إن الله معنا.. قاعدة الانطلاق لتبليغ رسالة الله

 

وكانت اللحظة الخطرة والحسَّاسة عندما وصلوا إلى قرب الغار، وكانت من أخطر اللحظات على حياة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية40]، في تلك اللحظة لم يكن بجانبه جيشٌ يقف لحمايته، ولا حتى حراسة قوية. شخص واحد فقط يقف بجانبه، شعر بالحَزَن والقلق الشديد في تلك اللحظة الحساسة والخطرة، والنبي “صلوات الله عليه وعلى آله” كان يطمئنه بهذه العبارة المهمة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وهذه العبارة- بنفسها- تقدِّم لنا صورةً مهمة عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” فيما كان عليه من الثقة بالله “جلَّ شأنه” الثقة العظيمة بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” وهو في أخطر لحظة، في لحظة خطرة، وهو المستهدف، في تلك اللحظة هو المستهدف، والتركيز عليه، والهدف هو قتله، وفي تلك اللحظة الحسَّاسة والخطرة جدًّا كان على هذا القدر من الثقة بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” والاطمئنان التام، {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، كان يشعر بأنه مع الله والله معه، كان يشعر بهذه المعية، وماذا تعنيه هذه المعية: أنه في موقع الحماية الإلهية، النصر من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” التأييد من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” الحفظ من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.

{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وهذه هي كانت القاعدة الأساسية التي انطلق منها من أول يومٍ في حركته بالرسالة الإلهية، هو كان ينطلق بثقة بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” وتوكل على الله، واعتماد على الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” لم يكن يمتلك الإمكانات المادية، وكانت هذه من المشاكل التي يتذرَّع بها الكثير من الناس حين رفضوا الإيمان به: [أنك لا تمتلك إمكانات مادية، ولا تمتلك أيضاً قدرة بشرية كبيرة، ليس لك جيش، وليس لديك ميزانيات مالية ضخمة؛ بينما تأتي بمشروع كبير.]، وكانت هذه من الدلائل المهمة جدًّا على عظمة الرسالة الإلهية، على عظمة المنهج الإلهي، على عظمة الإسلام كمشروع عظيم وناجح، عندما يتحرك به من لا يمتلكون حتى الإمكانات المادية، فإذا بهم ينجحون، هو كان ينطلق من هذا المنطلق: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وفعلاً في تلك اللحظة الحرجة والحسَّاسة والخطيرة جدًّا، الخطيرة جدًّا، هم متجهون للدخول إلى الغار، وهو في ذلك الغار، {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}: المدد المعنوي الذي يساعده في التماسك الكبير في تلك اللحظة الحسَّاسة والحرجة، {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}: أنزل الله جنوداً من عنده أيضاً لحمايته “صلوات الله عليه وعلى آله” {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}، ورجعوا في القصة المشهورة التي ذكرها أصحاب السِّير والمؤرِّخون.

النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” خرج من مكة مهاجراً بالرغم من قدسية مكة، وفيها البيت الحرام والمقدس، وفيها مشاعر الحج، لكنها لم تعد بيئةً صالحةً لأن تكون حاضنة للمشروع الإلهي، ومؤمنة بهذه الرسالة، وتقدِّم النموذج في أوساط الأمة، وفي أوساط المجتمعات الأخرى، هي كانت مناسبة كمنطلق، لكن لم تعد مناسبة كحامل وحاضن لهذا المشروع العظيم، فتركها بالرغم من قدسيتها عندما فقدت الصلاحية لحمل هذا المشروع العظيم؛ نتيجةً لتلك العوائق التي أشرنا إلى بعضٍ منها: مجتمع مادي، طمَّاع، يركِّز على الماديات، يرتبط بأصحاب السلطة والثروة، يرتبط بأولئك الملأ الطغاة المستكبرين، يتأثر بهم، يتأثر بكلٍ من: أبي سفيان، وأبي جهل، وأبي لهب، ويترك رسول الله محمد بن عبد الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

انتقل النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وكان وصوله إلى المدينة يعبِّر عن مرحلة جديدة، ويؤسس لمرحلة جديدة ومهمة جدًّا، وانفراج كبير، وكانت هي المرحلة التي ابتنت فيها الأمة، وتأسست فيها الأمة ككيان عظيم بدءًا من تلك النواة الصغيرة والمحدودة، هنا أيضاً نسلِّط الضوء في هذا المحور على بعضٍ من النقاط للاستكمال في هذه المحاضرة فيما يتعلَّق بموضوع الدروس والعبر من هذه المحطة التاريخية المهمة.

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الثالثة من محاضرات الهجرية النبوية 1441 هـ

قد يعجبك ايضا