الناس بسبقهم الجماعي يتفادون كثيراً من الإشكاليات والمصائب
القضية – كما أسلفنا سابقاً – في مسألة السبق هي مسألة وعي, مسألة فهم, مسألة استشعار بتقوى الله, يكون عندك مشاعر يَقِضَة, إيمان قوي بالله, حرص على رضوان الله.
لماذا أصبحت قضية السبق مهمة؟ لأن العادة أن من ينطلقون في فترة من الفترات, في عمل معين, كثيراً ما يكون هذا العمل من النوع الذي الناس ما يتجهون فيه, أو يكون المعارضون فيه كثير, أو يكون المشاغبون ضده كثير, أو الأعداء له كثير, أو المشاكل أمامه كثيرة.
فترى كثيراً حتى ممن هم مؤمنين يتجنبونه, يقولون: عسى ما قد هو ضروري, عسى ما قد هو لازم علينا, يمكن ما قد هو واجب علينا. السبَاقون يكونون هم من يتحملون صعوبة البداية, ثم من بعد يصبح كل شيء محسوباً لهم.
لاحظ كيف جعل الله فارقاً كبيراً بين من كانوا ينفقون ويجاهدون قبل فتح مكة, ويقاتلون في سبيل الله, وبعد فتح مكة {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً – أعظم درجة – مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}(الحديد10).
ما هذا أنفق وقاتل؟ وذاك أنفق وقاتل؟ لكن هنا أنت تنفق وتقاتل وأنت ترى هذا الإتجاه الذي أنت فيه, فيه آلاف, تقاتل مع ثمانية آلاف, مع اثنا عشر ألفاً, بينما كان الأول يقاتل مع مائتين, مع ثلاث مائة, مع عشرين شخصاً, مع ثلاثين, والمجتمع كله من حولك مجتمع معادي, أنت كنت تنفق في ظروف قاسية, في لحظات مهمة جداً.
الآن عندما تأتي تنفق مبلغاً سيأتي لك غنائم ربما أكثر مما أنفقت, تنفق وأنت قد معك اثنا عشر ألفاً تقاتل معهم, وتجمعون غنائم, أهل [هوازن] في يوم [حنين] سيأتي له أكثر مما أنفق, تكون النتائج مختلفة, هكذا السباقين هم من يواجهون عادة الظروف الصعبة في البداية, هم من ينصبُّ عليهم, ويتجه إليهم ماذا؟ الكلام المضاد, التّهم, المشاكل, العداوات, أشياء من هذه.
لكن أحياناً إذا عند الناس تفكير , تفكير يعني ممكن أن يكونوا سباقين, وبنسبة كبيرة, بسبقهم الجماعي يتفادون كثيراً من الإشكاليات, يتفادون كثيراً من المصائب, مثلاً أن تنطلق في عمل لوحدك بمفردك, قد تكون أنت أمام الآخرين, هذا شرف عظيم لك وفيه صعوبة, ما فيه صعوبة؟ لكن أن ينطلق مجتمع بكله بنفس الموقف يجعل الآخرين لا يعودوا يفكرون في شيء, ما يفكروا يعملون أي عمل ضدك, بل يفكرون ربما كيف يتأقلمون معك, كيف يكسبون ودك, أنت وهذا المجتمع, كيف يكسبون المجتمع بكله الذي أصبح يتحرك تحركاً معيناً.
لكن ربما لأنه هكذا, ما يتهيأ في الغالب أن يكون المجتمع ينطلق انطلاقة واحدة, وإلا فهو مطلوب من الكل روح المبادرة, روح السبق, فعادة ما يكون هناك سباقين, فـ{أولئك} هم كما قال الله: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(الواقعة12).
دروس من هدي القرآن الكريم
الشهيد القائد السيد/ حسين بدرالدين الحوثي
من محاضرة : آيات من سورة الواقعة بتاريخ:10رمضان1423هـ