لا بد لنا من تعزيز الارتباط بالأنبياء على كل المستويات

 

نحن بحاجة إلى أن نملأ حالة الفراغ القائمة فيما يتعلق بهذا الجانب: جانب السيرة النبوية الصحيحة، باستذكار الأنبياء، بتعزيز الارتباط بهم، وبخاتم الأنبياء محمدٍ “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، نحن بحاجة إلى تعزيز هذا الحضور- كما قلنا- في كل الجوانب: ثقافياً، وتعليمياً. على مستوى المناهج المدرسية، المناهج الرسمية في المدارس والجامعات، أو المناهج التعليمية في المدارس الدينية لا يزال فيها نقص كبير جدًّا في الاهتمام بهذا الجانب بالشكل الصحيح، بالشكل المفيد، بالشكل الذي يُلامس الواقع الذي نعيشه، ويفيد الأمة بطبيعة ما تواجهه من تحديات ومن ظروف ومن واقع. لابد أن يتعزز هذا الحضور، والالتفات إليه على المستوى الإعلامي- أيضاً- من خلال البرامج الدينية في القنوات، ومن خلال- كذلك- النشاط الواسع في الخطاب الديني في المساجد… وهكذا، كيف نتفاعل مع هذا الموضوع من كل الجوانب بما يفيدنا ليكون منطلقاً لنا ولأمتنا لإصلاح الواقع، لتعزيز وترسيخ الهوية، لمواجهة الحرب الناعمة من جانب أعدائنا؛ الهادفة إلى طمس هويتنا وإلى مسخ هويتنا، أيضاً مما يساعد على إحياء الروح النهضوية في الأمة وإحياء الشعور بالمسؤولية، ويساعد على تعزيز القيم والأخلاق التي تحّل الكثير من المشاكل التي نعاني منها في واقعنا وتعاني منها الأمة وتعاني منها البشرية.

أيضاً لتعزيز العلاقة مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والعلاقة مع الأنبياء، التي هي علاقة إيمانية، نعبّر عنها بإيماننا، ويعبّر عنها إيماننا، ومستواها هو مستوى ما نحن عليه من الإيمان، كلما كانت أقوى كلما كان إيماننا أعظم وأوثق وأقوى وأكبر، وهذه العلاقة مع الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، هذا الإيمان، هذا الارتباط الإيماني يحتاج إلى تعزيز، هو حالة إجمالية قائمة، كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفي كل مسجدٍ يردَّد فيه الأذان (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله) كل يوم خمس مرات، وإضافةً إلى ذلك في صلاتنا، في كل صلاة، نقول في تشهدنا الأوسط وفي تشهدنا الأخير: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، في كافة مناسباتنا، في كلماتنا، في أوقات كثيرة، في حال ذكرنا لله، وتمجيدنا لله، والنطق بالشهادتين، حتى عند الوفاة الإنسان يحرص على أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كل مسلم يقول: [أنا أؤمن برسول الله محمد خاتم أنبياء الله ورسله، أؤمن بكل الأنبياء كلهم]؛ لأن أمتنا الإسلامية هي الأمة التي آمنت بكل الأنبياء، وحلقة وصلها مع الأنبياء هي الحلقة الأوثق، الصحيحة، السليمة، العظيمة، التي لا ارتباط بالأنبياء إلا من خلالها، وإلا أي ارتباط آخر هو ارتباط غير سليم وغير صحيح، ويشوبه الخلل والخطأ، وتشوبه العلل الكثيرة، والضلال الكثير، لكن الحلقة التي تربطكَ بكل الأنبياء، الحلقة التي تصلك بكل الأنبياء هو إيمانك برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، من خلاله ومن خلال القرآن ترتبط بجميع أنبياء الله وكتبه.

فهذا الإيمان الإجمالي غير كافٍ، أنت تواجه في حياتك الكثير من المؤثرات التي تبعدك عن هذا الإيمان كمنطلَق تبني عليه كل تصرفاتك، كل أعمالك، كل مواقفك، مشوارك في هذه الحياة، فقد تنطلق في كثيرٍ من الأعمال، أو في كثيرٍ من المواقف، أو في بعضٍ من التصرفات بعيداً عن هذا المنطلق؛ فتخطئ، وتغلط، وتنحرف؛ فيضرك ذلك، فيزيدك ذلك ابتعاداً عن الأنبياء وعن نهجهم، وإن كنت تؤمن إيماناً إجمالياً، إيمان الإقرار، إيمان الاعتراف، لابد أن يرسَّخ هذا الإيمان، أن يقوى، أن يتعزز هذا الارتباط حتى يمتد إلى كل شؤون حياتك، هذا هو المطلوب، حتى تكون ذلك الإنسان الذي يلتفت من أي موقعٍ من مواقع الحياة من أي مجال من مجالات الحياة إلى الأنبياء ليكونوا هم قدوته وأسوته، إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” ليكون هو القدوة والمعلّم والأسوة؛ فيحذو حذوه، ويسير في طريقه، ويقتدي به، ويتأثر به تأثراً يُثمرْ في المشاعر، في الوجدان، في الأخلاق، في القيم، في المواقف، في الأعمال، في التصرفات، في كل مناحي الحياة، هذا هو المطلوب.

يحتاج هذا إلى ما يعززه، إلى ما يفيده، إلى معرفة أولاً، معرفة عن هذه العلاقة كيف تكون، وما المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، وكل ما فيها: من إيمان، من تعظيم، من محبة، من اتباع، من اقتداء، من تأسٍ…الخ. تحتاج إلى معرفةٍ بعظيم منزلته عند الله وقدره عند الله، معرفة بكماله، بشمائله، بسيرته الصحيحة، بقدر ما تعرف من ذلك بقدر ما تزداد ارتباطاً، ومحبةً، واقتداءً، واتباعاً، وتفاعلاً… وهكذا، معرفة بطبيعة هذه العلاقة أنها تصلنا بالله، تربطنا بالله، تشدنا نحو الله؛ لأن هذه الوظيفة الرئيسية للأنبياء، فبقدر ما نرتبط بهم إنما نرتبط بالله، يعظم إيماننا بالله، صلةٌ ما بيننا وبين الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الأولى من سلسلة محاضرات رحمةً للعالمين (الرسالة والرسول) 1439هـ

 

قد يعجبك ايضا