احتمالات التطبيع السعودي مع الكيان الاسرائيلي

 

|| صحافة || موقع العهد

 

في الأيام القليلة الماضية ضجّت الدوائر الدبلوماسية الغربية والاسرائيلية وحتى العربية، بخبر قرب موافقة السعودية على التطبيع مع “اسرائيل”، بعدما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأسبوع الفائت تقريرًا مثيرًا للجدل تضمن معلومات عن أن “الولايات المتحدة اتفقت مع الرياض على الخطوط العريضة لصفقة تعترف فيها بـ”إسرائيل”، مقابل تنازلات للفلسطينيين وضمانات أمنية أمريكية ومساعدة نووية مدنية”.

وما عزز هذا التفاؤل عند المطبعين، هو المحادثات التي تجري بين واشنطن وكل طرف (أي “تل أبيب” والرياض) للتوصل إلى نوع من الاتفاق الذي من شأنه أن يبني على ما تم تحقيقه سابقًا بين الكيان والدول العربية الأخرى من خلال اتفاقيات التطبيع.

فرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يرغب بشدة في التوصل إلى اتفاق مع السعوديين كخاتمة لتاريخه السياسي الارهابي. لذا جعل من التطبيع مع السعودية موضوعًا رئيسيًا في حملته الانتخابية العام الماضي، ووعد بالبناء على اتفاقيات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة بهدف “توسيع دائرة السلام” حسب التعبير الأميركي.

أما الأكثر أهمية هنا، أن نتنياهو يجهد وبشدة لتحقيق مآربه في السلام مع السعودية، لاستثمار هذه الورقة لاحقًا، من أجل صرف الانتباه عن الكارثة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أثارتها حكومته الائتلافية في سعيها لإخضاع القضاء.

ما هو موقف الإدارة الأمريكية من قرب الإتفاق السعودي – الاسرائيلي؟

بعيدًا عن النقاش حول صحة هذا الخبر من عدمه، فإن الشواهد التاريخية تدفعنا إلى أن لا نصدق كل ما نقرأه، خصوصًا عن الشرق الأوسط. كما أن مجرد الإعلان عن اتصالات ومشاورات ومحادثات لا يعني أن الصفقة وشيكة – أو حتى محتملة.

ففي إفادة وزارة الخارجية الأميركية في 9 آب الجاري قال المتحدث باسمها ماثيو ميلر “إننا أجرينا محادثات مثمرة. هناك عدد من القضايا التي ناقشناها مع الحكومتين الإسرائيلية والسعودية وهي مستمرة، أتوقع حدوث المزيد في الأسابيع المقبلة”.

على أن المفاجأة جاءت أكثر صراحة على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي الذي حذر من أنه “لا يوجد إطار عمل متفق عليه حول التطبيع أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقاؤنا في المنطقة”.كما أن كيربي “لم يؤكد حتى موعد زيارة نتنياهو للولايات المتحدة”.

ما هي المشاكل التي تعترض الصفقة الاسرائيلية ــ السعودية؟

تعليقًا على تقرير الصحيفة الذي جاء تحت عنوان “السلام في زماننا”، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن “الولايات المتحدة والمسؤولون السعوديون أمامهم المزيد من العمل، وهناك الكثير من الشياطين التي تكمن في التفاصيل، وهي لا تزال بحاجة إلى الكشف عنها، كما أن عددًا منها يمكن أن يكون قاتلاً ويعرقل الدفع الدبلوماسي”.

زد على ذلك أن هناك مشاكل أساسية تجعل من الصفقة مستبعدة حاليًا، ويمكن تلخيصها بالآتي:

أولًا: تتطلب أي صفقة مع السعوديين أن يقدم الطرف الصهيوني شيئًا جوهريًا للفلسطينيين. ومع ذلك، فإن الائتلاف اليميني للحكومة الإسرائيلية ـــ العازم على ضم الضفة الغربية، يضم شخصيات مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، اللذان يتنافسان على ممارسة الارهاب والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، ونسف اية مقترحات سياسية تتعلق بالفلسطينيين. لذا فالفكرة القائلة بأن هذه الحكومة ستعطي أي شيء للفلسطينيين، كمن يصطاد سمكًا في السراب. وما كلام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي الذي قال فيه إن “إسرائيل ليست مستعدة لتقديم تنازلات ذات مغزى بشأن قضية الدولة الفلسطينية” إلا أكبر دليل على ذلك.

ثانيًا: يتوقع السعوديون الحصول على شراكة شبيهة بحلف شمال الأطلسي مع الولايات المتحدة (بما فيها تعهد واشنطن بخوض الحرب إذا تعرض السعوديون للهجوم) والموافقة على برنامج نووي مدني (لتحقيق التوازن مع إيران) وحتى الحصول المزيد من الأسلحة الأمريكية عالية التقنية. غير أنهم قد يكتشفون أن هناك تجاوبًا ضعيفًا مع هذه المطالب في الكونغرس الأميركي.

ثالثًا: إلى جانب الصين، يناصب قسم من المشرعين الأمريكيين (من الحزبين) العداء الصارخ للسعودية. وإذا كان بعضهم يتذرع بسجل “المملكة الفظيع في مجال حقوق الإنسان”، فإن ما يجمع الطرفين، هو النقمة على الرياض بسبب تلاعبها بأسعار النفط، بالشراكة مع روسيا الخصم اللدود لواشنطن.

رابعًا: إن مصادقة مجلس الشيوخ على صفقة من المحتمل أن تكون غير مؤاتية للكيان  (مثل إقامة دولة فلسطينية) بالنسبة لبعض أعضاء مجلس الشيوخ، من شأنها أن تجعل معركة الاتفاقية النووية الإيرانية تبدو وكأنها نزهة في الحديقة.

خامسًا: صحيح أن الولايات المتحدة تود من السعوديين تقليص الصفقات التكنولوجية والعسكرية مع الصين. ومع ذلك، فإن هذا بالكاد يكفي بالنسبة لمعظم السياسيين الأمريكيين لتبرير نوع الاتفاق الذي يفكر فيه السعوديون.

سادسًا: عقبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فإذا كانت كل هذه المشاكل التي طرحت أعلاه لم تشكل عائقًا أمام إبرام صفقة، فإن المعضلة الدائمة تظل قائمة وهي تتمثل بالسؤال الآتي: مع من يجب أن تتعامل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” والسعودية في الجانب الفلسطيني؟ فرئيس السلطة الفلسطينية والمتهم بالفساد اسرائيليًا محمود عباس وهو بالتأكيد لا يستطيع التحدث باسم “حماس”.

ماذا عن الموقف السعودي؟

 

من المتوقع أن يكون السعوديون حذرين من عقد أي صفقة مع حكومة إسرائيلية تتأرجح من أزمة إلى أخرى، وتندفع بسرعة إلى مواجهة محتملة مع المحكمة العليا الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، من غير الواضح ما ستكون الرياض مستعدة لقبوله نيابة عن الفلسطينيين. من هنا، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم لن يكونوا مستعدين لتلبية المتطلبات السعودية لإقامة دولة فلسطينية.

في الختام كلما نظر المرء عن كثب إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مهم، بدا الأمر خياليًا أكثر. وتبعًا لذلك ربما يتعين على الجميع الانتظار لمعرفة ما إذا كان نتنياهو وائتلافه سينجون من الاصطدام مع المحكمة العليا الإسرائيلية هذا الخريف. إذا لم يكن الأمر كذلك، فستكون الصفقة مع السعوديين في ادنى سُلّم الأولويات لكل الأطراف.

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com