أهم ما نستفيده من تحرك الإمام زيد” عليه السلام” هو حتمية الموقف

 

من أهم الدروس التي نستفيدها من هذا التحرك هو حتمية الموقف من جوانب كثيرة:

أولها: المسؤولية الدينية، ونحن كأمة مسلمة ننتمي إلى الإسلام، هذا الإسلام الذي ننتمي إليه لا يقتصر أبداً- لا في تعليماته، ولا في مبادئه، ولا في قيمه- على الحالة الشكلية التي ألفتها الأمة، واعتادت عليها الأمة، وهي حاضرةٌ اليوم في واقع الأمة على نحوٍ واسع، ولكن مفصولةً عن جوانب أخرى من هذا الإسلام، وحينما فصلت، فقدت أثرها إلى حدٍ كبير، وفقدت فائدتها في الأمة إلى حدٍ كبير، لم يبق لها إلا مقدارٌ ضئيلٌ من الإيجابية والتأثير في واقع الأمة، بقي للأمة جانبٌ من العبادات الروحية في صلاتها وصيامها وحجها وزكاتها، وشاب هذا الذي تبقى أيضاً شوائب كثيرة جدًّا، شوائب كثيرة تؤثر على مدى الاستفادة منه، وعظيمٌ أنه بقي، يعني: ليست المشكلة في بقائه، هذا مطلوب أن يبقى، ومطلوب أن تحافظ عليه الأمة، ولكن لتسع الأمة إلى الوعي بهذه العبادات وربطها بالجانب الآخر الشق الآخر من الإسلام الذي هو المسؤولية، والذي حينما فصل عن هذه العبادات، وفصلت جوانب أخرى متعلقةٌ به، كان لهذا أثر سيئ كبير على الأمة، جعل هذه العبادات على نحوٍ شكليٍ إلى حدٍ كبير.

الأمة اليوم تعاني كما عانت في طول تاريخها، وهذا مؤسف، من المؤسف جدًّا أن معاناة الأمة في واقعها الداخلي على مدى تاريخها بالرغم من وجود هذا الإسلام العظيم الذي تنتمي إليه بما فيه من مبادئ عظيمة ضامنة لو أخذت بها الأمة، وقيم عظيمة لو أخذت بها الأمة، وتعليمات عظيمة وقيمة لو أخذت بها الأمة ضامنة لأن تعيش هذه الأمة في واقعها الداخلي أطيب حياة، وأن تعيش واقعاً قائماً على العدل، على الخير، على الحق.

اليوم التاريخ تأريخ الأمة في مراحله الممتدة عبر الأجيال الماضية ممتلئٌ بالمظالم، تأريخ معروف، الحقبة الأموية الحقبة العباسية وما تلاها من الحقب تاريخ مليء بالمظالم، مليء بالمآسي، وأيضاً حالة التضليل، حالة التحريف للمفاهيم الدينية والإسلامية، ما شاب هذا التاريخ من مظالم ومفاسد وتضليل أمر جدير بالتأمل، جدير بالمراجعة للاستفادة وللتصحيح فيما بقي للأمة في حاضرها ومستقبلها.

هذا التاريخ الممتلئ بالظلم والمآسي، بكل ما فيه أيضاً من ويلات ومحن وكوارث على الأمة، من المهم لنا أن نتأمله، لماذا مع وجود دينٍ عظيمٍ ننتمي إليه، دين يأمر بالعدل والإحسان، يأمر بإيتاء ذي القربى، ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، دين فيه مبادئ عظيمة تبني الأمة بناءً صحيحاً سليماً تؤسس لواقعٍ قائمٍ على العدل والخير، فلماذا كل هذا الظلم الذي رأينا فيه كل الجرائم المهولة، كل الفظائع الرهيبة جدًّا تجاه الأمة، تجاه مقدساتها، تجاه رموزها الأخيار، وأعلامها الهداة، أمر مؤسف، أمر مؤسف، لكن حصل هذا، حصل تحريف للإسلام في مفاهيمه ضمن نشاط كبير في أوساط الأمة، فقدّمت مفاهيم محسوبة على الإسلام تُدَجِّنُ الأمة، تقول للأمة: إذا حكمكم طغاة يحملون قلوب الشياطين في جثامين الإنس والبشر عليكم أن تطيعوهم، هذه الثقافة قدّمت للأمة، وصيغت لها أحاديث كُذبت على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، قيل لهذه الأمة في كل ماضيها: أن عليها أن تطع الأمير وإن قصم الظهر وأخذ المال، وإن كان لا يهتدي بهدى ولا يستن بسنة، قيل لها: هذا النوع من الحكام عليكم أن تطيعوهم، وأن تخضعوا لهم، وأن لا تخالفوا لهم أمراً، وأن تخنعوا لهم، هذا هو الذي هيأ الأرضية لاستحكام قبضة الطغاة والظالمين والمجرمين، ثم إذا بنا في هذا العصر نحن هذا الجيل نرى هذا النموذج من الطغاة في واقعنا اليوم في موقع السلطة والحكم، في موقع التمكن والتأثير في واقع الأمة بكل ما في واقع الأمة، ثم رأيناهم كيف كانوا أداةً طيعةً في يد أمريكا وفي خدمة إسرائيل، وكانوا أيضاً نموذجاً معاصراً للطغيان الأموي، هذا النموذج الذي لا يهتدي بهدى، ولا يستن بسنة، هذا النموذج الذي يحمل قلوب الشياطين في جثمان إنسي، هذا النموذج الذي يعتمد على الغلبة والسطوة والجبروت، ويعتبر نفسه غير مقيد، ولا ملتزم، ولا منضبط بأي ضوابط لا شرعية، ولا أخلاقية، ولا دينية.

اليوم نحن واقعنا في شعبنا اليمني المسلم العزيز نرى ما يفعله العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا، هو نموذجٌ من ذلك الطغيان المتشابهة في كل زمن، الذي هو عبارة عن سلوكٍ متشابهة، وسلوكٍ ونمطٍ يتكرر عبر كل زمن، المسؤولية على الأمة أمام واقعٍ كهذا أن تتحرك، لا يجوز في الإسلام السكوت، ولا المداهنة، ولا الخنوع، ولا الاستسلام، أن تستلم الأمة لهذه النماذج من الطغاة المضلين المجرمين الذين يستبيحون كل شيء هذه مسألة خطرة جدًّا، منكرٌ من أكبر المنكرات، وديننا يفرض علينا النهي عن المنكر، ومفسدة تفوق كل المفاسد، بل تتحول إلى منبع للمفاسد الأخرى، لأن الطغاة المجرمين المضلين المفسدين حينما يكونون هم في موقع السلطة والحكم يتمكنون من ممارسة جرائمهم وفسادهم وضلالهم بحق الأمة بكلها، ويصبحون هم مصدراً لإنتاج الفساد، لإنتاج الضلال، فيعم ضلالهم، وينتشر باطلهم بما لا يمكن أن يكون من جانب أي طرف آخر في أوساط الأمة في واقعها الشعبي مثلاً. فالمسألة كانت خطيرة جدًّا.

ثم تعاني الأمة تعاني بشكل كبير؛ لأنهم يتمكنون من موقع الحكم والسلطة والقوة يتمكنون من إلحاق الظلم بالأمة بما لا يتمكن منه أي طرف آخر، فكانت المسألة خطيرة، يفرض الإسلام في دينه، في تعاليمه، في شريعته، في أحكامه: التصدي لها، والقيام ضدها باعتبارها من المنكر، باعتبارها من الفساد، باعتبارها من الباطل، باعتبار الطاغوت يشكّل عائقاً عن إقامة المشروع الإلهي الذي يمثّل الخير للبشرية فيما فيه من مبادئ، فيما فيه من قيم، فيما فيه من أخلاق، فيما فيه من تعاليم، فيما فيه من حرام، وفيما فيه من حلال، فيما فيه من نهج للحياة بكلها، ولهذا قال الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة: 256].

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

كلمة السيد في ذكرى استشهاد الإمام زيد” ع ” لعام 1439 هـ

قد يعجبك ايضا