‏ افتقادنا للثقة بالله هي وراء حالة اللاوعي المنتشرة في أوساطنا

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم – أيها الإخوة – ورحمة الله وبركاته

أتشرف بالجلوس معكم، شرف عظيم لنا أن نجلس في بيت من بيوت العلم، ومع شباب هم معلمون، وطلاب علم.

ونحن كطلاب علم تحدثنا كثيراً حول هذا الموضوع، ولكن مهما كان الحديث كثيراً فإن الحديث لا ينتهي، الحديث حول طالب العلم، وحول العلم، وواجب طالب العلم، وماذا يعني العلم، وما دور العالم، وكيف تكون نفسية العالم، وكيف تكون اهتماماته، حديث واسع جداً، واسع جداً ينتهي في الأخير إلى قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب: من الآية39) هذه غاية العلم، وغاية طالب العلم، وغاية العالِم.

أن أتعلم ولا يتصل بمعرفتي بالله سبحانه و تعالى وأنا أقول إن من بنود جدول حصصي اليومية مادة تسمى [أصول الدين] يقال عنها أنها أشرف العلوم؛ لأنها تهتم بمعرفة الله سبحانه وتعالى، وعندما أتناول معرفة الله وأجد نفسي في الأخير أخاف من ظلِّي وأنا أحمل علماً، وأنا طالب علم, والمجتمع كله ينتظر من يحمل علماً، ما هي نظرته؟ ما موقفه؟ ما عمله؟.

شيء طبيعي لدى الناس جميعاً، ومعروف في عصرنا هذا أنه يقال: أن الطبقة المثقفة هي الأصل في المجتمع، هي التي يتوقف على نشاطها تغيير وضعية المجتمع أي مجتمع كان، وأي ثقافة كانت, الطبقة المثقفة في المجتمع. ليس هناك أعلى ثقافة من ثقافة القرآن الكريم، وليس هناك أسمى وأسنى غاية وهدفاً من غايات يرسمها القرآن الكريم.

عندما أقول: أنا طالب علم وهاأنذا أقرأ مادة تهتم بمعرفة الله سبحانه وتعالى، ثم أراني في الأخير أضعف نفسية، أضعف موقفاً، أضعف اهتماماً من أولياء الشيطان! إن هذا في المقدمة هو إساءة إلى الله سبحانه وتعالى، في المقدمة إساءة إلى الله أن يبرز أولياؤه, ومن يحملون عناوين مرتبطة به: [معرفة الله]، [دين الله]، [كتاب الله]، [سنة رسول الله]، [رجاء ثواب الله]، [خوف عقاب الله]، أليست كلها عناوين ترتبط بالله في الأخير؟. ثم نجد أنفسنا لا أثر لنا في الحياة, ولا بنسبة يصح أن تُعد نسبة مقارنة بما يتركه أولياء الشيطان من أثر في الحياة!.

لماذا؟ هل لأن الله سبحانه وتعالى الذي نرتبط به بعناوين كهذه هو من لا يمكن لأوليائه أن يكونوا هم الأعلون، أن يكونوا هم الأعزاء، أن يكونوا هم الواعين، أن يكونوا هم الأقوياء، فأنت ارتبطت بضعيف، وارتبطت بمن لا يعرف كيف يوجهك، ارتبطت بمن لا يعرف كيف يهديك! أم أن كل الخلل من عندنا نحن؟.

لا يصح أن يقال في الله سبحانه وتعالى، وهو من وصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:23) هذه أسماء الله الحسنى وصف بها ذاته سبحانه وتعالى.

وكيف وصف الشيطان؟ كيف الشيطان؟. مذموم، مدحور، مطرود، ملعون، ضعيف، {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}(النساء:76)، لكن لماذا نرى أن أولياء الشيطان الضعيف، المدحور، المذموم، الذي لا يمتلك علم غيب، ولا يمتلك جبروت، ولا يمتلك قدسية، ولا يمتلك إلا وسائل بسيطة جداً، هي الوسوسة إلى أوليائه من الجن والإنس.

لماذا أولياء الشيطان هم يبدون في الصورة هم كل شيء في هذه الحياة، كل شيء بأيديهم حتى ثقافتنا نحن بأيديهم، حتى طغى ما يقدمونه هم لنا على ما قدمه الله سبحانه وتعالى لنا؟ أليس هذا إساءة إلى الله، وتصغير لما عظّم الله؟. ما السبب في ذلك؟. هو أننا فعلاً لا نحاول أن نعرف الله بالشكل المطلوب؛ لذا نرى أنفسنا ضعافاً؛ لأننا لا نثق به، لم نصل إلى درجة أن نثق به.

الإنسان بدون الله ضعيف، الإنسان بدون الله – وإن حمل عناوين ارتباط بالله ليس ارتباطاً حقيقياً واعياً – فهو ضعيف، حينها ينعكس ضعفي على كل شيء حتى ما أقدمه باسم الله.

أجمع لي مجاميع من طلاب العلم, وأقدم لهم الدين والعلم، أليس هذا أقدمه باسم الله؟ فينشأون ضعافاً لا وعي لديهم، لا اهتمام لديهم، لا شعور بمسؤولية؛ لأنهم نسخة مني، نسخة أخرى ونسخ متكررة لي، ضعفي ينعكس على أقوالي، ضعفي ينعكس على مواقفي، ضعفي ينعكس بشكل سلبيات تجعلني أجهل الكثير، الكثير مما يدور حولي، وحينها، وفي الأخير نرد اللائمة على الله سبحانه و تعالى نفسه، أنه هو الذي طبع الحياة على هذا النحو بأن جعل الضعف والمصائب, والإبتلاءات الشديدة, والضَّعَة, والمسكنة لأهل الحق، [أهل الحق يكونون عادة ضعافا مساكين لا يستقيم لهم شيء، ولا تجتمع لهم كلمة، والدنيا هكذا حالها لا تسبر ولا تستقيم، والباطل ينتشر فيها!!].

أو يرد باللائمة أيضاً على الناس، أن الناس هم هكذا يقبلون الباطل أكثر مما يقبلون الحق، [الناس هكذا بطبيعتهم لا يريدون الحق، الناس هكذا وهكذا..] قبل أن نجرب الناس، بعد أن نصحح وضعيتنا مع الله سبحانه وتعالى فنرتبط به، ونثق به، ثم نفهم دينه، نفهم نظرة دينه للناس، نظرة الدين للإنسان، نظرة الدين للحياة، نظرة الدين للآخرة، نظرة الدين للأحداث؛ لذا نرى أنفسنا في حالة غريبة جداً، بعد أن صبغنا الحياة بضعفنا، وانطلق كل شيء منا يعكس حالة الضعف في أنفسنا لا نلتفت ولو مرة التفاتة واعية إلى القرآن الكريم، هل فعلاً هذا هو حصيلة القرآن الكريم؟ أم أن القرآن الكريم له وجهة نظر أخرى، وله أساليب في التربية أخرى، وله غايات أخرى، وله نموذج خاص في صياغته للإنسان.

لذا نرى أنفسنا بناءً على هذه الغلطة التي نحن فيها أن كل شيء من حولنا لا نكاد نفهمه، بينما القرآن الكريم ليس فقط يوجهك أو ينذرك بأن هناك خطورة بل يضع برنامجاً كاملاً يشرح لك الخطورة في هذا الشيء، منبع الخطورة فيه، ثم يؤهلك كيف تكون بمستوى مواجهته، ثم يقول لك كيف ستكون الغاية أو النتيجة السيئة للطرف الآخر في واقعه عندما تواجهه، ثم يقول لك أن الله سيكون معك، بل إن الحياة والأمور كلها ستتغير بالشكل الذي يكون بشكل تجنيد لما هو جند لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض في الاتجاه الذي تسير إليه إلى جانبك في مواجهة ذلك الخطر، الخطر على البشرية، والخطر على الدين.

افتقادنا للثقة بالله سبحانه وتعالى وافتقادنا للمسؤولية التي يريد الله سبحانه وتعالى منا أن نستشعرها دائماً هي وراء هذه الحالة من اللاوعي المنتشرة في أوساطنا، لدرجة أن البعض قد يرى بأن عليه أن ينصرف عن مثل هذه الأشياء، وأن يهتم بالقراءة، القراءة يتصورها أنها هي كل شيء.

أوَّلاً: افهم إذا كنت طالب علم ما هو العلم الذي تطلبه؟ علم من؟ ما هي غاياته؟ وعندما تصبح إنساناً يحمل علماً أن تكون فاهماً ما هي مسؤوليتك؟ ما هو دورك في الحياة؟ إذا لم ينطلق الإنسان على هذا الأساس فلن يكون أكثر من إضافة رقم ضعيف إلى أرقام ضعيفة تملأ الساحة ولا تصنع شيئاً.

الله سبحانه وتعالى أراد منه أن يكون على مستوى عالٍ من الفهم والوعي, والإيمانُ – الذي نقرأ آيات كثيرة في كتاب الله وهي تردده بصيغ متعددة – هو من وجهة نظر القرآن هو وعي، إيمان واعٍ, بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(يوسف: من الآية108)

الله يريد من الإنسان المسلم أن يكون واعياً، وكيف لا يكون واعياً من يمتلك القرآن الكريم؟!. أما طالب العلم، أما العالم فإنه من يُفترض فيه أن يكون على مستوى أعلى وأعلى من الوعي؛ لذا لا أحد يستطيع أن يقدر حجم الخسارة التي نحن فيها، ونحن نمتلك القرآن الكريم؛ لأن أي أمة تمتلك القرآن الكريم وترى واقعها على النحو الذي نشاهده هي في الواقع أمة خسارتها عظيمة، خسارتها جسيمة جداً.

من العار ومن العيب – قبل أن نقول من الإثم – أن يكون بنو إسرائيل، أن يكون أولياء الشيطان هم أكثر اهتماماً منا، أكثر وعياً منا، أكثر فهماً منا، أقرب إلى بعضهم بعض في اتخاذ مواقف تخدم مصالحهم منا، ونحن من نمتلك القرآن الكريم، ونحن من نمتلك الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أليس هذا من العيب؟ أليس هذا من العار؟ أليس هذا من الكفر بنعم الله سبحانه وتعالى بالقرآن وبالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ الكفر بنعمة عظيمة.

القرآن الكريم هو كتاب مهم, كتاب مهم جداً جداً، قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو يتحدث عنه: ((فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم)) ماذا يعني بعبارة (خبر ما بعدكم)؟. الإنسان الذي يتابع الأحداث، ويتأمل القرآن الكريم يجد أن القرآن الكريم قد سبق إليها، لكن هل معنى السبق هو السبق الذي يتحدث عنه من يبحثون عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فيقول: إن الحقيقة العلمية التي قد اكتشفت على هذا النحو القرآن قد سبق إليها؟.

ليس هذا هو المقصود، هذا شيء آخر, جانب آخر، القرآن الكريم يتحدث عن أسس الأشياء في معظم ما يتناوله، ويتحدث عن أن تلك الآيات التي سطر فيها تلك الأخبار أنها حقائق، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية252) سماها آيات أي: حقائق {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: من الآية103)

 

ما هو الاهتداء؟ أليس هو الوعي؟. أليس هو الفهم الذي يدفعك إلى الالتزام والعمل وفهم الأمور، وفهم القضايا، وفهم ما تستلزمه مسيرتك العملية على منهج القرآن؟ {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} حقائقه، حقائق.. هذا الذي أريد أن نفهمه أولاً: أن آيات الله تعني حقائق، حقائق واقعية {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

إساءة إلى القرآن الكريم أن لا نهتدي به، وكفر بنعمة الله العظيمة أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب السخط الإلهي علينا أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب الذلة والخزي أن لا نهتدي به.. لقد قال عن بني إسرائيل عندما حكى عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أن عاقبتهم كما قال تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}(البقرة: من الآية85) {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة114) لماذا؟. هم لم يهتدوا لم يسيروا على هدي بعض آياتٍ أو إصحاحات أو ما ندري كيف عناوينها في كتابهم، لم يسيروا على هديها فاستحقوا أن تكون عاقبتهم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة،والمسألة واحدة، من يمتلكون القرآن ولا يهتدون به.

إن الجزء الأكبر الذي لا تهتدي به هو أشبه شيء بالكفر به، فموقفي من القرآن الكريم كموقف اليهود من التوراة.. مثلاً: هو لا ينكر أن تلك العبارة هي مما أنزله الله، مما أوحاه إلى موسى (صلوات الله عليه) كما نحن جميعا نؤمن أن هذه الآيات هي مما أوحاها الله سبحانه وتعالى إلى رسوله وأنها من عند الله، لم يكن اليهود يضعون أصفاراً على بعض مفردات كتابهم وينكرونها. لا, وإنما كانوا لا يهتدون بها, ولا يسيرون على هديها فسميت تلك الحالة كفر ببعض وإيمان ببعض.

لو نستعرض لربما وجدنا نسبة الكفر لدينا بكثير من كتاب الله ربما أكثر مما حصل عند بني إسرائيل فيما يتعلق بالتوراة! والقرآن الكريم هو أعظم بكثير من التوراة؛ لذا قال الله عنه أنه مهيمن على كل الكتب السابقة، مهيمن عليها، هو يعتبر المرجع، هو يعتبر الأساس، هو أوسع، هو أشمل.

فعندما نكون نرى واقعنا على هذا النحو إن ذلك يعني أننا لا نهتدي بكتاب الله، وحينها سنستحق كلما تحدثنا عنه سابقاً بما فيه الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، نسأل الله سبحانه وتعالى المخرج من حالة الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

مسؤولية طلاب العلوم الدينية

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 09/03/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا