القدس ركيزة المشروع القرآني الحضاري وبوابة النصر الإلهي
إبراهيم محمد الهمداني
إن حضور قضية القدس في المشروع القرآني، لم يكن حضورا عابرا أو شكليا أو هامشيا أو تقليديا، وإنما كان حضورا مركزيا فعليا حقيقيا، وكان تبنيها موقفا إيمانيا نابعا من صميم الدين، ومن حقيقة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وطبيعة الاستجابة الفعلية لأوامره ونواهيه جل وعلا، ولا تكاد تخلو ملزمة من ملازم هذا المشروع العظيم، إلا وقضية القدس حاضرة فيه، سواء من حيث التموضع الوجودي، أو من حيث تجسد صورة الصراع العالمي، بين أولياء الله وحزبه، وأولياء الشيطان وحلفه، وهو ما يبدو جليا في طروحات كثير من الملازم، من “يوم القدس العالمي”، إلى “من نحن ومن هم”، إلى “اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا”، إلى “لتحذن حذو بني إسرائيل”، وغيرها وغيرها كثير، حيث قدم الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي – رضوان الله عليه – أوضح الصور والشواهد، لطبيعة الصراع من اليهود وطبيعة دورهم التضليلي الإفسادي، وخطورة توليهم وتصديقهم والركون إليهم، وكيفية معاملتهم، واستراتيجيات مواجهتهم، وإفشال مؤامراتهم ومخططاتهم.
لذلك يمكن القول إن العدوان الصهيوسعوأمريكي على اليمن، بكل مظاهره وجرائمه ومجازره، كان بمثابة الثمن الباهظ، الذي دفعه اليمنيون مسبقا، على مدى تسعة أعوام، نظير موقفهم المبدئي والثابت، من قضية فلسطين أرضا وإنسانا، ذلك لأن ارتباطهم بالقضية المركزية المحورية، لم يكن من قبيل التعاطف الإنساني، أو التعصب القومي فقط، بل كان أداءً للواجب الديني أولا وقبل كل شيء، كونها تمثل الركيزة الأساس، في المشروع القرآني العظيم، الذي أعاد الشعب إلى مساره الإيماني الأصيل، وأعاد للدين قيمته الاعتبارية والروحية، وأكد على طبيعة المسئولية، وحقيقة الاستخلاف الإلهي، وطبيعة الصراع الأزلي، ضد قوى الشر والاستكبار والضلال، الذين نص عليهم الله سبحانه وتعالى بقوله:- “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا”، وهو أعلم بهم منا، حيث يقول جل وعلا:- “والله أعلم بأعدائكم”، ونهانا عن موالاتهم أو التقرب إليهم، أو مودتهم في أي صورة من الصور، أو تحت أي ذريعة من الذرائع، فقال وهو الحكيم العليم:- “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين”.
كانت القدس ومازالت هي ركيزة المشروع القرآني الحضاري، الذي تشرَّبه اليمنيون واعتصموا به، فاستعادوا هويتهم الإيمانية، ودورهم الريادي، وحققوا به انتظارهم الخالد، على قوى تحالف العدوان والحصار العالمي، حيث ترجموا مفردات ذلك المشروع العظيم، اعتقادا وسلوكا، ولم ينسوا القدس أو يتخلوا عنها، حتى وهم يخوضون أشرس المعارك، ويقاسون أسوأ الظروف والصعوبات، مؤكدين في كل مناسبة وموقف وحادثة، أن القدس هي البوصلة، وأن الكيان اليهودي الصهيوني الغاصب، هو العدو الأول، ومن خلفه أمريكا وأخواتها، وأن تحرير القدس وفلسطين قاطبة، هي مسئوليتهم الأولى، وغايتهم العظمى، التي لا يثنيهم عنها أي شيء.