نور الرسالة الإلهية من خلال القرآن والرسول هو الأقدر على كشف ظلمات جاهلية العصر

 

الرسالة الإلهية هي شاملةٌ لمكارم الأخلاق وتزكية الإنسان ليكون عنصر خير في الحياة، وليقوم بمسئوليته في الأرض على أساسٍ من تلك الأخلاق والقيم، والرسالة الإلهية هي مشروعٌ تنويريٌ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور من خلال الرسول والقرآن.

لأن الله جلَّ شأنه رحمةً منه بعبادة وتكريماً لهم يستنقذهم من ظلمات الجهل وظلمات الظلال والخداع، وظلمات الباطل بنوره الذي يكشف الحقائق ويبدد كل الظلمات، قال الله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) .

ولذلك فمن أعظم مظاهر رحمة الله وتكريمه لعباده، أن جعل لهم من نوره ما يكشف تظليل وأباطيل وخداع الظلاميين المظلين المخادعين، فكما جعل الشمس سراجاً وهاجاً منيراً كونياً تستفيد منها البشرية من نورها ودفئها وترى ما غطاه الظلام، كما قال تعالى (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) جعل الرسالة والرسول نوراً للقلوب، وكاشفاً لظلمات الظلال، منيراً بالهدى والحق والحقيقة، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) وبالقرآن الكريم تحرك الرسول صلى الله عليه وعلى آله لإخراج الناس من الظلمات، لتصحيح العقائد الباطلة والمفاهيم المغلوطة الظلامية إلى رحابة وضياء النور والهدى والحق، كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).

إن أول ما يُستهدَفُ الإنسان في وعيه، ومفاهيمه، حيث تسعى قوى الظلم والظلام والطغيان من أولياء الشيطان إلى خداع الناس وتظليلهم ليتحقق لها من خلال ذلك السيطرة عليهم، ولو لا ذلك لم يتمكنوا أبداً من استحكام ظلمهم وطغيانهم، وفي زمننا هذا أصبح للقوى الظلامية إمكانيات هائلة لتظليل الناس، وصناعة الرأي العام والتحكم به، وترسيخ قناعات باطلة وأفكار مسمومة، وآراء مُظِلَّة، وبأساليب شيطانية، وبكل الوسائل الإعلامية من قنوات فضائية، وإذاعات، وصحافة وغيرها، والوسائل التثقيفية والتعليمية من مدارس وجامعات ومناهج دراسية، فتغلبوا على معظمها واستحوذوا على أكثرها، يوجهونها بظلماتهم بما يضلل الناس ليهيئوا لهم الأجواء للهيمنة والسيطرة، فالسيطرة على تفكير ورؤية الناس وقناعاتهم، ومفاهيمهم مفتاحٌ للسيطرةِ التامةِ عليهم، وفرضِ حالةِ التقبل لباطلهم وجرائمهم.

إنَّ نور الرسالة الإلهية من خلال القرآن والرسول هو الأقدر على كشف ظلمات جاهلية العصر، التي تقودها أمريكا بنزعتها الاستعمارية التسلطية، وهمجيتها، وطغيانها، ومن يدور في فلكها من كل القوى الظلامية، وإنَّ الأمة الإسلامية أحوج ما تكون في هذا العصر إلى الوعي والبصيرةِ والنور، فما ضربها ولا أضرَّ بها شيءٌ مثل انعدام الوعي والبصيرة، وظلام التظليل، وإنَّ واجب القادة السياسيين وأصحابِ القرار والتأثير في مجتمعاتنا المسلمة، أن يكونوا متنورين بنور الله، مستبصرين بهدي الله، ومنطلقين من ثوابت، وواجب الجميع من الأتباع كذلك حتى لا يكونوا إمَّعه قابلين للتأثر بالارتباطات العمياء من دون هدىً ولا نور، وكما ورد في الحديث النبوي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” لا تكونوا إمَّعة، تقولوا إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن إذا أحسن أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ” وهنا نرى الخسارة الكبرى للأمة حين ابتعدت عن النور، كيف خُدعت في جنح الظلام إلى هذه الدرجة، وكيف أصبحت محط سخرية وتلعُّب أعدائها بها.

إن الإنسان بدون نور الهداية الإلهية يعيش حالةً من الجهل وعدم الإدراك للحقائق لدرجةٍ فضيعة صورها القرآن الكريم في قول الله تعالى (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) وكما قال تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

من خطاب المولد النبوي الشريف لعام 1434 هـ

قد يعجبك ايضا