الفارق الحقيقي بين الوعد الإلهي والوهم الشيطاني

موقع أنصار الله – صنعاء – 15 رمضان 1445هـ

يواصل السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” الحديث في المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة على ضوء الآيات المباركة من سورة الأعراف، والتي ذكر الله فيها قصة آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، وتضمنت الكثير من الدروس والعبر المهمة، ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}، يؤكد السيد القائد أنه بعد أن أوقع ابليس آدم  وحواء “عَلَيْهما السَّلَام”، في خطر المخالفة للنهي، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بأن يقربا تلك الشجرة، فقد وقعا في المشكلة، وأدركا أنهما وقعا في مشكلة كبيرة فتابا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله هداهما للتوبة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،فهما رَجِعَا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهما يشعران بالندم، وبالتقصير، وبالخطأ.

ويبين السيد القائد الفارق الحقيقي بين الوعد الإلهي والوهم الشيطاني، فالشيطان يقدم للناس وهماً وغروراً: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}، أمَّا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيعدنا الوعد الحق، ويُنعم علينا بالنعم، ويُقَدِّم لنا ما يسمو بنا في إنسانيتنا، لنرتقي، ونحظى بالتكريم، ونحظى بالقيمة الإنسانية والمعنوية العالية.

يؤكد السيد القائد أن الإنسان بالمعصية هو لا يضر الله بشيء، فهو يظلم نفسه، وما يترتب على المخالفة والمعصية من آثار وأضرار، تتحقق ابتداءً من لحظة وقوع الإنسان في المخالفة أو المعصية، ويبين أن الخسارة هي الثمن الحتمي للمعصية، والنتيجة المترتبة عليها حتماً.

وفي هذا السياق، يؤكد السيد القائد أنه لا صحة أبداً لما هو عند اليهود من مزاعم وتحريفات أنَّ حواء “عَلَيْهَا السَّلَام” هي التي قامت بالدور المباشر في الإغواء لآدم، والإقناع له بالمخالفة، وأنَّ الشيطان عندما عجز عن التأثير على آدم تحوَّل إليها، فأثَّر عليها وأقنعها، ثم قامت هي بإقناع آدم، والإيقاع به في المخالفة، ويبين أن ليس ذلك صحيحاً، وهو من خرافات اليهود، وأنهم قدموا في فلسفتهم، وفي رؤيتهم، وفي ثقافتهم نظرة مسيئة للغاية إلى المرأة وإلى دورها، واشتغلوا بناءً على ذلك، حتى في مساعيهم الدائمة لإغواء المرأة، والاستغلال لها لإغواء المجتمعات الأخرى، يعود ذلك إلى رؤية فاسدة لديهم وباطلة.

وبعد هذه المغفرة، يؤكد السيد القائد أنه لم تعد المسألة كما كانت؛ لأن الآثار المترتبة على المخالفة قد أصبحت لابدَّ منها، {قَالَ اهْبِطُوا}، وأن بعضٍ الآثار المترتبة لتلك المخالفة وهو الهبوط من تلك الجنة، والخروج منها، وأن الله يأمرهم بالهبوط جميعاً، يأمر آدم وحواء، ويأمر الشيطان أيضاً: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ولذلك أصبحت مسألة العداوة مسألة لا فكاك منها؛ لأن الشيطان هو في واقع الحال عدوٌ مُبِينٌ، شديد العداء، وحاقدٌ جداً لآدم وحواء، ولذريتهما، وأصبح الصراع حتمياً، أصبح جزءاً من الواقع، ولا مفر منه ولا مناص منه؛ لأن الشيطان هو يحمل عقدةً شديدةً وعداوةً شديدة للإنسان ليس فيها مصالحة، وليس فيها هدنة، ولا وقتٌ محددٌ فقط، بل يستمر ما دامت الحياة هذه موجودة.

ويؤكد السيد القائد أن آدم وحواء هبطا واستقرا في الأرض، وقد أخذا تجربةً مريرة، تجربةً جعلتهما في حالة من اليقظة، والانتباه، والحذر الشديد من الشيطان الرجيم، ولكن الشيطان اتَّجه إلى ذريتهما؛ ولهذا يتوجَّه الخطاب لذريتهما: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.

ومن قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} يؤكد السيد القائد أن الشيطان يريد أيضاً أن يجرِّدكم من كل شيء، ويريد أن تكونوا كبقية الحيوانات، لا قيمة لكم، لا تتميزون بهذه الميزة الرائعة، التي هي من أجل تكريمكم، ويريد أن يلطِّخكم بالأعمال الدنيئة، والتصرفات الرذيلة والسيئة، التي تترتب عليها أضرار عليكم، ومخاطر عليكم، ويريد أن يهبط بكم عن مرتبة التكريم، التي منَّ الله بها عليكم.

ويؤكد السيد القائد أن الشيطان أصبح له جنود وأعوان كُثُر، وقد يكونون بالملايين، وينتشرون في شتى أقطار الأرض لاستهداف الناس، ويبين أن البعض من الناس قد لا يتنبه أنه قد يكون إلى جانبه شيطان، أو أكثر، ويوضح أن المعصية تأتي تجاه الأمر الإلهي، وتجاه النهي الإلهي وأن كثيرٌ من الأعمال السيئة، والتوجهات الخاطئة، سواءً التي يُقْدِم بها الإنسان تكون على شكل معصية معينة في انتهاك لمحرمات، أو في تقصير الإنسان في أعمال ومسؤوليات، أو يخلُّ بشيءٍ من أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ومن قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} يبين السيد القائد أن الشياطين يعتمدون على الوسوسة للإنسان، والإنسان لا يراهم، وأنه قد يتصور أنه صاحب توجُّه خالص، ولم يخضع فيه لتأثير الشياطين؛ لأنه لم يرهم، والواقع مختلفٌ تماماً، ويؤكد أن هناك نقطة هامة جداً هي أنه مهما كانت طريقة الشياطين وإمكاناتهم في الوسوسة بالنسبة للإنسان، والتأثير على الإنسان، فلا تصل إلى درجة أن تسلبك قدرة اتخاذ القرار الصحيح، والتماسك في الاتجاه الصحيح.

ويبين السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قدَّم ختاماً مهماً لهذا الدرس، بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}، وأن الإيمان الواعي، والراسخ، والصادق، هو صلة يصلنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونحظى من خلاله برعاية الله، بتوفيقٍ من الله، وبرعايةٍ واسعة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، ويجعل لنا فرقاناً، ويساعدنا، ويثبتنا في اللحظات الصعبة والحرجة، ويبين أيضاً أن البرنامج الإيماني فيه تزكية للنفس، وكلما زكت نفس الإنسان؛ كلما ارتقت عن المؤثرات التي يستغلها الشيطان ضد الإنسان.

ويؤكد السيد القائد أن التقوى توجد عند الإنسان حالة توازن، وحالة ضبط للشهوات والغرائز؛ وبالتالي تساعد الإنسان على الاستقامة في واقع الحياة التي تجعل الإنسان بعيداً عن الكثير من المزالق؛ لأن مما يؤثَّر على الناس، هي: الأجواء التي توجد فيها خطوات للشيطان، ولذلك فإن الجانب الإيماني فيه أشياء كثيرة تساعد الإنسان على الاستقامة، إضافة إلى أنَّ الإنسان يكتسب في إطار البرامج الإيمانية- ومنها: الصيام- قوة العزم، وقوة الإرادة، والتوازن في مسألة الغرائز والشهوات؛ ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} ويقول: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}.

 

قد يعجبك ايضا