خيانةُ التطبيع السعوديّ مع كيان العدو الصهيوني.. بين العقبات والشروط

||صحافة||

بياناتُ مسؤولين سعوديّين و”إسرائيليين” تُشيرُ إلى أن اتّفاقَ خيانةِ التطبيع بينهم يقترب من التحقّق، ولكن لا تزال هناك عقبات سياسية وأمنية ودبلوماسية تعترض هذه الخطوة التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، وأفَاد ولي العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للمملكة، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأسبوع الماضي بأن المحادثات تتقدم يوماً بعد يوم نحو تحقيق نتائج قد تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة.

وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتانياهو أن “إسرائيل” والمملكة العربية السعوديّة أصبحتا على أعتاب “سلام تاريخي”.

وفي هذا السياق، يتطلع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التوصل لاتّفاق قبل انتخابات الرئاسة القادمة، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المحادثات.

 

ما هو تأثيرُ الاتّفاق الوشيك؟

بوضوح، تحدث نتانياهو في لقاء مع بايدن في نيويورك الأسبوع الماضي أن “مثل هذا السلام سيمثل خطوة كبيرة نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي”، وسيكون هذا أَيْـضاً انتصارا سياسيًّا بارزًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يواجه اتّهامات بالفساد واحتجاجات على خطط الإصلاح القضائي في داخل كيان الاحتلال.

ولفترة طويلة، ربطت المملكة العربية السعوديّة مسألة تطبيع علاقاتها مع تل أبيب بالقضية الفلسطينية، وفي العام 2020م، تم التوصل إلى اتّفاقات تطبيع بين تل أبيب وعدة دول أُخرى، وهي: المغرب والإمارات والبحرين، وقد تمت رعايتها بواسطة الولايات المتحدة، واعتبر الفلسطينيون هذه الاتّفاقات “خيانة”.

وفي العام الماضي، قدم المسؤولون السعوديّون شروطًا لواشنطن للنظر في اتِّخاذ خطوة مماثلة، وتتضمن هذه الشروط ضمانات أمنية ومساعدة في بناء برنامج نووي مدني والقدرة على تخصيب اليورانيوم، ويبدو أن الرئيس جو بايدن متحمس لاحتمال تحقيق إنجاز كبير في السياسة الخارجية، وهذا الإنجاز يمكن أن يسهم في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وفي رفع النفوذ الإسرائيلي، ويأتي هذا الاهتمام قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة.

ويعتقد الدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس أن فريق الإدارة البايدنية يدعم أَيْـضاً فكرة إعادة تأكيد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وخَاصَّة في ظل التقدم الذي حقّقته الصين في المنطقة.

وحسب ما قاله دينيس روس، وهو مبعوث سابق للسلام في الشرق الأوسط وباحث حَـاليًّا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فَــإنَّ المطالب السعوديّة من الإدارة الأمريكية قد تكون كبيرة، ولكن يبدو أن الإدارة مستعدة لمحاولة التوصل إلى نتائج إيجابية، وفيما يتعلق بإمْكَانية تحقيق التطبيع، أشَارَت صحيفة “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي إلى أن المسؤولين الأمريكيين يفكرون في إمْكَانية عقد “معاهدة دفاع مشترك” مع السعوديّة، على غرار الاتّفاقات القائمة مع اليابان وكوريا الجنوبية، ومع ذلك، تشير الصحيفة إلى أن هذا الاقتراح قد يثير اعتراضات قوية في الكونغرس الأمريكي، وسيكون التحقيق في التطبيع ممكنًا إذَا تم التوصل إلى تفاهمات واتّفاقيات تلبي مصالح كُـلّ من الولايات المتحدة وَالسعوديّة، وسيتطلب ذلك مواصلة المفاوضات والحوار بين الأطراف المعنية والتعامل مع التحديات والاعتراضات المحتملة.

لم يتضح بعد الشكل الذي سيتخذه الاتّفاق الأمني المحتمل بين واشنطن والرياض

وفيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعوديّة، ترى “مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيات” للأبحاث أنه يجب على واشنطن أن تفكر في تصنيف الرياض على أنها “شريك دفاعي رئيسي” أَو “حليف رئيسي خارج حلف ناتو”، وهذا يعني أنها لن تكون ملزمة بالالتزامات نفسها التي تقع على حلفاء الولايات المتحدة ضمن حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ومن جهة أُخرى، فَــإنَّ المساعدة في بناء برنامج نووي للسعوديّة قد تثير أَيْـضاً أسئلة لدى المشرعين الأمريكيين، ويجب مراعاة أن تقارير صحفية تشير إلى رفض تل أبيب لهذا الطلب، وهذا يشير إلى أن هناك تحديات وتعقيدات كبيرة تحتاج إلى التفاوض والتنسيق بين الأطراف المعنية للتوصل إلى اتّفاقات مقبولة للجميع.

 

الفلسطينيون الخاسر الأكبر:

بشكل عام، يتطلب التوصل إلى اتّفاقات دبلوماسية وأمنية مثل هذا التفاهم والمرونة من الأطراف المعنية والاستجابة للمخاوف والمصالح المشتركة التي سيكون الفلسطينيون فيها الخاسر الأكبر.

وتعتزم الرياض تنفيذ برنامج نووي يُعلن أنه سلمي، وهذا على الرغم من تأكيدات الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع “فوكس نيوز” بأنه إذَا حصلت إيران على أسلحة نووية، فَــإنَّ المملكة العربية السعوديّة ستسعى أَيْـضاً للحصول على هذا النوع من الأسلحة.

ونظرًا للانتقادات الواسعة لسجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعوديّة، فَــإنَّ أي صفقة تعزز العلاقات الأمريكية مع السعوديّة قد تواجه اعتراضات داخل الولايات المتحدة، هذه الاعتراضات تأتي نتيجة للقلق بشأن حقوق الإنسان والحريات الأَسَاسية في المملكة، وقد تؤدي إلى مطالب بفحص دقيق لأي اتّفاقات محتملة أَو تعاونات في مجال الأمن والدفاع بين البلدين.

ولا ننسى أن حذر تريتا بارسي من معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول من “تزايد الالتزامات الأمنية الأمريكية” في منطقة الشرق الأوسط، حَيثُ تسعى دول أُخرى أَيْـضاً للحصول على ضمانات أمنية مماثلة.

وأشَارَ إلى أنه إذَا مضى الرئيس بايدن قُدُمًا في إبرام مثل هذا الاتّفاق مع المملكة العربية السعوديّة، فَــإنَّ ذلك سيكون “أبعد ما التزمت به الولايات المتحدة على الإطلاق بالدفاع عن دول المنطقة، ومن المرجح ألا ينتهي الأمر عند هذا الحد” وهذا التحذير يشير إلى أن أي اتّفاق أمني محتمل مع السعوديّة قد يزيد من التزامات الأمنية للولايات المتحدة في المنطقة، ما قد يثير مخاوف من تصاعد التوترات والاضطرابات في المنطقة وزيادة التدخل الأمريكي.

عبدالله العودة، المدير السعوديّ لمؤسّسة “مبادرة الحرية”، التي تتخذ من واشنطن مقراً، يشدّد على أهميّة عدم السماح للمشرعين في الولايات المتحدة بإبرام اتّفاقية أمنية تلزم الجيش الأمريكي بإراقة الدماء؛ مِن أجل حماية نظام دكتاتوري وحشي.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فَــإنَّ السعوديّة قد أعلنت منذ فترة طويلة أنها لن تقيم علاقات مع “إسرائيل” إلا بعد تحقيق حَـلّ دولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو موقف يمثل معظم الدول العربية في المنطقة، هذا الموقف يعكس التزام السعوديّة تجاه قضية الفلسطينيين وحقوقهم.

ومؤخّراً، عيّنت المملكة العربية السعوديّة في أغسطُس أول سفير غير مقيم لها في الأراضي الفلسطينية، وهذا يأتي في إطار التعزيز والتفاهم مع القضية الفلسطينية.

وفي زيارته الحالية إلى الأراضي الفلسطينية، يُعتبر هذا إشارة إلى التزام المملكة تجاه الشعب الفلسطيني وقضيتهم، وفي مقابلة مع “فوكس نيوز”، أكّـد ولي العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان أهميّة القضية الفلسطينية بالنسبة للرياض، وأعرب عن أمله في أن تسهم جهود التسوية في تحسين الحياة للفلسطينيين وتمكين تل أبيب من لعب دور إيجابي في منطقة الشرق الأوسط.

ومن الواضح أن مستقبل تقديم تنازلات مؤثرة من قبل بنيامين نتنياهو أثناء ترؤُّسِه للحكومة الإسرائيلية المعروفة بأنها “متطرفة” يبقى غامضًا، وهذا يتوقف على الظروف والمسارات السياسية المتغيرة.

مات داس من مركز السياسة الدولية في واشنطن يعتبر أن هذه الحكومة الإسرائيلية تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية، وأن هذا الرفض قد تم التعبير عنه بوضوح من قبلها، ويُشير إلى أن بنيامين نتنياهو قد أكّـد سابقًا علانية أن ة التزامات يقدمها للفلسطينيين لن يكون لها أي معنى، وعليه، يجب أن يتم اعتبار كلامه على محمل الجد، وهذا يعكس الموقف الحالي للحكومة الإسرائيلية بشكل عام تجاه مسألة إقامة دولة فلسطينية والتفاوض مع الفلسطينيين، وهو موقف يُلقي بظلال على فرص التوصل إلى اتّفاق دائم في الوقت الحالي.

 

ردودُ الأفعال على التطبيع:

لا شك أن ردود الفعل على إقناع السعوديّة بإقامة علاقات مع “إسرائيل” ستكون متنوعة وتعتمد على عدة عوامل، منها ردود الفعل الإقليمية، ومن الممكن أن تشهد ردود فعل سلبية من دول وجماعات في المنطقة التي تعارض تطبيع العلاقات مع الكيان.

قد تكون هذه الردود عبارة عن احتجاجات دبلوماسية، ومقاطعة اقتصادية، وزيادة في التوترات الإقليمية، كذلك ردود الفعل الدولية، حَيثُ ستشهد ردود فعل دولية أَيْـضاً، حَيثُ قد تؤدي هذه الخطوة إلى تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، وقد تعكس مواقف مختلفة بين الدول حول مسألة التطبيع.

أيضاً، ردود الفعل الداخلية، وستكون هناك ردود فعل داخلية في كُـلّ من السعوديّة والكيان، بينما قد تلقى الخطوة تأييدًا من بعض الفئات والأفراد في كلا الوسطين، وستواجه معارضة من جماعات وأفراد آخرين، وردود الفعل على الساحة الدولية، حَيثُ ستتأثر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية للسعوديّة والكيان مع دول أُخرى؛ بناءً على ردود الفعل، فقد يؤدي التطبيع إلى زيادة التعاون مع دول غربية، بينما قد يؤدي إلى انزعَـاج دول أُخرى في المنطقة وما وراءها.

بالمجمل، ستكون ردود الفعل تعتمد على التطورات المحيطة بالقرار وعلى كيفية تنفيذه وما إذَا كان سيتم تحقيق تقدم في حَـلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا يمكن أن يشكل عاملًا مهمًا في تحديد التأثيرات المستقبلية لهذه الخطوة، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يعتبر أن تطبيع السعوديّة علاقاتها مع الكيان سيشكل خيانة للقضية الفلسطينية، وهذا الموقف يعكس توجّـه إيران السياسي الداعم للقضية الفلسطينية لزيادة تأثيرها في المنطقة.

ومن ناحية أُخرى، يشير محللون سعوديّون إلى أن القادة السعوديّين يعتبرون القضية الفلسطينية أمرًا مهمًا ويشعرون بالمسؤولية تجاهها، ويعتبر البعض أن إقامة علاقات دبلوماسية بين السعوديّة والكيان دون أن تلتزم “إسرائيل” بتنازلات كبيرة للفلسطينيين لن تكون مفيدة للأمن والمصالح الوطنية السعوديّة، وهذه الآراء تعكس التنوع في وجهات النظر حول مسألة التطبيع مع الكيان الاحتلالي في المنطقة، وتظهر تعقيدات الأمور والتحديات التي تواجه أي خطوة في هذا الاتّجاه.

 

المسيرة | وكالات

 

قد يعجبك ايضا