فاتورة الكيان اليومية للحرب تتصاعد: الاقتصاد يتراجع وقطاع التكنولوجيا الأكثر تضررًا
||صحافة||
مع استمرار الحرب الدموية على غزة، بدأت الانعكاسات السلبية تظهر على الاقتصاد الإسرائيلي الذي تعرض حتى الآن لصدمة وخسائر فادحة، خصوصًا بعدما ارتفع حجم الإنفاق والاقتراض الحكومي، فيما انخفضت عائدات الضرائب، فضلًا عن إمكان تأثر التصنيفات الائتمانية.
ما هي تكلفة الحرب على “إسرائيل” حتى الآن؟ وكم تقدر الفاتورة اليومية؟
تتباين الأرقام الاقتصادية بشأن الحرب على غزة. ففي حين يقدر اقتصاديون أجرت معهم صحيفة “واشنطن بوست” مقابلات أن الحرب كلفت الحكومة نحو 18 مليار دولار – أو 220 مليون دولار في اليوم، كشف قسم الأبحاث في “بنك إسرائيل”، أن نفقات الحكومة للحرب ستصل إلى نحو 163 مليار شيكل (نحو 44 مليار دولار).
ووفقًا لـ”بنك إسرائيل”، من المتوقع أن تبلغ تكاليف ميزانية الحرب (النفقات + خسارة الدخل) 198 مليار شيكل (نحو 53 مليار دولار) – أي نحو 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك من المرجح أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، في عامي 2023 و2024، ما بين 63٪ و66٪ على التوالي. ويرجح “بنك إسرائيل” أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي – من توقعات النمو بنسبة 3% في العام 2023، إلى 1% في العام 2024، كما يتوقع بعض الاقتصاديين أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي انكماشًا حادًا.
على المنوال ذاته، أجرى نائب محافظ “بنك إسرائيل” السابق والخبير الاقتصادي في جامعة “رايخمان” زفي إيكشتاين مؤخرًا مسحًا للأرقام مع زملائه، كاشفًا أن التأثير على ميزانية الحكومة – بما في ذلك انخفاض عائدات الضرائب – للربع الرابع من العام 2023، بلغ 19 مليار دولار، ومن المحتمل أن يصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من العام 2024.
وعلى ذمة صحيفة “كالكاليست” المالية، في حال استمرت الحرب من خمسة إلى عشرة أشهر أخرى، يمكن أن تكلف كيان العدو ما يصل إلى 50 مليار دولار، وهذا يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان.
لكن مهلًا، هذه الأرقام تفترض أن الحرب لن تمتد إلى لبنان. غير أنه في حال اندلعت حرب أوسع مع حزب الله، فإنّ السؤال حينها سيكون: هل سيبقى اقتصاد إسرائيلي أصلًا؟
علاوة على ذلك، تدفع “إسرائيل” تكاليف قوات الاحتياط والصواريخ والقنابل والرصاص، إضافة إلى تبنيها أيضًا 200 ألف شخص أُجليوا من المستوطنات على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان، والتي يستهدفها حزب الله يوميًا؛ حيث يجري إيواء العديد من هؤلاء الأشخاص في فنادق في الشمال والجنوب على نفقة الحكومة. والأكثر أهمية أن الكثير من هؤلاء مصابون بصدمات نفسية، وعاطلون عن العمل.
ما هي القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا في الكيان الغاصب؟
الارتدادات الناجمة عن الحرب طالت مختلف القطاعات الاقتصادية في الكيان. لكن قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة – محرك الاقتصاد – كان أكثرها تأثرًا ومدعاةً للقلق في “تل أبيب”.
أما سبب ذلك فيعود إلى كون العديد من جنود الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي يعملون في قطاع التكنولوجيا. وبالتالي فإنّ كل يوم يقضونه في جحيم غزة، يدفع أصحاب العمل الصهانية إلى المكافحة لمواصلة الاستثمار في البحث والتطوير للحفاظ على حصتهم في السوق.
وانطلاقًا من هذه النقطة، أنفقت “إسرائيل” أموالًا طائلة على نشر أكثر من 220 ألف جندي احتياطي في المعركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ودعمت رواتبهم. العديد من هؤلاء الاحتياط هم عمال في مجال التكنولوجيا التي تشمل: الإنترنت والزراعة والتمويل والملاحة والذكاء الاصطناعي والأدوية والحلول المناخية.
إضافة الى ذلك، يعتمد قطاع التكنولوجيا في الكيان على الاستثمار الأجنبي الذي كان يتضاءل حتى قبل الحرب، ويعود ذلك جزئيًا إلى القلق بشأن عدم الاستقرار الذي يعتقد المستثمرون أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية، جلبته إلى “إسرائيل” قبل الحرب. وعليه، ثمة مخاوف في الكيان من أن تؤدي الحرب أيضًا إلى هروب “شركة إنتل” التي كانت قد أعلنت قبل عملية طوفان الأقصى عن إنشاء مصنع للرقائق بقيمة 25 مليار دولار، في جنوب فلسطين المحتلة، وهو أكبر استثمار على الإطلاق لشركة في الكيان.
ماذا عن قطاع السياحة والبناء؟
أدت الهجمات الصاروخية للمقاومة على المستوطنات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية المحتلة إلى توقف النشاط السياحي فيها، خصوصًا شواطئ “تل أبيب” والبلدة القديمة في القدس التي أصبحت خالية من الأجانب، بعدما أُلغيت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة هذا العام.
وبالمثل، جُمدت أعمال البناء التي تعتمد عادة على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية. فمنذ أن شرعت “إسرائيل” بمحرقتها على غزة، قامت بتعليق تصاريح العمل لأكثر من 100 ألف فلسطيني.
وليس بعيدًا عن ذلك، انخفضت الصادرات في جميع المجالات. كما جرى إيقاف الإنتاج من حقول الغاز الفلسطينية المنهوبة إسرائيليًا في البحر الأبيض المتوسط في وقت مبكر من الحرب، غير أنها تعمل جزئيًا الآن.
في هذا السياق، يشرح الأستاذ في كلية أونو الأكاديمية يارون زليخة، وهو خبير اقتصادي سابق في وزارة المالية الإسرائيلية، الآثار المترتبة على الحرب بالقول: “هناك تكلفة لشن الحرب مثل الانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي وما نتج عنه من انخفاض في الإيرادات، وهذا بدوره سيفاقم العجز في الإنفاق وتكاليف الاقتراض التي سوف تؤثر على الميزانية لمدة طويلة بعد توقف إطلاق النار”.
ما هو رأي المستوطنين؟
أظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة “لاتيت الاسرائيلية” أن 45% من الصهانية يعترفون بالقلق من أن الحرب ستجلب لهم صعوبات اقتصادية. بالمقابل، أوضح اقتصاديون أن هجمات حماس كانت كارثة، إلى حدّ أنّها أدت إلى تآكل ثقة المستوطنين والشركات والمستثمرين في الحكومة والجيش، وأن هذه الثقة سوف تستغرق وقتًا لاستعادتها.
ولهذه الغاية، قال ميشال دان هاريل المدير الإداري لشركة Manpower Israel أكبر وكالة توظيف في الكيان الغاصب إن: “الاقتصاد الإسرائيلي شهد صدمة مماثلة في ذروة جائحة كوفيد-19”. وتابع “لقد توقفت أجزاء كبيرة من الاقتصاد لمدة أسبوعين تقريبًا، كان الناس في حال صدمة، وكل يوم ينكشف حجم الأزمة”.
في المحصلة، يعوّل الاقتصاديون الصهاينة على الدعم الأمريكي لمواجهة المصاعب الاقتصادية المنتظرة، ويصفونه بأنه “حاسم”، لأنه إذا وصل الإنفاق على الحرب برأيهم إلى نحو 150 إلى 200 مليار شيكل، فإنّ مبلغ 14.3 مليار دولار(المساعدة الأمريكية المقررة لإسرائيل) أي نحو 50 مليار شيكل ــــ العالقة في أدراج الكونغرس حتى الساعة ـــ سيغطي ربع تكاليف الحرب عندما يُفرج عنه.
العهد الاخباري: د. علي دربج – باحث وأستاذ جامعي