الجهاد حاجة إنسانية قائمة لدى كل البشرية
عندما نأتي للحديث عن هذه الفريضة المهمة، الحديث عنها واسع وكثير، ومهمٌ في الوقت نفسه، فهي قبل كل شيء حاجةٌ إنسانية، حاجةٌ إنسانية، لا ننظر إليها وكأنها عبئ في التزاماتنا الدينية والإيمانية، وكأنها تمثل حملاً ثقيلاً أتى به الإسلام، ومثَّل مشقةً كبيرةً علينا، وكنا لولا هذا التكليف الديني، وهذه الفريضة الدينية، وهذا الالتزام الإيماني، كنا سنكون مرتاحين وسالمين من أعباء هذه الفريضة وهذا الحمل، هي حاجة إنسانية، الواقع البشري فيه التظالم، فيه التحديات، فيه الأخطار، فيه الطغاة، فيه الصراع كحالة قائمة في الواقع البشري، وما من أمةٍ من الأمم إلَّا وعندها اهتمامات عسكرية وسعي حثيث لتكون أمةً قويةً، ولتمتلك القدرات والخبرات العسكرية التي تتمكن من خلالها من الدفاع عن نفسها، كل البشر يعون هذا، يعون أن الواقع البشري فيه الصراع، وفيه الأطماع، وفيه التحديات، وفيه الأخطار، وأن أي أمة هي معرَّضة للخطر وللتحدي من هذه الأمة أو من تلك، من هذا العدو أو من ذلك الطرف، ولهذا يسعى البشر بمختلف أممهم، بمختلف مشاربهم، بمختلف أديانهم، بمختلف توجهاتهم، إلى أن يكونوا أقوياء، إلى أن يمتلكوا القدرات العسكرية، إلى أن يمتلكوا الإمكانات اللازمة للدفاع عن أنفسهم، لحماية أنفسهم من خطرٍ مؤكد لابدَّ أن يأتي من هنا أو من هنا، فلماذا يريد البعض لنا نحن المسلمين أن نكون في الساحة البشرية الأمة التي لا تأخذ بعين الاعتبار هذا الخطر، هذا التحدي الذي هو أمر واقعي في الحياة؟
هل تقبل الصين، هل تقبل الهند، هل تقبل اليابان، هل تقبل أمريكا، هل تقبل أوروبا، هل تقبل أي دولة، أو أمة من الأمم، أن تكون أمةً لا تمتلك أي قدرات عسكرية، ولا أي اهتمامات عسكرية، ولا أي قدرات لتكون أمةً قوية، ليس فقط عسكرية، قدرات متنوعة، تساعدها لتكون أمةً قوية تواجه الخطر، تواجه العدو، أياً كان هذا العدو؟
هذه مسألة طبيعية في واقع الحياة، وضمن الاهتمامات البشرية عبر التاريخ بكله، يوم كانت القدرات العسكرية تتمثل بالسيف، والرمح، والسهم، والقوس، والوسائل الأولية تلك، وتدريبات على نمط معين من القتال بتلك الوسائل، كانت هذه مسألة قائمة في الواقع البشري عبر التاريخ بكله، واليوم تطورت المسألة إلى حدٍ كبير جدًّا، واتجهت تلك الأمم وتلك الشعوب إلى أن تمتلك قدرات متطورة، وتقنيات حربية وعسكرية متطورة، ويستمر التسابق في ذلك، والواقع الإسلامي، واقع المسلمين هو الأضعف في ظل اهتمامات بقية البشر، بقية الأمم، الآخرون هم أكثر اهتماماً منا نحن المسلمين، أكثر اهتماماً أن يعدّوا ما يستطيعون من قوة، أن يسعوا لامتلاك القدرات الكبيرة والمتطورة، والتقنيات العسكرية الهائلة والمتطورة، والجيوش المنظمة والمدربة، بل على مستوى ساحتنا الإسلامية والعربية إسرائيل هي الأكثر اهتماماً على المستوى العسكري، اليهود يحرصون على أن يهتموا اهتماماً كبيراً جدًّا، لدرجة أنهم يحرصون على أن يكون هذا الاهتمام شاملاً، ليس فقط على مستوى الجيش العسكري، إنما على المستوى العام لديهم، لدرجة أن لديهم تمارين ولديهم مناورات شاملة، حتى للأطفال والنساء في التعامل مع الظروف العسكرية، مع الخطر العسكري، مع التهديد العسكري، أما الاهتمام الأمريكي والاهتمام الأوروبي، واهتمام تلك الدول التي ترسل إلينا المنظمات التي تقول لنا- دائماً وأبداً- أن نكون أمةً وديعة تترك العنف، ولا تقتني السلاح، ولا تتجه إلى أن يكون لديها أي قدرات عسكرية، ولا تلتفت إلى أن تكون أمةً قوية، ويحاولون أن ينتزعوا منا القوة، حتى قوة النفس، حتى قوة المشاعر، وأن يعملوا على تدجيننا حتى نكون أناساً وديعين نعيش حالة الضعف حتى على المستوى النفسي، أولئك هم الذين يتسابقون دائماً لتطوير قدراتهم العسكرية وإمكاناتهم العسكرية، ليس فقط القدرات للحماية والدفاع، وإنما القدرات التي تمكِّنهم من استعمار بقية البلدان، والسيطرة على بقية الأمم، في ظل هذا الواقع البشري الذي فيه أشرار، فيه أطماع، فيه صراع، فيه تحديات، فيه أخطار مؤكَّدة، فيه تنافس، فيه سعي حثيث من أطراف كثيرة لبسط نفوذها والسيطرة على الآخرين، والاستعباد لهم، والظلم لهم، والاستغلال لهم، بالاستناد إلى قدراتها العسكرية؛ يعتبر الجهاد في سبيل الله وسيلةً ضروريةً وحاجةً إنسانية، نحتاج إلى ذلك لحماية أنفسنا.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية الـ18 لعام 1440هـ