معركةُ مجاهدي حزب الله مع الصهاينة.. احتمالاتٌ لتصعيد أكبر

||صحافة||

في اليوم الأول من عملية “طُوفان الأقصى”، ومع بدء الغارات الصهيونية على قطاع غزة كان المجاهدون الأحرار من حزب الله اللبناني يدكُّون المواقع الصهيونية على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة.

وعلى الرغم من الكميات المهولة من رسائل التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تلقاها الحزب من الداخل والخارج بعدم إقحام نفسه في هذه المواجهة إلا أن الجواب كان حاسماً بأن لبنان لن يقفَ على “الحياد” وسيشارك وفق ما تقتضيه طبيعةُ المعركة، وبالفعل أوصد الحزب كُـلَّ الأبواب أمامه، وألجم كُـلَّ التهديدات.

في الميدانِ، مضى مجاهدو حزب الله اللبناني وفق خطة عسكرية محكمة، تقتضي ضرب واستهداف الرادارات وكلّ أجهزة التجسس التي نصبتها إسرائيل على الحدود مع لبنان، ونفذ استراتيجية “الإشغال” وَ”الإعماء”؛ وهو ما أربك خططَ كيان العدوّ الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، وتم تأخير الهجوم البري لأكثر من عشرين يوماً مضت.

فماذا يجري حقيقة في الحافة الأمامية للحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية الفلسطينية؟

في دراسة نشرها مركز دراسات غرب آسيا بعنوان: “الجبهة اللبنانية في معركة “طُوفان الأقصى”، العدوّ لا يزال مكبلاً بقواعد الاشتباك”، تؤكّـد الدراسة أن الوضعية العامة بصورتها الكبرى على الحدود اللبنانية الفلسطينية، اختلت بشكل كبير بعد 7 تشرين أول – أُكتوبر 2023م لمصلحة المقاومة، مشيرة إلى أنه منذ العام 2011م، فضّل العدوّ -بناءً على نظرية رئيس الأركان السابق، غادي إيزنكوت-، ترميم الردع المنهار على الجبهة اللبنانية، حَيثُ ابتدع مبتكرُ نظريةِ الضاحية التي تنفذ اليوم في قطاع غزة، خطةً لمطاولة المقاومة اللبنانية في سوريا، أسماها “الحربَ بين الحروب”، وحَيَّدَ العدوُّ الجبهةَ التي توجعه، مفضِّلاً العملَ في جبهة مفتوحة يمكنه بسلاحه الجوي وقواته النخبوية مقارعة حزب الله، أَو على أقل التقدير التأثير على حركته، إلا أن حزب الله ومع أولى المحاولات الصهيونية للمس به في القنيطرة عام 2015م، أفرغ كُـلَّ مضامين “المعركة بين الحروب” من محتواها، حَيثُ فرض قواعدَ اشتباك جديدة على العدوّ قوامُها المعادلة التالية: “أي مس بجسمنا في سوريا أَو أي مكان آخر، عاقبته المس بجيش العدوّ من لبنان، وبالقدر الذي تحدّده المقاومة، وتعتبر أنه ردع العدوّ عن تكرار خطيئته”.

وتشير الدراسةُ إلى أن المقاومةَ استطاعت منذ المواجهة الأولى مع العدوّ في 9-10-2023م على الحافة الأمامية عند الحدود اللبنانية تحييدَ كُـلِّ المواقع والثكنات والتجمعات التي قد تكون رأس جسر أية مبادرة هجومية قد يغامر بها العدوّ، وأكّـدت المقاومة أن “الميركافا” لا زالت بعد 17 سنة، لقمةً سائغةً في يد الجيل الجديد من مقاتليها، وتمكّنت من إبادة ما لا يقل عن كتيبة دبابات ميركافا في أقلَّ من 10 أَيَّـام، وأثبتت أن سلاح الكورنيت “المعلوم” لا يزال في قمة تألّقه التكتيكي، ويمكنه مجدّدًا أن يعيد صناعة الفضيحة لجيش العدوّ، كما حيّدت المقاومة ما لا يقل عن 200 قتيل وجريح من جنود العدوّ، وألزمت العدوّ بزيادة أعداد حاملات “نمر” التي تعتبر دبابة ميركافا بدون برج.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل مسّت المقاومةُ -كما توضح الدراسة- مجدّدًا بخطط العدوّ العملياتية، حَيثُ ارتفعت القواتُ التي حشدها العدوُّ إلى ثلاثِ فرق مدعومة بما يوازي الفرقة من الألوية والكتائب الإقليمية المتخصصة، وكُلُّ من يعمل بالعسكر يعرفُ ما قيمة هذا الحشد وتأثيره السلبي على أية مبادرات أَو مناورات برية في غزة وحتى في الضفة الغربية.

واستطاعت المقاومةُ أن تمُسَّ بشكل كبير كُلَّ وسائط العدوّ التي يعتمدها للتجسس على لبنان، والتي يمكنها أن تكون وسائط تكتيكية وتعبوية أَسَاسية في أية مناورة هجومية قد يغامر بها العدوّ (وسائط الجمع الحربي –الرادارات)، كما استطاعت فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، وهذا يعني تعاوناً بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية على تحييد 40 % من قوة العدوّ وفرض مناورة مفتوحة عليها في الشمال على الجبهة اللبنانية.

وَلم تمس المقاومة إلا بجيش العدوّ طالما لم يستشهد مدنيين، وأعادت المقاومة اللبنانية تكبيل العدوّ بمضمون كُـلّ التفاهمات غير المباشرة، التي رعاها مجلس الأمن ومن ورائه القوى الكبرى منذ نيسان 1996م، حَيثُ تستمر معادلة المدنيين مقابل المدنيين، كما فرضت على العدوّ عدم تحويل أَو دمج الساحة اللبنانية أَو حتى الحافة الأمامية بـ “المعركة بين الحروب” الجارية في سوريا، ففي أقصى استعمال لطائرات الأباتشي والطائرات المسيَّرة الصهيونية المسلحة، لم يجرؤ العدوّ التعدي أبعد من 800 إلى 1000 متر أبعد من الحافة الأمامية.

وتخلص الدراسة إلى أن ما تحقّق من نتائجَ مؤخّراً كبيرٌ جِـدًّا، ولن يتوقف عند حدود نهاية معركة “طُوفان الأقصى”، بل إنه أسّس قواعدَ جديدةً للاشتباك، نتيجتُه الأوليةُ أن المقاومة تتفوَّقُ على العدوّ بنسبة 8 إلى 2 في المناورة.

وبالنسبة للردع، فَــإنَّ التزامَ العدوِّ استراتيجياً بقواعد الاشتباك المفروضة عليه لبنانياً منذ العام 2019م، يعني أن ميزانَ الردع ما زال مائلاً بقوةٍ لمصلحة المقاومة، فيما يغامر العدوّ في أَيٍّ من محاولاته لتعديل كفة الميزان، بخسارة ما تبقّى بيده من أوراق في أية لحظة.

 

ترقُّبٌ لخطاب السيد نصر الله:

ومع مرور أكثر من 21 يوماً ظلت المواجهة بين مجاهدي حزب الله اللبناني وجيش العدوّ الصهيوني محصورةً على الحدود، لكن المخاوفَ لا تزال قائمةً من إمْكَانية توسعها إلى حرب كبرى، تشترك فيها كُـلّ أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ وغيرها، لا سِـيَّـما أن الكيانَ المؤقَّتَ يمضي في مخطّطه الإجرامي على قطاع غزة، ويقصف بلا هوادة، ويسعى لتفجير المنطقة بأكملها.

وفي ظل هذه الأحداث الكبرى يترقَّبُ العالَمُ بأكمله خروجَ الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، بخطاب يوضح فيه موقفهم النهائي؛ فالصمتُ للسيد حسن لا يزال يشكل حرباً نفسية على الصهاينة والأمريكيين في آنٍ واحد، غير أن كُـلّ المعطيات تشير إلى أن حزبَ الله اللبناني على أتم الجاهزية لخوض كُـلّ السيناريوهات بما فيها التوسع أَو الانتقال لمعركة أكبر وأشمل.

وترى الكاتبة اللبنانية زينب عقيل، أن “انخراط حزب الله بشكل أكبر سيغيّر المعادلات الحالية، وسيضمن حرباً إقليمية من المؤكَّـدِ أنها ستتسبب في خسائرَ فادحة، وتجذب جماعاتٍ أُخرى سُنية وشيعية من جميع أنحاء المنطقة”.

وتقول: “في كتب التاريخ، ولدى سرد أحداث الحرب العالمية الأولى والثانية، ومن باب المقارنة، يمكن ملاحظة أنّ سرد الأحداث يبدأ من أول طلقة، على أية جبهة، وسواء تدحرجت كرة النار إلى الحرب الكبرى، أم تمكّنت الأطر الدبلوماسية من خفض التصعيد وإنهاء الصراع، فَــإنَّ المحللين العسكريين سيدرسون للتاريخ، كيف انخرط حزب الله في “طُوفان الأقصى” واستطاع تغيير المعادلات وتحقيق الردع”.

 

الرهان على الحزب:

وبطبيعة الحال، يظل العالم العربي والإسلامي يرقب ما ستؤول إليه الأحداث على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، لا سِـيَّـما في ظل تصاعد جرائم العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ودخول الجيش الصهيوني في هجومٍ بري ابتدأ من ليلة الجمعة الماضية، وما رافق ذلك من قصف عنيف لم تشهده غزة من قبلُ.

ومع توسع دائرة النار في القطاع، ترتفع الأصوات المطالبة حزب الله اللبناني بمهاجمة المستوطنات الصهيونية بالصواريخ، حَيثُ ردّد متظاهرون خرجوا في عدة شوارع عربية بما فيها مصر عبارات “يا نصرَ الله يا حبيب اضرب اضرب تل أبيب”، في تأكيدٍ من قبل الشارع العربي بأن حزب الله اللبناني هو الوحيد المعول عليه لتغيير المعادلة أمام الصهاينة، في ظل الصمت المخزي للأنظمة والحكام العرب.

لقد كان ملاحَظاً خلال الأيّام الماضية حركةُ السفر للمغادرين من بيروت، ودعواتُ الحكومات الغربية لرعاياها بالمغادرة في أسرع وقت؛ وهو ما يعطي احتمالاً كَبيراً بإقدام إسرائيل على توجيه ضربات جوية على بيروت على غرار ما هو حاصل في قطاع غزة، وربما تكون الغارات أكثر عنفواناً من القطاع، وهذا إذَا ما حدث فَــإنَّ المعركة الكبرى لا شك ستندلع والنيران ستحاصر الجميع.

لكن حسابات الإسرائيليين دقيقة في هذا الشأن؛ فهم يدركون جيِّدًا أن الإقدامَ على قصف بيروت أَو المدن اللبنانية، سيقابَلُ بَـ رَدٍّ مزلزلٍ من حزب الله، الذي يمتلك الآلاف من الصواريخ الدقيقة القادرة على إحداث دمار هائل في المدن الإسرائيلية في فلسطين المحتلّة، بل وإعادتها إلى العصر الحجري، كما صرَّح بذلك السيد حسن نصر الله في لقاءات سابقة.

ويعترف مسؤولون صهاينة بأن الحرب مع حزب الله ستكون قاسية ومدمّـرة وغير مسبوقة لإسرائيل؛ لذا نلاحظ الاستعدادات الكبيرة للكيان المؤقت في المستوطنات المحاذية لجنوب لبنان، حَيثُ يقومون بتحصين منطقة “الجليل”؛ تحسباً لهجوم مباغت من حزب الله، بعد أن نشر الحزب عناصر من وحدة النخبة التابعة له المعروفة “بالرضوان” على الحدود الملتهبة.

وتواجه الصهاينة الكثير من التحديات في حال اندلاع الحرب الكبرى، من أبرزها مشكلة إجلاء المستوطنين من منطقة شمال فلسطين المحتلّة، أَو حتى توفر الغرف المحصنة والآمنة لهؤلاء، حَيثُ يعيش الكيان صراعاً داخلياً شبّهه السيد نصر الله بحرب إلغاء بلا دم، يمكن أن تؤدي إلى دم؛ وهذا ما سيربك جيش الاحتلال بالتأكيد ويضع أمامه تحدّيات وجودية داخلية، في ظلّ تحديات وجودية خارجية.

ومن ضمن التحديات التي تعصف بجيش الاحتلال الإسرائيلي هو التراجع الخطير في الروح القتالية، بحيث يعاني من مشاكل في قوة الاحتياط من جهة، ومشكلة في هروب العناصر من الالتحاق بوحدات قتالية إلى وحدات منعدمة المخاطر كالتكنولوجية والاستخباراتية الفنية.

وأمام كُـلّ المعطيات يشارك حزب الله اللبناني في عملية “طُوفان الأقصى” باستراتيجية قتالية صنعها بنفسه، وهو يؤكّـد مدى استعدادِه وجُهُوزيتِه العاليةِ لخوضِ غِمار المعركة حتى ولو تطلب الأمرُ التوسُّعَ إلى ما هو أكبر، مع الإشارة إلى أن عشرات عمليات المقاومة الإسلامية التي تم تنفيذها منذ أَيَّـام، قد أَدَّت لإنجازات ميدانية ومهمّة للغاية، سيكون لها تأثيرها التمهيدي بالتأكيد، في حال أخذت قيادة المقاومة لقرار خوض الحرب الواسعة والشاملة أَو الكبرى.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا