجرد مسكناتٍ لملف معقَّد وبلدٍ يقاوِمُ بكل صلابة حتى عجزت عن إركاعِه دُوَلٌ بأسرِها.
الدورُ الأَمريكي والموقفُ من العُدْوَان:
وليتأكَّدِ الجميعُ من حقيقةِ الموقف الأَمريكي هل كان جادّاً أم يأتي في إطار الأدوار المتبادلة والمرسومة مسبقاً لإيصال رسائل معينة للداخل والخارج نتساءل.. هل رفْعُ الحصار المفروض على اليمن يحتاجُ إلى موافَقةٍ سعودية أَوْ ضوءٍ أخضرَ إماراتي والبوارج البحرية الأَمريكية هي من تُحاصِرُ اليمن؟
ثم ماذا عن المستشارين العسكريين الأَمريكيين المتواجدين في غُرَفِ عمليات العُدْوَان ومن يقدّمون المعلومات ويضعون خبراتهم العسكرية والاستخبارية في خدمة العُدْوَان هل بقاء مثل هؤلاء يخدم الرغبة الأَمريكية في تحقيق السلام باليمن أم أن الإدارةَ الأَمريكية لا تريد السلام في اليمن؟!.
ماذا عن الأقمار الاصطناعية المسخّرة للعُدْوَان، وقبل كُلّ ذلك هل تزويدُ العُدْوَان بالأسلحة الفتاكة والمحرّمة دولياً يخدُمُ الإرادة الأَمريكية في المُضي قدماً نحو تسوية سلمية في اليمن؟.
بالتأكيد لا.. فمن خلال الإجابات على مثل هكذا تساؤلاتٍ، إضافة إلى ما تقدِّمُه الأحداث من شواهدَ ووقائعَ يتأكَّدُ الجميعُ أن واشنطنَ لا تبحَثُ عن الاستقرار في اليمن، وأن قرار وقف العُدْوَان مرهونٌ بمدى جدية واشنطن في تحقيق هذا الهدف من عدمه، وأن محاولةَ تقديم المرتزقة وكأنهم أصحابُ قرار ليس إلا أكذوبة أثبتت الأيامُ زيفَها، بل وأثبتت واشنطن نفسُها عدمَ صحتها.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء سنجدُ أن السعودية لم تكن لتباشِرَ العُدْوَان على اليمن قبل أن تأخُذَ الموافقة الأَمريكية، ولم يكن للتحالف أن يتكوّنَ ويتشكّلَ قبل أن تكون الرغبةُ الأَمريكية هي مَن تقف وراء ذلك، وما إعلان العُدْوَان من واشنطن إلا دليل بسيط على ذلك.
من خلال ما سبق سنجد أنه مهما حاول البعضُ تفسيرَ ما حدث من انْقلَاب على اتّفَاق مبادئ مسقط، سيما ما يتعلق بالاجتهاد في تفسير العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة أَوْ من خلال تفكيك المشهَد المتأزم داخل العائلة الحاكمة في الرياض أَوْ حتى علاقة التبعية الاضطرارية بين المرتزقة من جهةٍ وبين دول العُدْوَان من جهة أُخْــرَى، سنجد أن كُلَّ تلك التفسيرات مجرد عناصر فرعية ضمن الأُسُس والخطوط العريضة الذي لا تخرُجُ عن حقيقة مفادُها أن قرارَ العُدْوَان بيد واشنطن وأن المملكةَ والإمارات وغيرَهما من دول العُدْوَان وكذلك لفيف المرتزقة لا يمكنُ لهم جميعاً الوقوفُ أمام الإرادة الأَمريكية فيما لو كانت هذه الإرادةُ مع أَوْ ضد اسْتمرَار العُدْوَان.
دورُ المرتزقة ودول العُدْوَان:
نعم هناك تفاصيلُ معينةٌ قد تؤدِّي في كثيرٍ من الأحيان إلى اسْتمرَارِ العُدْوَان على اليمن غير أن كُلَّ تلك التفاصيل لا يمكن لها أن تتناقضَ مع الأهداف العامة لواشنطن، ومن تلك التفاصيل نوعيةُ العلاقة المشتركة بين دول العُدْوَان، فتارةً قد تتدخَّلُ قطر ومعها دولٌ أُخْــرَى نحو اسْتمرَارِ الأعمالِ العسكرية وتقدّم في سبيل ذلك الوعودَ وتدفعُ الأموالَ وتشتري السلاحَ، وتارة قد يكونُ للمرتزقة أنفسِهم ومن دافع الخشية على مستقبلهم فيما لو حدثت تسويةٌ سياسيةٌ، دورٌ في اسْتمرَار العُدْوَان، وذلك من خلال التعهُّد بتحقيق خروقات عسكرية وتقدم في جبهات معينةٍ قد تقود إلى تغيير المعادَلات السياسية وتدفع القوى الوطنية المناهضة للعُدْوَان إلى تقديم التنازُلاتِ المطلوبة، ثم من خلال إعادة ضَخِّ مبرِّرات العُدْوَان واستغلال الخطاب المتشدِّد في التخويف من أيَّة عملية سياسية، ما يقودُ النظامُ السعوديُّ تحديداً إلى الانصياع والاستجابة لتلك المخاوِفِ المصطنعة أصلاً للتنكيل بالخصوم، ونقصد هنا تلك المخاوف المتعلقة بالنفوذ الإيراني رغم أن ما حدث في مسقط ليس إلا دليل إضافي على أن اليمن ليست تابعةً لأي طرف.
في نهاية الأمر ومن خلالِ قراءة السياسة الأَمريكية في اليمن وتعاطي واشنطن مع العُدْوَان ودعمها المعلَن له بل وتبنيها مشروعَه وأجندتَه وما تمارسه من دور قد يبدو للبعض متناقضاً، إلا أنه ومن خلال كُلّ ذلك يمكنُ القولُ: إن الانْقلَاب على الاتّفَاق لم يكن مفاجئاً، بل كانت المفاجئةُ في الاتّفَاق نفسه، وفي كون واشنطن هي الطرفَ المقابل للطرف الوطني في هذا الاتّفَاق.
وإضافة إلى ما سبق فإنه ومن الطبيعي وفي إطار الأدوارِ المتبادلة بين واشنطن وأَدْوَاتها أن يحدث تنصُّلٌ عن الاتّفَاق، فيما غير الطبيعي أن يُصبِحَ هذا الاتّفَاق حيّزَ التنفيذ حتى في تلك اللحظات التي تمكَّنَ فيها الصمودُ اليمني من تغيير بعض المعادلات على صعيدِ المشهد الإقْليْمي والدولي، إلا أن الاسْتراتيجيةَ الأَمريكيةَ في اليمن قد لا تتغيّرُ في المدى المنظور رغم المتغيرات التي طالت التكتيكاتِ المرحليةِ والناتجة عن فشل العُدْوَان في تحقيق أهدافِه وفق الخطة المرسومة له زمنياً، الامرُ الذي اضطر العُدْوَانَ إلى إحداثِ تغييراتٍ في الطرُقِ والأساليب المتبعة لتحقيقِ الأهدافِ العامة، غير أن الخطة الاسْتراتيجيةَ لم تتغير بعدُ، سواءً تلك التي تستجيبُ للنزعة العدائية التأريخية لدى آل سعود أَوْ تلك التي تتضمنُ الرؤيةَ الأَمريكيةَ لوضع اليمن خلال المرحلة المقبلة.
إذاً.. حتى مَن يتطلع لتغيير في الموقف الأَمريكي بناءً على رحيل إدارة أوباما ومجيء ترامب الجمهوري فيما يخص اليمن سَرعانَ ما سيغيّر مواقفَه، حيث تؤكد مواقفُ الإدارة الحالية أن وقْفَ العُدْوَان ليس مرهوناً بالرئيس الأَمريكي بل مرتبطٌ بدوائر صُنع القرار في واشنطن، وهي ذاتُ الدوائر الذي تضعُ الاسْتراتيجياتِ العامةِ الذي ينبغي على أية إدارة قد تصلُ إلى البيت الأبيض المُضي وفقها؛ كونها ترتبِطُ بالمصالح الحيوية لواشنطن، وهو ما يعني أن إيقافَ العُدْوَان مرهونٌ بمدى تحقّق الأهداف الأَمريكية في اليمن.