اليمانيون والارتباط الوجداني بالرسول الكريم
على كُل، شعبنا العزيز غير غريبٍ عليه هذا الارتباط، هذا التفاعل، هذه المحبة، هذا التعلق الحميمي والوجداني والشعوري، غير غريب على أحفاد الأنصار، أنتم يا شعبنا العزيز، أنتم أحفاد الأنصار، أنتم الذين أعطاكم الله شرفاً عظيماً في تاريخ هذا الإسلام وفي سيرة هذا النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” أن جعلكم ذخراً لنصرته في أول التاريخ وفي آخر التاريخ، في أول التاريخ؛ كان الأوس والخزرج (القبيلتان اليمانيتان) ذخراً لنصرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، والمؤرخون يذكرون في التاريخ أنه حينما ذهب تبّع (تُبّع اليماني) ذهب ووصل إلى تلك المنطقة التي وردت آثارٌ- في آثار الأنبياء السابقين- أنها مهاجَر خاتم الأنبياء، ما بين عِيْر وأُحُد (جبلان)، تلك البقعة ما بين هذين الجبلين أنها مهاجر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، تحكي الآثار ويحكي التاريخ أن (تُبّع) حينما وصل إلى هذه المنطقة خلّف فيها هاتين القبيلتين، ليبقيا في ذلك المكان، ويسكنا فيه، ويستقرا فيه، ويرابطا فيه، ويبقيا حتى يأتي هذا النبي ويهاجر إلى هذا المهاجَر، إلى تلك البقعة؛ فيكونان نُصرةً له، يكونان أنصاراً له، وفعلاً بقيا الأوس والخزرج، واستوطن الأوس والخزرج تلك البقعة وعمروها، وسكنوا فيها، واستقروا فيها جيلاً بعد جيل، حتى أتى الوعد الإلهي، وحتى أتى خاتم الأنبياء رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”؛ فكانوا هم الأنصار الذين استجابوا بكل رغبة، وكان انتماؤهم للإسلام؛ انتماءَ الإيمان، وانتماء النصرة والجهاد، ورفع راية الإسلام، والإيواء لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فكانوا كما قال الله عنهم في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية9] كانوا هم الذين تبوؤوا الدار: سكنوا تلك البقعة، وسبقوا إليها منذ القدم، منذ زمن بعيد، منذ أجيال بعيدة، سبقوا إليها وتواجدوا هناك ليكونوا ذخراً للنصرة، وحين أتى الموعد كانوا هم الأوفياء مع الوعد الإلهي والمستجيبين بشكلٍ مسارع {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} وما أعظم هذه العبارة، استوطنوا الإيمان كما استوطنوا الدار، إيمان راسخ، إيمان ثابت، إيمان عظيم، {مِن قَبْلِهِمْ} من قبل المهاجرين الآخرين، قال عنهم أيضاً في عبارةٍ مهمة وعظيمة في كتاب الله الكريم وهو يحكي عن ما قبل هجرة النبي إليهم، يحكي عن تعنت الكافرين في مكة، عن تعنت قريش، حينما قال: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام: من الآية89]، فمن هم هؤلاء الموكَّلون؟ من هم هؤلاء الذين كانوا ذخراً إلهياً جعلهم الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” مُعَدِّين لهذه المسؤولية ولهذا الدور، وللاضطلاع بهذه المسؤولية، وللتحمل لهذه المسؤولية العظيمة، ولنيل هذا الشرف الكبير؟ الأنصار: الأوس والخزرج (القبيلتان اليمانيتان).
فهنيئاً لك يا شعبنا العزيز هنيئاً لك هذا الشرف، وهنيئاً لك أن تستمر وتحذو حذو هؤلاء الأنصار في نصرتهم للإسلام، في تمسكك بمبادئ هذا الإسلام، بقيم هذا الإسلام، بأخلاق هذا الإسلام، في ارتباطك الحميمي والوجداني، ومحبتك العظيمة لنبي الإسلام، وتمسكك بعزة هذا الإسلام وحرية هذا الإسلام الذي يجعل منك شعباً مستقلاً لا تقبل أبداً بالتبعية للمنافقين، بالتبعية لمن عبّدوا أنفسهم لأمريكا ولإسرائيل، لأعداء البشرية وأعداء الإنسانية وأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، هنيئاً لك هذا الاستمرار على النهج وإن كان فيه تضحية، وإن كان فيه عناء، وإن كان له ثمن، ولكنه شرف، والذي لو حِدْتَ عنه خسرتَ الدنيا وخسرت الآخرة.
شعبنا العزيز- إن شاء الله- سيستفيد من هذه الذكرى في هذا العام، ليجعل منها محطةً يتزود منها الكثير والكثير بعطائها العظيم، عطائها المعنوي، عطائها التربوي، عطائها الأخلاقي، عطائها الكبير الذي يُستفاد منه في مواجهة هذه التحديات الكبيرة والصعوبات العظيمة، ويستفيد منه- أيضاً- لتعزيز قيمه وأخلاقه ومبادئه، وترسيخ هويته الإيمانية، حتى يكون فعلاً وعلى الدوام: (الإيمان يمان والحكمة يمانية).
شعبنا العزيز الذي له هذا الانتماء، له هذا الارتباط، له هذه العلاقة، والذي كان في طلائع التاريخ برز منه رجالٌ عظماء في تاريخ هذا الإسلام، أمثال عمار بن ياسر، عمار بن ياسر الذي مُلئ إيماناً من رأسه إلى أخمص قدميه، وغير عمار من عظماء الإسلام الذين كان لهم دور تاريخي وعظيم مع رسول الله “صلى الله وسلم عليه وعلى آله”، وكذلك مع الإمام علي “عليه السلام”، هذا الدور الذي هو مستمرٌ، ونحن نأمل- في هذه الفترة أيضاً- للتذكير بأهمية هذه المناسبة، بتعزيز ما يتعلق بهذا المجال على نحوٍ واسع.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الأولى من محاضرات المولد النبوي 1439 هـ