كلما غابت تعاليم الأنبياء عن ساحتنا كان البديل هو الحضور الطاغي لقوى الاستكبار
نجد أنفسنا اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الاستفادة من ذكرى المولد النبوي الشريف، هذه الذكرى العظيمة كمحطة نتزود منها نور الله وهدايته، نتزود منها كل ما يمكن أن تعطينا من طاقةٍ معنويةٍ وإيمانية، نعود إلى أنبياء الله، وحلقة الوصل فيما بيننا وبين كل أنبياء الله هو: خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والوثيقة الإلهية المضمونة المأمونة الموثوقة التي وثقت لنا أهم ما نحتاج إليه ونستفيده عن أنبياء الله هي: القرآن الكريم، كتاب الله الذي هو- أيضاً- الخلاصة الكاملة لكل كتب الله وهديه في تعاليمها المهمة، وهدايتها التي تحتاج إليها البشرية.
نحتاج اليوم إلى أن نعود إلى الأنبياء؛ لأنه كلما غاب الأنبياء في تعاليمهم، في قيمهم، في رمزيتهم، عن ساحتنا البشرية كان البديل عن ذلك هو الحضور الطاغي لقوى الاستكبار، لقوى الطاغوت، لقوى الكفر والضلال والإفساد والإجرام، التي كلما حضرت في ساحتنا البشرية كلما ملأتها ظلماً وكلما أعتمت فيها بالظلمات، وكلما مارست الإجرام، فعذبت البشرية، وأصبحت البشرية تعاني الويلات والآفات والمصائب والنكبات من هذا الحضور الطاغي لقوى الاستكبار.
اليوم يجب أن نزيح عنا هذا الحضور في كل امتداداته: امتداداته السياسية، امتداداته الفكرية، امتداداته الثقافية، امتداداته الاقتصادية… كل امتدادات هذا الطاغوت الذي هو بلاءٌ كبيرٌ علينا وعلى أمتنا، على البشرية جمعاء، نسعى لإزاحة هذا الحضور، ونسعى لتعزيز حضور الأنبياء في ساحتنا، حضور رمزيتهم، حضورهم في موقع القدوة والأسوة، حضور تعاليمهم، حضور روحيتهم، حضور أخلاقهم، حضور مبادئهم؛ كي نتمسك بها، نستهدي بها، نسترشد بها، ننتفع بها، نتخلق بها، نتهذب ونتزكى بها، نتحرك على أساسها وبنورها في كل مناحي الحياة؛ حتى ننعم بتلك التعاليم، وحتى نسموا بتلك القيم والأخلاق، وحتى نكرم بتلك المبادئ التي تعزز من كرامتنا الإنسانية، وتستعيد لنا كرامتنا الإنسانية وشرفنا الإنساني الذي أفقَدَنَاه أولئك الطواغيت، أولئك الضالون، أولئك المجرمون، أولئك الظلاميون، أولئك المستكبرون، أولئك الشيطانيون.
نحتاج اليوم إلى أن يكون مسعانا في استحضار الأنبياء، استحضار سيرهم، استحضار رمزيتهم، وتعزيز الارتباط الوثيق القوي بهم؛ لأنهم صلة ما بيننا وبين الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أن يكون مسعىً حثيثاً؛ لأنه لا نجاة لنا، ولا فلاح لنا، ولا فوز لنا، ولا خلاص لنا إلا بهذا. كانت طريقة الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” في خلاص عباده على مرّ التاريخ بكله بالأنبياء، وبما يأتي مع الأنبياء من هديٍ، من نورٍ، من تعاليم تصلح واقع البشرية، تنقذ البشرية من جهالتها وجاهليتها، وتنقذ البشرية من غفلتها، وتخلص البشرية من طاغوتها، وتأخذ بيد البشرية في الصراط المستقيم؛ كي يكون وجودها في هذه الحياة وجوداً هادفاً، وجوداً مقدساً، ومسار حياتها مساراً مسؤولاً ومصوناً وأخلاقياً وقيمياً وعادلاً، فتتخلص البشرية من كل ما يحدث نتيجة هذا الابتعاد من ظلمٍ وظلام، من جهلٍ وطغيانٍ وإجرام، من كوارث تطال كل شؤون حياتها، وتطغى على كل واقع حياتها.
فالمسألة اليوم مرتبطة بالواقع، وهذه النقطة التي أتمنى أن نستوعبها جيداً، حينما نتحدث اليوم، وحينما نطلب من الجميع التركيز الكبير على هذا الجانب، إنما من واقع حاجتنا إلى هذا؛ لأن فيه الإنقاذ اليوم الإنقاذ الحقيقي للبشرية، لينقذكم، {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}[آل عمران : 103]، الإنقاذ اليوم من النار، الإنقاذ اليوم من الهوان، الإنقاذ اليوم من مآسي ونكبات البشرية، الإنقاذ هو بالعودة إلى الأنبياء وإلى خاتم الأنبياء، وحلقة الوصل بكل أنبياء الله خاتمهم محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الأولى من محاضرات المولد النبوي 1439 هـ