العجز الأمريكي في باب المندب
||صحافة||
أعاد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التذكير مرارًا في خطاباته طوال العام 2023 –بالذات- على واجب مكافحة حديث اليأس المنتشر بين صفوف الأمة. لم يتوقف سماحة الأمين في أي وقت عن تذكيرنا –نحن- بالدور الإيماني والجهادي الذي يجب أن يكون عليه الفرد المقاوم، مبشرًا دائمًا بالنصر الحتمي للمؤمنين، وفي الوقت ذاته، يحاول أن يوجّه ويحشد القيم الثورية العظمى للتاريخ والثقافة العربية والإسلامية في ثقل روح المجاهدين، عن طريق ربطنا بطريق انتزاع الحق والطلب الدائم والمستمر بالثأر من كل متجبر مجرم.
لا يبدو أن العالم العربي قد عاين شيئًا مماثلًا من قبل. معركة كبرى لا تستهدف الوكيل وفقط، لكنها في القلب منها معركة تحرر العالم العربي من الهيمنة، معركة تحرير الإرادة الإنسانية للعربي، وهذه المعركة في نتائجها واصلة إلى أبعد من جبهات القتال المشتعلة، فهي ستمثل أول شروط كسر قضبان السجون الفولاذية التي ترزح تحتها شعوب عربية أخرى، ساقطة في فخ العجز والاستسلام لصبيان السفارات الأميركية الحاكمين في عواصمها.
هذا ليس تحليلًا مبالغًا في تفاؤله، ولا ذهابًا بالآمال إلى أقصى ارتفاع لها، هذا بالضبط هو مستوى إيماننا بالمحور، وبسماحة سيد الوعد الصادق، هذه هي تجربتنا الملهمة مع اليمن العزيز، ورهاننا على المقاومة العراقية البطلة، وهذه هي ثقتنا في وعد الله وثقتنا التي لا تنهدّ في دماء الشهداء وسواعد أبطال الأمة وأهل عزها وفخرها.
وإن كانت هذه هي أمنية عربية في المقام الأول، إلا أن البعض ما يزال أسيرًا للخطاب الإعلامي المكثف لبعض الأنظمة الساقطة، وهو خطاب يدعو الأمة للانحناء أمام العواصف، والزحف أرضًا أمام الخطر، لا يحمل هذا التصرف سوى الخسة والجبن، ولن يورّث إلا العار، ولن يحول الشعوب التي تقبل به إلا إلى هنود حمر جدد، يسلّمون إرادتهم ثم أراضيهم، وفي الأخير يحصل المستعمر الأبيض على أرواحهم.
ضابط الاستخبارات الأميركي السابق سكوت ريتر، يعرف جيدًا طبيعة علاقات المصالح القذرة الراسخة بين إمبراطوريات المال وعمالقة صناعة السلاح ومدى سيطرتها على القرار في البيت الأبيض تحت قيادة عجوز خرف، وكذلك يعلم قدرة “مجمع المصالح الصناعي العسكري” على توجيه القرار الأميركي، وصولًا إلى توريط بلاده في حروب بلا فائدة حول العالم.
اكتسب ريتر شهرته من معارضة قرار بلاده بالتدخل في الحرب الروسية – الأوكرانية، وكان على قناعة أن الولايات المتحدة الأميركية “عملاق مصاب بالشلل” –بتعبير الرئيس الأسبق نيكسون – ورأى أن بداية الهزيمة في فيتنام، وأن الولايات المتحدة قد بلغت حدًا يجب معه إعادة النظر في سياساتها، وعدم التورط في حروب كبيرة سـ”تكشف عجزها” وستسرع بالتالي من سقوطها المدوّي، ولعل صدق توقعاته وقراءته الصحيحة لتطورات عملية روسيا في أوكرانيا تضيف لحديثه عن الحرب الحالية كثيرًا من الأهمية.
قال ريتر في مقابلة عبر “Breaking News” إن التداعيات التي حدثت في الشرق الأوسط، ونحن مقبلون على العام 2024، توضح أن تدخل حزب الله في الصراع كان ذكيًا جدًا، وأعاد التذكير بوصفه لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله أنه “خطاب إدارة التصعيد”، وقال إن حزب الله دخل القتال بطريقة مدروسة.
وأشار ريتر الى أن: “حزب الله أراد إبقاء القضية الفلسطينية هي مركز الصراع وبؤرته الساخنة، وفرض على العالم فرضًا وضعها أولويةً للحل، بينما كان يفكر الكيان في توسيع الصراع في المنطقة، وحين يحدث هذا ستعود فلسطين إلى مؤخرة الاهتمامات”.
أضاف سكوت ريتر أن: “الإدارة الذكية للتصعيد من حزب الله قد كبّلت نصف البحرية الإسرائيلية، وثلثي سلاح الجو، وربع قوات الجيش، كما أجبرت 70 ألف مستوطن على الهروب من الحدود الشمالية، وهذا وضع أعباء إضافية ضخمة على الاقتصاد الصهيوني”، وتابع: “إنهم يهينون الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر، يوميًا على الحدود.. حماس لديها أنفاق، لكن حزب الله لديه أنفاق أفضل وأطول وأعمق، وعندما يقرر حزب الله أخذ شمال “إسرائيل” فلن يستطيع الجيش فعل شيء لمنع ذلك”؛ بحسب تعبيره.
وعن اليمن، قال ريتر إنه: “منذ البداية دخلت جماعة أنصار الله إلى الحرب ضد الكيان دعمًا لغزة، وقال متحدثهم العسكري سنغلق مضيق باب المندب والبحر الأحمر”، معلقًا: “هل كان أحد يصدق ذلك؟ إغلاق أهم ممر بحري في العالم وحصاره والتأثير على قناة السويس؟ الولايات المتحدة بالرغم من إرسال سفنها وبوارجها إلى البحر الأحمر فإنها لن تستطيع فعل شيء أمام اليمن”.
ورأى أنه: “من وجهة نظر عسكرية فإنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى تأمين المضيق البحري الحيوي إلى وضع 40 ألفًا من مشاة بحريتها على الأرض.. ليس لدينا 40 ألف جندي من مشاة البحرية لنضعهم هناك أمام 100 ألف مقاتل من أنصار الله، لن نتمكّن لو حشدنا العدد المطلوب من أن نتغلب عليهم.. تحاول السعودية منذ العام 2014 عن طريق الطائرات الأميركية والقنابل الأميركية وباستخدام الاستخبارات الأميركية القضاء عليهم، وفي النهاية تسببت تهديدات أنصار الله بوقف الحرب، بفعل قدراتها على تدمير حقول “أرامكو” لإنتاج النفط السعودي”.
وأوضح أن: “الولايات المتحدة أرسلت أحدث سفنها مثل المدمرة “يو إس إس كارني”، وهي تحمل أنظمة اعتراض صاروخية، وتحمل 90 صاروخًا “SM-2″ وتكلفة الصاروخ الواحد منها بين 1.1 و4 ملايين دولار، وأمامها آلاف من الصواريخ الرخيصة والطائرات المسيّرة بالمقابل، التي تكلف من ألفي إلى خمسة آلاف دولار، وأميركا لا تستطيع حتى قتال أنصار الله لأن عجزها سينكشف أكثر، وستفقد هيبتها العسكرية أكثر وأكثر، وقواتها البحرية موجودة للاستعراض في باب المندب، والصراع الحالي فضح أن جيشها متقادم، وسلاحها الذي كان الأفضل والأكثر تطورًا لا يصلح للقتال ضد الأدوات الحديثة، الذكية، الفعالة والرخيصة”.
ووصل ريتر إلى خلاصة حديثه، وهي أن الولايات المتحدة كان لديها التزام بفتح مضيق هرمز، وضمان فتحه دائمًا، وأنها تعهدت بحال إقدام إيران على إغلاق المضيق فإنّ الأسطول الأميركي الخامس سوف يتدخل فورًا، وأضاف “قالوا إن الأسطول سيحافظ على فتح هرمز، تبين الآن أنها كذبة أخرى، نعم لأننا لا نستطيع التغلب على الحوثي، ونحن على يقين أننا بالتالي لن نستطيع التغلب على إيران، ودول الخليج التي ترى ذلك ستعيد صياغة استراتيجياتها وتحالفاتها، بعد أن تبين لها عمليًا عجز الولايات المتحدة عن تغطيتهم”، بحسب تعبيره.
العهد الاخباري: أحمد فؤاد