{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء}
يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء}(المائدة من الآية: 51) لاحظ ما أفظع الناس عندما يتجهون ليتخذوهم أولياء بعد هذه الصورة السوداء التي قدمت لهم، والتي لا تختص بمجال دون مجال، بل في كل شيء، يلعبون في كل شيء، وأينما كانت سبيل الله يبغونها عوجاً، أينما هو صلاح في الأرض يبغونه فساداً، وبعد أن بين أيضاً بأنهم تحت مراقبته، وغضبه وسخطه، لا تكترث بهم، سواءً كانوا قليلاً أو كثيراً، سواءً كانوا أقوياءً أو ضعافاً، لا تكترث بهم، هم في مرحلة ضعف، هم في وضعية ضعف.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة من الآية: 51) فيجب أن تكونوا بعيدين عنهم؛ لأنك عندما تنظر إلى الصورة القاتمة عن اليهود، وتنظر إلى الصورة القاتمة عن النصارى تجد أنه إنما ينبغي لمثلهم هم أن يتولوا بعضهم بعض لماذا؟ لأنهم تشابهت قلوبهم، أعمالهم، أهدافهم، نواياهم، نفوسهم، في معظم ما هو بينهم مشترك وإن كانوا متعادين؛ لهذا تجدهم أليسوا الآن ينسقون مع بعضهم بعض ويتحركون؟ إسرائيل مع أمريكا ومع دول أربا. يجب أن تكونوا أنتم المؤمنون بعضكم أولياء بعض، واليهود هم هكذا لا ينبغي أن تتولوهم، إنما يتولاهم من هو مثلهم إما يهود يهوداً، أو نصارى نصارى، أو نصارى ليهود، أو كيفما كانوا. {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ثم انظر إليهم في الصورة التي قدمها كيف هي، أليست صورة فضيعة؟ {إن الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة من الآية: 51) عندما تراهم في الأخير قدمهم ظالمين لعباد الله، ظالمين للبشرية، ظالمين لأنفسهم وللبشر، من يتولاهم يصبح شريكاً في ظلمهم، يصبح ظالماً مع الظالمين {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
عندما تتولاهم لأي اعتبارات، لمصلحة معينة، أو خوف، أو كيفما كان، لن تهتدي إلى ما تريد من وراء توليك لهم، هذه القضية هامة، يبدو فعلاً أن الله لا يسمح أن يحصل، أن تتولاهم من أجل مناصب، أو من أجل مال، أو من أجل تأمن، أو أشياء من هذه، لا يتحقق هذا، لا يتحقق، إذا تحقق لك في مرحلة لتتمكن فيها، لتُضْرَب في الوقت الحرج، وفي أشد مرحلة يكون وقع الضربة عليك فيها شديداً، أين أفضل لك أن تضرب وأنت فقير، وقع الضرب عليك في نفسك وأنت فقير معك غرفتين، أو وأنت صاحب ممتلكات، وبنايات فخمة؟ هنا أليست الضربة ستكون أشد على نفسك؟ الله يعتبرها عذاباً – كما قال في آية أخرى – يعني الله سبحانه وتعالى هو حكيم، ولا يمكن لأحد أن يكون ذكياً أمامه على الإطلاق كما نكرر دائماً، عندما يكون عند واحد أنه سيحاول أن يتولاهم من أجل، ومن أجل، ومن أجل، هنا يقطع الطريق، لن يتحقق، ولو تحقق في الصورة إنما ليكون عذاباً لك في الوقت الذي يعتبر اشد نكاية عليك.
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}(المائدة من الآية: 52) وهذا من الأشياء المؤسفة جداً أنه بعد هذا البيان العظيم، وهذا الكتاب العظيم، وبعد ما أعطى من صورة واضحة، قدم صورة واضحة جداً عن بني إسرائيل ويكون ما يزال هناك ناس يريدون أن يتولوهم!! هم بالطبع ليسوا طبيعيين، أي ليسوا سليمين، لن يتولاهم إلا أناس في قلوبهم مرض، ومعنى في قلوبهم مرض، لم ينطبع هذا الدين، هذا الكتاب، وهذا الهدى، وهذا النور، ما انطبع عليها، لم تمتلئ نوراً، ولا اهتدت، قلوب مريضة، أما قلوب مهتدية فلا يمكن أن تتولاهم على الإطلاق.
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} مع أنهم بالشكل الذي يجب أن تسارع في الابتعاد عنهم، وليس أن تسارع فيهم، أن تسارع في الابتعاد عنهم؛ لأنهم هكذا قدمهم بشكل فضيع جداً في نفوسهم، أهدافهم، تفكيرهم، نواياهم، أعمالهم كلها. {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وكلمة مرض واسعة المعنى، أهم شيء فيها قلوب لم ينطبع فيها هدى الله، ولم تستنر بنور الله، ولم تستبصر ببصائر الله، هي قلوب مريضة، فليكن فيما بعد يظهر إما بشكل نفاق، أو بشكل جبن، أو بشكل بحث عن مصالح، أو بشكل – التي يسمونها – مزايدات حزبية، أو كيفما كانت، المهم أن هناك مرضاً، أما ناس سليمين لا يتولونهم على الإطلاق، يبتعدون عنهم. إذاً فمعناه مريض يتولى مرضى، ألم يقدمهم مرضى، هم، بنوا إسرائيل؟.
{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يسارع فيهم، مثلما تقول: في الله، أشبه شيء مثلما تقول: يعمل في الله، أو يحب في الله، يسارع فيهم، يحاول في الشيء الذي فيه ماذا؟ فيه استرضاءً لهم، أو الشيء الذي ربما يظهر لهم منه فيعتبرون أنه قدم خدمة لهم فيأمن شرهم، أو كيفما كان، المهم مسارعة إليهم بالشكل الذي يريدون، أنت عندما يقال لك: أنت تحب في الله أي: أنت تحب إنساناً الحب الذي يريد الله منك أن يكون قائماً بينك وبينه، فهم مسارعون بالشكل الذي يريد بنوا إسرائيل، يسارعون فيهم أي يسارعوا إليهم بالشكل الذي يريدونه هم، وإذا لم يكن عنده معرفة أنهم يريدون فالقلوب المريضة هي تتشابه، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}(البقرة: من الآية118) ألم يقل هكذا؟ ثم ولا تدري في الأخير وإذا أنت أهدافك أهداف السفير الأمريكي تماماً ولست تدري إذا لم ينتبه واحد!.
لأن هذا الهدى هو قدم بالشكل الذي يجعل قلوب الناس مستنيرة وسليمة، القلوب المستنيرة المهتدية السليمة المستبصرة لا يمكن على الإطلاق أن تكون متشابهة مع القلوب المريضة، لكن القلوب المريضة يمكن تتشابه مع بعض، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} ذلك من هناك يحاول أن يسكت الناس بأي طريقة حتى لا يرفعوا شعاراً في المسجد، وذلك الذي داخل المسجد، وإذا هو مثله محاول أنهم يسكتون ويتوقفون! ألم يبرز في الشاشة وإذا هم تشابهت قلوبهم؟ ذلك مريض من النوعية التي قال: {بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا}(النساء من الآية: 155) ونفوس خبيثة { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(المائدة من الآية: 41) وأنت لأن قلبك مريض يعني: من يكون على هذا النحو قلبه مريض، أصبح عملك عمله ومشابهاً له، وبالطبع لا يتحرك هؤلاء الذين يعارضون إلا وقدهم عارفين أن أمريكا شغالة؛ ولهذا يكون خائفاً، معظمهم، لو نقول – مثلاً -: [الموت لهولندا] هل أحد سيصيح في المسجد؟ لا، لن يعارضنا أحد، لو تقول: [الموت للعرب] أو تلعن العرب، هل سيعارضك أحد من هذه النوعية؟.
إذاً فيها خوف، إما خوف، أو رغبة، المهم مرض، وهو يعرف في نفس الوقت أنك تقول: أمريكا، وهو يعرف أن أمريكا هي تتحرك وأن أمريكا أصبحت مهيمنة، وأن أمريكا بالشكل الذي يخاف منها، أو يرغب إليها، كيفما كان الأمر، قل: [الموت للسويد] لن يستثار، ولن يقول لماذا؟ ولن يرفع بك بلاغاً إلى أي جهة نهائياً، ولن يبادر الأمن السياسي إلى إلقاء القبض عليك، تقول: [الموت للعرب] تقول: [الموت لليمن] لن يغضب أحد عليك. إذاً فهذا معناه ماذا؟ أنه فعلاًً مرض، هناك مرض، المرض نحن نقول فيه، على أساس نحاول أنه مثلما قالوا نتأول مهما أمكن للموضوع إلا أنه بالطبع مرض واسع جداً المرض، فليكن جهلاً بدين الله، جهلاً بأعداء الله، جهلاً بما ينبغي أن يكون عليه باعتباره مسلم، وهذا مرض، أليس مرضاً؟ لكن نحن نعتبر لا بأس إذا تأولنا لك مرضك بالمرض الذي يذهب واحد يتعالج منه وممكن يشفى، فقد يكون جهلاً، وقد يكون غير فاهم، وقد يكون..، وقد يكون..، وإلا فقد هو فاهم أن أمريكا موجودة، وأن هذا الشيء يغضب أمريكا.
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} لم يقل مثلاً: المواطنين الذين في قلوبهم مرض، أو الحكام الذين في قلوبهم مرض؛ لأن مرض القلوب يمكن أن يكون من عند أكبر مسؤول إلى أصغر مواطن. {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} ليكون في الأخير ممن يرتد عن دينه والمفروض أن يسارع ليكون ممن قال الله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}(المائدة من الآية: 54) نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.
هذا من الخسارة الرهيبة للطرف الآخر أن يكونوا فريقاً آراؤهم ورؤاهم التي تجعلهم يتقهقرون ويرتدون على أعقابهم فينقلبوا خاسرين. خسارة أن لا يكون الإنسان من النوعية هذه فعلاً، أن لا يكون من هذه النوعية، نوعية من وعد الله بأنه سيأتي بهم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فمعنى هذا بأنه عندما ترى لبني إسرائيل حركة على هذا النحو، أنه يجب أن تسارع إلى أن يجعلك الله من هذه النوعية التي وعد بأنه سيأتي بها، لا أن تسارع فيهم، نخشى أن تصيبنا دائرة، [ويمكن، ويمكن، وأحسن لواحد كذا.. ولا..] لا؛ لأن هذه خسارة، والواجب هو أن تسارع إلى الله عسى أن يكتبك واحداً من هؤلاء الذين وعد بأنه سيأتي بهم.
ولأن لا يصاب الناس مهما كانوا قليلاً، أو مهما كانوا يرون العدو كبيراً، ويرون التراجع الكبير، لا يصابون بإحباط. عندما ترى العرب تقهقروا، ترى المسلمين تراجعوا، ترى قممهم تعلن تراجعهم، أليس القمم العربية، والقمم الإسلامية كلها يبدو منها التقهقر والرجوع؟ ليس فيها منطق جهاد، ليس فيها منطق مواجهة في أي ميدان من الميادين على الإطلاق، إذاً ما هنا تحقق ارتداد بكل ما تعنيه الكلمة في هذا الإطار، تأتي إلى الشعوب نفسها وإذا الكثير ليسوا حول الموضوع نهائياً، وهم يرون أمريكا، ويسمعون ما تريد أمريكا، وتكتب صحف، ويرون في التلفزيون والإذاعات، وكل شيء، ولا يبالي، ولا يوجد عنده فكرة، والكثير عنده فكرة أنه ماذا؟ يترك ولا يتدخل من أجل أنه يسلم!! نزل لهم أوراق تعلن بأن الأمريكيين يتجهون لتغيير المناهج بما فيها القرآن الكريم، لا يتحرك، أليس هذا من المتراجعين؟ يعني ماذا؟ وقت تحقيق الوعد الإلهي، أليس وقت تحقيقه؟ لأنه قال: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ}(المائدة من الآية: 54) بالفاء التي تعني التعقيب مباشرة بدون مهلة، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، وإن كان المرتدون ملايين أو عشرات الملايين.
الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي
الدرس الثني والعشرون من دروس رمضان