“طُوفان الأقصى”.. بدايةُ الانهيار الاقتصادي للكيان الصهيوني
||صحافة||
تظَلُّ القضيةُ الفلسطينيةُ واحدةً من أكثر القضايا العادلة، ويَظَلُّ أحرارُ فلسطين مثالًا حيًّا للصمود والتضحية؛ مِن أجل الحرية والعدالة واسترجاع حقهم في أرضهم المحتلّة، فَـ “طُوفان الأقصى” ثورة من نمط جديد ومضمونها يقول: البحر وراءكم والعدوّ أمامكم، ومما لا شك فيه فَــإنَّ قيام ثورة “طُوفان الأقصى” هو قرار يُعلن للعالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص أن حربنا على عدونا المحتلّ لن يتوقف ما لم يتوقف الكيان الصهيوني عن جرائمه الوحشية ويرفع يده عن كُـلّ شبر من الأرض المحتلّة ولن يكون ذلك إلا بالقوة؛ لأَنَّه لا يعرفُ غيرَ هذه اللغة، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
ووفقاً لهذه المعادلة، يجب على العرب والمسلمين في جميع الدول أن يعملوا على تحويل عملية “طُوفان الأقصى” إلى حرب إقليمية وعالمية ضد أعدائها وعلى رأسهم كيان الاحتلال الصهيوني ومن يدعمه ويقف معه ويسانده وبالأخص أمريكا ومن سار في فلكها من الدول الغربية، فعملية “طُوفان الأقصى” تُعتبر بركانًا وثورةً مزلزلة لانتزاع الحقوق المسلوبة، وتُعتبر حراكًا شعبيًّا وثوريًّا لطرد الوجود الإسرائيلي والأمريكي من المنطقة العربية، وهذا يعني أن من لا يشارك في هذه المعركة المقدسة بالنفس والمال؛ مِن أجل التحرير ومن أجل استعادة الحقوق والحريات والثروات المنهوبة فَــإنَّه وبلا شك يخضعُ خضوعاً تاماً للعدو الأمريكي والصهيوني.
معركةٌ ترسُمُ نقطةَ انطلاق إسقاط الكيان المؤقَّت:
جميعُ الشواهد تقولُ: إن هذه المعركة قد بدأت فعلاً في يوم السبت السابع من أُكتوبر بقيام عملية “طُوفان الأقصى”، علماً بأن هذه العملية الاستراتيجية ليست لزمن محدّد أَو لمرحلة معينة، بل هي حرب مُستمرّة بإرادَة قوية وصادقة وإدارة سليمة وناجحة من فصائل المقاومة الفلسطينية ومن سيلحق بها من دول محور المقاومة، ورعاية وعناية من الله العزيز الحكيم قال تعالى: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.
وبحسب كُـلّ المعطيات والمستجدات المتسارعة، فَــإنَّ هذه العملية تعتبر بداية مرحلة جديدة لزوال الكيان الصهيوني، فعملية “طُوفان الأقصى” قد يكون معناها الطوفان والزوال للكيان الصهيوني المغتصب للأرض والحق الفلسطيني، وقد يكون بداية لطوفان أعظم وأوسع يُنذر بزوال دول الاستعمار والاستكبار العالمي، وكلّ الاحتمالات واردة حتى تعود الحقوق المسلوبة لأهلها في فلسطين ويعود القدس من جديد لحضن الأُمَّــة الإسلامية.
ولا شك أن استمرار هذا الطوفان سوف يُرهق العدوّ الصهيوني ويزرع في قلبه الرعب والذلة ويعجّل من نهايته، كما يُعتبر هزيمة استراتيجيةً ساحقة تلقاها الكيان الصهيوني؛ وبناءً عليه فَــإنَّ توابعَ وارتداداتِ هذه الهزيمة على مستقبل هذا الكيان ستكونُ كَبيرةً جِـدًّا، فما قبل “طُوفان الأقصى” ليس كما بعده، وبالتالي لن تبقى سُمعةَ هذا الكيان كما كانت عليه من قبل في أنه “الجيش الذي لا يُقهر” رغم امتلاكه أكبرَ ترسانة عسكرية وأكبر منظومة مالية واقتصادية، ولكنه انهزم وانهار سياسيًّا وعسكريًّا وأخلاقياً واقتصاديًّا من أول مواجهة وأعلن استسلامه رغم الإمْكَانيات العسكرية والمالية المتواضعة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
وبناءً على ذلك فنحن أمام لحظة محورية وفارقه يمكن التحَرّك والبناء عليها لعهد جديد يُعيد قوة وعظمة الإسلام كما كانت في العهود السابقة، وهذا لن يكون إلا لو تضافرت الجهود واتحدت الساحات واجتمعت الدول والمكونات في محور واحد، فلو حدث هذا فعلاً في هذه المرحلة الحاسمة ستكون الأُمَّــةُ الإسلامية بإذن الله تعالى، أمام نصر كبير لم يحدث من قبل.
بالأرقام.. انهيارٌ اقتصادي إلى جانب الانهيار السياسي والأخلاقي والعسكري:
وفي هذا السياق، نتطرق إلى الآثار والتداعيات التي خلفتها عملية “طُوفان الأقصى” على اقتصاد الكيان الصهيوني المحتلّ، حَيثُ خلفت أزمات اقتصادية كبيرة سيظل يعاني من تداعياتها وآثارها المباشرة وَغير المباشرة على المدى المتوسط والبعيد، فمنذ بدء عملية “طُوفان الأقصى” وتصاعد المواجهات العسكرية مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وقد بدأت هذه الآثار والتداعيات تنعكس على عملة الكيان الصهيوني في وقت يتواصل فيه التراجع أمام العملات الأجنبية الأُخرى، وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية للعملة والذي سوف ينعكس بشكل مباشر على انخفاض متوسط نصيب دخل الفرد، وبالتالي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب تصريحات أحد البنوك في الكيان الصهيوني فَــإنَّ كلفة الخسائر الأولية التي تكبدها الاقتصاد في أربعة أَيَّـام فقط منذ بدء عملية “طُوفان الأقصى” ونتيجة للحرب والاعتداءات على غزة وصل إلى ما يقارب سبعة مليارات دولار، وهذه التقديرات لا تشمل الخسائر التي ستطال قطاع الطيران وتوقف الأعمال التجارية والمصانع وفقدان الشركات العالمية الثقة بالعمل داخل الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج وهي كلفة من الصعب حسابها.
وإضافة إلى الخسائر للنفقات في الجانب العسكري لما يقارب من نصف مليون جندي احتياطي تم استدعائهم، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي خلفوها نتيجة ضياع الفرصة الضائعة عندما تركوا أعمالهم، وتأتي هذه الخسائر بعد أَيَّـام قليلة فقط من بدء عملية “طُوفان الأقصى” التي هزت وزلزلت الكيان الصهيوني والتي تُنذر بانهيار مستقبله، وبالتالي دخوله إلى نفق مظلم من الصعب عليه الخروج منه.
ومما لا شك فيه -وبحسب مراقبين اقتصاديين- أنَّ الخسائر التي لحقت باقتصاد الكيان الصهيوني في حرب 1973م لا تساوي 10 % من حجم الخسائر التي تعرض لها منذ أَيَّـام قليلة من بدء عملية “طُوفان الأقصى” والتي ما زالت نهايتها مجهولة واحتمالية امتدادها إلى عدة شهور إن لم تكن سنوات، وفي هذا السياق فَــإنَّ عملية “طُوفان الأقصى” سيكون لها آثار كارثية على اقتصاد الكيان الصهيوني من خلال ارتفاع نسبة التضخم الذي سيخلفه على السلع والخدمات في الداخل للكيان الصهيوني وفي الخارج على مستوى دول أُورُوبا، ويتسبب في انخفاض نمو الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط ومن المحتمل أن يصل إلى 3.1 %.
وما لعملية “طُوفان الأقصى” من آثار ستترتب على ارتفاع أسعار النفط والتي تقدر مبدئياً بنحو 5 %، والذي سوف يثير مخاوف بشأن صدمات محتملة من منطقة الشرق الأوسط، التي تعتمد على تصدير النفط للخارج، وبالرغم من احتمالية محدودية النطاق والمدة والعواقب على أسعار النفط ولكن من المتوقع حدوث تقلبات وتداعيات أكبر مستقبلاً.
باعترافات العدوّ.. لا مؤشرات لوضع حَــدّ للانهيار الاقتصادي:
اعترافات من الداخل بالانهيار الاقتصادي كما يقول الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الاستثمارات المالية في الكيان الصهيوني: إن ما يحدث منذ بدء عملية “طُوفان الأقصى” سيكون له تأثيرٌ سلبيٌّ مباشرٌ على اقتصاد الكيان الصهيوني، حَيثُ ستؤثر بشكل كبير ومُستمرّ على قطاع النقل الجوي والبحري وعلى قطاع السياحة والتجارة وعلى قطاع الغاز لإسرائيل في حال تعرض لضربات وقصف من المقاومة.
وفي هذا الصدد، يعترف أحد الخبراء في وزارة مالية الكيان الصهيوني أن عملية “طُوفان الأقصى” كان لها أثرٌ كبير في انخفاض الاستثمارات الأجنبية التي بلغت بنحو 60 % في الربع الأول 2023م مقارنة بالأعوام السابقة التي قدرت بنحو 28 مليار دولار، كما أن استمرار عملية “طُوفان الأقصى” والعدوان على غزة سيترتب عليه تراجع كبير في سوق المال للكيان الصهيوني وقد تهوى السوق إلى أدنى مستوياتها، كما أن الضرر الرئيسي الذي سوف يلحق باقتصاد الكيان الصهيوني بالتحديد يأتي من توقف مئات الآلاف للشركات في المنطقة الوسطى، حَيثُ سيعمل ذلك على انخفاض دورة الأعمال بين 70 % إلى 80 %، وهذه النسبة تعتبر أكبر من فترة كورونا التي تراجعت خلالها الأعمال بنحو 40 % فقط، كما قد تضطر تلك الشركات في هذه المرحلة إلى البحث عن عمال لعدم وجود فترة محدّدة لانتهاء عملية “طُوفان الأقصى”.
ووفقاً لخبراءَ ومراقبين في الشأن الاقتصادي فَــإنَّ عملية “طُوفان الأقصى” سوف تكون لها آثار اقتصادية كارثية غير مباشرة أثرت سلباً على الشركات التجارية التي تفتح يوم السبت، والتي تقدم سِلَعًا وخدمات ضرورية للمستهلك في جميع أنحاء الأراضي المحتلّة، بما في ذلك الفنادق السياحية ومحلات السوبر ماركت والمقاهي والصيدليات وغيرها، حيثُ إن أصحاب هذه الشركات والمحلات سوف يجدونَ صعوبة كبيرة في مواصلة أنشطتهم اليومية منذ بدء عملية “طُوفان الأقصى” وتصاعد المواجهات، كما يرجِّحُ بعضُ المحللين الاقتصاديين في كيان الاحتلال الصهيوني أن استمرار كلفة الحرب سوف تعمق الخسائر المالية وتؤدي إلى عجز في الموازنة العامة لإسرائيل، حَيثُ ستكون لعملية “طُوفان الأقصى” تأثيرات اقتصادية مباشرة وطويلة على إسرائيل بشكل عام وجنوبها بشكل خاص، حَيثُ سيكون الضرر الاقتصادي واضحًا وستمتد درجة تداعياته مع تطور الأحداث، حَيثُ ستتعطل المصالح الاقتصادية بالكامل في جنوب إسرائيل، وسيطال ذلك أَيْـضاً تل أبيب؛ بسَببِ تأثير الضربات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، وأنها ستشكل ضربة اقتصادية للكيان الصهيوني ربما يظهر حجم وقيمة فاتورتها مع مرور الوقت وتطورات الحرب، كما سوف تشمل التكاليف المباشرة نفقات جيش الكيان الصهيوني والأجهزة الأمنية من دفع ثمن الذخيرة والمعدات اللوجستية وتعويضات أهالي القتلى وتكاليف إعادة تأهيل الجرحى، حيثُ إن تلك النفقات سوف تتجاوز أضعافًا كثيرة لتكاليف حرب لبنان عام 2006 و2015م.
وأخيراً وبما لا يدع مجالاً للشك فَــإنَّ “طُوفان الأقصى” فرض معادلةً جديدةً على مستوى العالم وهي أن الانهيار الاقتصادي سيكون بداية النهاية لهذا الكيان الصهيوني المحتلّ؛ باعتباره يعتمدُ على بقائه وقوتِه وغطرسته على الترسانة الاقتصادية، كما تعتمدُ المساندةُ الدوليةُ له من أمريكا ودول أُورُوبا على مصالحِها الاقتصادية معه.
صحيفة المسيرة: د. يحيى علي السقاف