التحالفُ الأمريكي في البحر الأحمر.. حارسٌ للرخاء أم داعٍ للخراب؟

||صحافة||

في إطار الدعم المطلق الذي تقدمه لكيان العدوّ الإسرائيلي، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف بحري يضم عشر دول يتولى تسيير دوريات بحرية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن؛ بهَدفِ حماية الممر البحري والتجارة العالمية -كما جاء في الإعلان الأمريكي-.

التحالف الذي أطلق عليه وزير الدفاع الأمريكي اسم “حارس الرخاء” يهدف في الحقيقة إلى فك الحصار البحري المحكم الذي فرضته البحرية اليمنية على كيان العدوّ وأصاب ميناء أم الرشراش بالشلل التام، حسب اعتراف إدارة الميناء.

الولايات المتحدة والدول المشاركة معها في هذا التحالف لا يعنيها سوى ازدهار الكيان الإسرائيلي، فمتى كان استقرار دول العالم ورخائها هدفا تعمل أمريكا على تحقيقه؟!.

لن تتمكّن الولايات المتحدة بهذا التحالف أَو بسواه من فك الحصار على كيان العدوّ، بل قد تؤدي هذه الخطوة الحمقاء إلى إغلاق كامل للبحر الأحمر أمام الملاحة الدولية.

فاليمن لا يمكن له أن يتراجعَ عن القيام بدوره في نصرة غزة التي تتعرض لحرب إبادة لا سابق لها في تاريخ العالم وسوف تستمر القوات اليمنية في عملياتها البحرية الموجهة حصرًا لمنع السفن المتوجّـهة إلى موانئ العدوّ والمشروطة بفك الحصار القاتل عن 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة.

كما لن تتردّد القوات المسلحة اليمنية في الرد بحسم وقوة في حال تعرضت مياهها أَو أرضها لأي عدوان من قبل هذا التحالف.

تحالف اليمنيين مع إخوانهم في فلسطين المحتلّة سيظل ثابتا؛ لأَنَّه ينطلق من مبادئ إيمَـانية وإنسانية، ومن واقع العدوّ المشترك والمصير المشترك، ولم يتأثر رغم المغريات التي قدمت لصنعاء، ولن يتأثر بالغطرسة الإسرائيلية والتهديدات الأمريكية.

تدرك صنعاء أن التحالف العسكري الذي شكلته الولايات المتحدة لعسكرة المياه قبالة السواحل اليمنية ليس جديدًا، فهو مُجَـرّد إحياء للتحالف الذي أعلنته في الـ17 من إبريل 2022؛ أي بعد نحو أسبوعين من بدء الهدنة مع تحالف العدوان على اليمن. حينها أعلنت واشنطن تشكيل تحالف بحري من 15 دولة بينها أربع دول عربية: مصر، السعوديّة، الأردن والبحرين، وبحسب الإعلان، يتولى التحالف مهمة “مكافحة الإرهاب والمخدرات، ويقوم بعمليات المراقبة والتفتيش” وحدّد نطاق عملياته بالبحر الأحمر وخليج عدن، ولا يزال هذا التحالف قائمًا ويطلق عليه اسم CTF153. “قوة المهام المشتركة 153”. وبحسب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارته للبحرين، التي تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس في الشرق الأوسط، فإن الدول المشاركة في التحالف الجديد تشمل: بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا. وَأَضَـافَ أنهم سيقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال أوستن: يعتبر التحالف الجديد إضافةً إلى أَو جزء من الـ CTF153.

هذا الدمج، يعني أن الولايات المتحدة تعملُ على توريط الدول العربية المشاركة في التحالف السابق -مصر، السعوديّة، الأردن والبحرين- بمهام ومسؤوليات التحالف الجديد الذي يهدف إلى حماية مصالح العدوّ الإسرائيلي وفك الحصار عنه، في الوقت الذي يمارس فيه مجازر يومية وحرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلّة، كما أنه يهدف أَيْـضاً إلى استهداف اليمن، وَسيمنح كيان العدوّ وقتًا أطول لاستمرار حرب الإبادة في غزة والضفة. وهذا يقتضي من الدول العربية المشاركة في تحالف 2022 توضيح مواقفها وعلاقتها بالتحالف الجديد الموجه.

صنعاءُ التي تواجه حربًا دولية وحصارًا جائرًا منذ أكثر من ثماني سنوات رفضت كُـلّ العروض والإغراءات التي قدمت لها مقابل وقف عملياتها في استهداف السفن المتوجّـهة إلى موانئ العدوّ الإسرائيلي؛ فما الذي يجبر دولًا عربية للاصطفاف مع بايدن ونتنياهو في هذه المعركة؟

الدعمُ الأمريكي لكيان العدوّ، دعمٌ أعمى لا حدود له، دعمٌ ينالُ من المصلحة الأمريكية نفسها.. لم تكن الإدارة الأمريكية معزولة ومنبوذة سياسيًّا وأخلاقيًّا كما هي الآن؛ بسَببِ دعمها الأعمى لكيان الإسرائيلي. وقفت الإدارة الأمريكية أمام العالم أجمع ورفضت وقف إطلاق نار إنساني في غزة، وسيكون من الصعب عليها ممارسة دورها لفرض أجندتها في مختلف أنحاء العالم.

لن يكون بإمْكَانها ابتزاز الصين في مِلَفِّ تايوان أَو الإيغور، ولن يكون بإمْكَانها التجييش ضد روسيا أَو استخدام نفس الذرائع لمحاصرة الدول المناهضة لها في آسيا وأمريكا اللاتينية، بل لن يكون بوسع البيت الأبيض أن يستمر في استغفال الشعب الأمريكي نفسه.

ولذلك يشعر اليمنيون أنهم على صواب في مواقفهم تجاه أمريكا وسياستها.

أمريكا التي ورطت الدول الأُورُوبية في حرب أوكرانيا، ثم استغلت أزمة الغاز في الدول الحليفة وقدمت لها الغاز الأمريكي بأسعار مضاعفة، تعمل حَـاليًّا لتوريط الدول الأُورُوبية في البحر الأحمر وباب المندب الذي يعد بمثابة حنجرة أُورُوبا، وأية تداعيات تحدث في هذا الممر الملاحي ستكونُ أُورُوبا هي الخاسر الأكبر، ولن يجلب لها تحالف “حارس الازدهار” الأمريكي سوى الخراب.

لقد كان هدف اليمن واضحًا ومحدّدًا، ولا تزال القيادات اليمنية تؤكّـد أنها لا تستهدف سوى السفن المتوجّـهة لموانئ الاحتلال الصهيوني، وأن توقف هذه العمليات مرهون بإدخَال الغذاء والماء والدواء للمحاصَرين في قطاع غزة، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كعادتهما تعملان على تحويل أزمة دولة الصهاينة إلى أزمة دولية، ودفعتا الكثير من شركات الشحن العالمية -غير المستهدفة- إلى وقف رحلاتها في البحر الأحمر واتِّخاذ مسارات بديلة، ومن بين هذه الشركات “بريتش بتروليم BP” النفطية، وبحسب إحصاءات أُورُوبية، فَــإنَّ الشركات التي حولت مسار سفنها تسيطر مجتمعة على نحو نصف سوق شحن الحاويات في العالم.

وكانت شركة النفط والغاز النرويجية “إكوينور” أعلنت الاثنين، أنها أعادت توجيه “بضع سفن” تحمل النفط الخام والغاز البترولي المسال بعيدًا عن البحر الأحمر. ورفضت الشركة الإفصاح عن عدد هذه السفن.

كما قالت شركة ناقلات النفط البلجيكية “يوروناف” إنها تتجنب البحر الأحمر حتى إشعار آخر.

وأجبرت العديد من الشركات على إعادة التفكير في علاقاتها مع كيان العدوّ؛ إذ قالت شركة إيفرغرين التايوانية، الاثنين، إنها قرّرت التوقف مؤقتاً عن قبول شحنات إسرائيلية.

وفي حين يتكبد كيان العدوّ خسائر فادحة بسب العمليات البحرية اليمنية، لا تزال التداعيات في القارة الأُورُوبية والعالم ضئيلة ومحدودة، فالارتفاع في سعر النفط لم يتجاوز عتبة 1.8 $ ليصل إلى 77.95$ للبرميل، كما ارتفع سعر الغاز في بريطانيا نحو 8 %.

ومن المرجح أن التحالفَ الذي شكّلته الولايات المتحدة “لحماية التجارة العالمية وحراسة الرخاء العالمي” لن يثمر سوى الخراب.

 

صحيفة المسيرة: عباس السيد

قد يعجبك ايضا