من شمال غزة إلى رفح: عوار المعايير الغربية واختلال المنظومة العربية

 

يحيى الشامي

رُفِعت الصحف ولم ترفع الجثث في غزة، جفّت الأقلام ولم يجف الدم النازف على المذبح الفلسطيني حيث لا يقابَلُ إيغالُ “إسرائيل” بالدمِ إلا إغراقَ العرب في الصمت .. إلا من بيان عربي هزيل ،  صمتٌ لا يستفزُّه ضجيجُ الدبلوماسية الغربية، وغياب لا يردّه تردّدُ قادة الغرب على “إسرائيل” وترديدهم على مسمع العالم كل يوم وكل ساعة في كل محفلٍ : (ل”إسرائيل” حق الدفاع عن النفس؛  وليس عليها في الفلسطينيين من سبيل.)

كان يصح القول إن العرب متماهين مع المجزرة الصهيونية في غزّة بتوقيت اليوم الثاني منها، لكن وقد بلغ الدم الزبى بعد اليوم العشرين بعد المائة يصح بل يجب القول إنها الخيانة في أقبح صورة الشراكة، وإلا ماذا بعد الثلاثين ألف شهيد الا الإبادة ، وماذا بعد رفح الا التهجير وافراغ القطاع من أهله بالجوع و القنابل والعطش مليون و٣٠٠ ألف في ٢٧كم² (٢٧ الف نسمة في رفح) كل رصاصة تطلقها “إسرائيل” تقع على لحم  وكل لقمة ترميها مصر تصل فاه جائع

تعرف “إسرائيل” ماذا تريد وما تريده تعلنه وتفعلُه بلا خشية من أشقاء غزة ولا حرجٍ من القوانين الدولية والإنسانية، والإنسانيةُ وفق المنظور اليهودي حكراً على أتباعهم لذا فـ”إسرائيل” وهي تبيد حين تقتل هي ملتزمة حرفياً بالقانون الدولي و تحديداً الدولي الانساني منه، طالما أن من تبيدهم بالقنابل والجوع ليسوا بشرا .

تفهمنا هذه العقلية سلوك الإجرام الصهيوني خلال 127 يوماً في غزة،  لكن أي عقيدة تلك التي تفسر تخاذل العرب!! ما بالُ الأقارب صاروا الأبعد عن غزة والأقل اكتراثا بها، ما بال أخوةِ الضاد أضداداً لا أعضاد، ما بال أبناء الشعائر الواحدة ينظرون بلا مشاعر!! وتعجز المجازر عن أن تهز فيهم الضمائر، فلا تفزع ولا تجزع ولا تقرع طبول الحرب وقد كان أجدادهم يقرعونها لناقة أو بعير أو جمل.

رفح المجزرة الأكبر:

كل المجازر تؤدي إلى رفح كل الطرقات توصل النازحين إليها من الشمال والمدينة والوسط،

تقول إحصاءات الأمم المتحدة إن عدد النازحين في رفح يتجاوز المليون بثلاثمائة فلسطيني بمتوسط ١٧ ألف فرد في الكم² الواحد!! بمعنى أنّ كل رصاصة يطلقُها العدوُ الإسرائيلي تقع في لحم فلسطيني، وأنّ كل لقمة ترميها مصر تصل فاه جائع نازح!.

تتذرع “إسرائيل” بوجود أربع كتائب للقسام تقول إنها لا تزال في رفح، وتتهيأ لإطلاق عملياتها فيها بذريعة ملاحقتها وسحقها لإتمام النصر المزعوم  ، من وجهة نظر الصهاينة فكل غزة هي حماس وهدف الحرب هو القضاء عليها، وبالتالي فإن كتائب القسام الاربع مجرد ذريعةٍ تبرر بها  “إسرائيل” مجزرتها القادمة في رفح، وماذا بعدُ رفح!

 

-الغرب لا يُلام فهو يدافع عن بعضه:

غزة تهتكُ أستارَ الإنسانية المغطية على عورات الغرب، لا شيء بعد غزة يمكنُه أن يسترَ هذا القبح الغربي وقد بدى على قدرٍ من الفظاعة والفضاضة والفجاجة بما طفحت به الموازين وكلّت عنه التعابير.

الدرس المستفاد تقول غزة إن الغرب الساقط بالتجزئة يسقط اليوم دفعة واحدة؛ أو هم بالأحرى يقفون بثقلهم وأثقالهم للحيلولة دون سقوط “إسرائيل” وعزاء غزة أن سقوط الغرب أخلاقياً يجري أمام أعظم تعاطف دولي وحشد بشري تشهده القضية الفلسطينية، ترى شعوب العالم الفريقين بعينٍ معافاة من عمى الغرب خارج أسر سرديته المكذوبة.

أما الغرب وهو يرتص خلف العدو الإسرائيلي على هذا النحو غير المسبوق هو فقط ينشدُ إطالة عمر “إسرائيل”  القصير شفقةً عليها وهي تصارع الموت المحيط بها بالقتل الذريع بحق الفلسطينيين .. أما المشهد بأبعاده فيوحي بعجز الغرب عن درء الموت عن زرعه القديم وقد حان زواله.

“إسرائيل” حارس مصالح الغرب في المنطقة:

رهن دورها الوظيفي تبقى “إسرائيل” كأداة لحماية مصالح الغرب أو كما يصفها المفكر العربي الراحل د المسيري بأنها “وسيلة لتاديب العرب” وهي اليوم تتحول الى عبءٍ حضاري لا يقوى على البقاء بغير حبل وحيل الغرب؛  يدوس الأخير مندفعاً لحمايتها القانون الدولي وقواعد القانون الدولي الإنساني واعرافه، كلها بلاقيمة حين يتعلق الأمر ب”إسرائيل”.

يعمى أو تتعامى الرواية الغربية عن جذور القضية الفلسطينية، وتجتزأ سبع عقود من الكفاح الفلسطيني وتكتفي برواية السابع من أكتوبر وفق السردية الإسرائيلية يردد الكذبة ويعمم الحكم لإسرائيل أن تدافع عن نفسها ولو اقتضى أن يُبيدَ سكّان مدينة بأكملها وأن تمحوها من الخارطة؛ وقد ساعدها وشجعها أنها لم تجد أمامها سوى عرب مدجّجين بخريطة الطريق وممسكين بخطط السلام .. فمن يوقف “إسرائيل” من ؟!

تقودُنا أرقامُ الشهداء المحفورة بآلة القتل الامريكية وترسانة الحرب الغربية في غزّة إلى جوهر الغرب – المتحضّر زعماً- فيتكشّف على حقيقة حقده وعقده عارياً إلا من سوءاتٍ وسيئاتٍ بعضها فوق بعض.

هكذا هو العالم الحر، وقد تحرر من قيد الضمير وضوابط العرف الانساني هو هو.. بليببراليته وبلا رتوش الديمقراطية وشعارات الحرية  تنبئُنا أشلاء غزة كيف نزع العالمُ المسمّى بالحر ضميرَه فلم يعد مستتراً بالشعارات ولا متصلاً بالحقوق ولا مبنيا على المنظومة الأخلاقية المنسوبة.

وتخبرنا كيف كفر الغرب بصنيعته (الديمقراطية) ودعاياته التحررية ومصفوفته الحقوقية وقد كان ألزم العالمين بها وقاتلهم لأجلها .. هو ذا اليوم لا يرى الدماء سواء!!

يقول منطق أنظمة الكفر المزدوجة إن هذا محتل مختل إنسانيا وايديولوجياً يدافع عن نفسِه بكل قوة – يقول الغرب – وله كامل الحق  .. وصاحب الأرض إرهابي لاحقّ له في الدفاع ولا دافع عنه الموت  لا يستحي الغرب فيدع “إسرائيل” تصنع ما تشاء، يقول الكتّاب وقراء التاريخ إن رائحة حقدٍ صليبية، تفوح من كواليس الصهيونية إذ يأتمرون على ما هو أكبر من غزة ..  ولعلهُ عوار أصاب الإنسانية في مقتل من ضميرها وعارٌ ما أعجز عالمنا التعافي منه.

غزة معزولة كما خططت “إسرائيل”

أشبه بصوت غزة المدوي وسط خواءات المواقف العربية تشحبُ أصوات الباحثين عن ناجين تحت الانقاض دون جدوى، إلا أن تدلهم الروائح وتخبرهم بهويات الشهداء أسماؤهم المكتوبة على اشلائهم.

دفن الغرب ضميره تحت أكوام مجازر غزة؛ فمتى تدفن غزة ضحاياها متى والوقت كله غارات، أما أين فالمدينة كلها مقابر .. وأهلها بانتظار الدور القادم، أما الأنظمةُ العربية فيبدو أنها فعلاً تنتظر لحظة إعلان ” إسرائيل” القضاء على المقاومة!!

قد يعجبك ايضا