انتفاضة طالبية في أمريكا: من «كولومبيا» وأخواتها… هنا فلسطين
|| صحافة ||
على وقع ارتفاع نسب المتعاطفين في صفوف الشباب الأميركي مع القضية الفلسطينية – مقارنة بالأجيال السابقة -، والتي لا تقلّ عن 60%، وفق بعض الاستطلاعات، لا تزال حادثة اعتقال أكثر من 100 طالب من داخل جامعة “كولومبيا” في مدينة نيويورك، وسماح إدارة الجامعة لشرطة الولاية بإخلاء مخيّم تضامني مع غزة، والتي تُعدّ أول عملية اقتحام تنفّذها شرطة الولايات المتحدة داخل حرم الجامعة منذ احتجاجات حرب فيتنام في نهاية ستينيات القرن الماضي، تتفاعل. فبعد المواقف التي دان فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن، حَراك الناشطين المؤيّدين للقضية الفلسطينية داخل جامعات البلاد، متّهماً إيّاهم بارتكاب أعمال “معادية للسامية”، ومحذّراً ممّا سمّاه “التصاعد المقلق لمعاداة السامية في مدارسنا ومجتمعاتنا وعلى الإنترنت”، كمؤشر إلى تفضيله “مناخاً تربوياً” يناسب إسرائيل، جاءت التصريحات الجديدة لرئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، لتحدث المزيد من الجدل.فرئيسة الجامعة، وعلى غرار زميلاتها في جامعات “هارفرد” و”بنسلفانيا” و”معهد ماساشوستس للتكنولوجيا”، اللاتي خضعن لحملة مشابهة لِما تتعرّض له شفيق لحثّها على الاستقالة، كانت قد استدعيت إلى جلسة استجواب أمام لجنة التعليم في الكونغرس، قبل نحو أسبوع، للردّ على اتهامات بتجاهل إدارة جامعتها الموجة المتصاعدة من “معاداة السامية”، و”كراهية اليهود”. وعلى خلفية ذلك، أدلت بتصريحات لاحقة هي أشبه بـ”تلاوة فعل الندامة”، وخرجت لتدين ما سمّته “اللغة المعادية للسامية وسلوك الترهيب والمضايقة” داخل الحرم الجامعي في الآونة الأخيرة، ، معلنةً تفعيل التعليم عن بعد، وإغلاق بوابات الحرم الجامعي أمام أيّ شخص ليست لديه بطاقة جامعية، واضعةً تلك التدابير في سياق تخفيف التوتّرات بين الطلاب، والتي يفتعلها “أفراد لا ينتمون إلى جامعة كولومبيا، ممَّن جاؤوا لمتابعة أجنداتهم الخاصة”، وفق تعبيرها.
جامعات أميركا: صوت فلسطين vs صوت “إسرائيل”
تلك المواقف الصادرة عن شفيق، وما صاحبها من مشاهد قمعية في جامعة “كولومبيا”، ولّدت ردود فعل واسعة من جانب طلاب الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأميركية الأخرى خلال الأيام القليلة الماضية، على غرار جامعتَي “ييل” و”نيويورك”، حيث أُقيمت مخيّمات تضامنية مشابهة في حرم الجامعتَين العريقتَين، للمطالبة بإنهاء أيّ استثمارات في شركات الدفاع التي تتعامل مع إسرائيل. ولكنّ المشاركين في تلك المخيمات لاقوا المصير نفسه من الاعتقال على أيدي الشرطة، ومن تواطؤ إدارتَي “ييل” و”نيويورك” مع السلطات لتكميم أفواههم، والتلويح بإمكانية فرض تدابير “عقابية” و”تأديبية” في حقّهم، من بينها إجبارهم على تعليق الدراسة. والجدير ذكره أن الشرطة برّرت اعتقال طلاب وأعضاء من هيئة التدريس في جامعة “نيويورك” بإطلاق “هتافات تخويف (ضدّ اليهود) وعدّة حوادث معادية للسامية”، ومن بينها ترديد شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرّر”. أما جامعة “هارفرد” فذهبت في “عقابها” للحَراك الجامعي المتضامن مع فلسطين، إلى حدّ إعلانها تعليق عمل “لجنة التضامن مع فلسطين”، جنباً إلى جنب التشديد على حركة الدخول من وإلى ساحة الجامعة، ومناشدة طلابها التقيّد بـ”السياسات والإرشادات المتّبعة” في ما يخص تنظيم الفعاليات التضامنية مع غزة، بما فيها ما يتّصل بالكلام والسماح بالوصول إلى مساحات الحرم الجامعي.
ما يدور في باحات الجامعات الأميركية يشير إلى “النهج العقابي الأوسع نطاقاً، الذي باتت تتبناه إدارة بايدن بصورة متزايدة”
وفي تعليقه على تلك التطورات، انتقد سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة، وعضو “الكنيست” وكبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مايكل أورين، تساهُل جامعة “كولومبيا” مع النشاطات الداعمة للفلسطينيين، زاعماً أن الجامعة لم تمنع “معاداة السامية” من الازدهار في حرمها. وأشاد أورين بالمواقف الجديدة لشفيق، مشيراً إلى أن الأخيرة “حاولت تجنُّب أخطاء نظرائها في جامعات هارفرد وبنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس، الذين قلّلوا في كانون الأول الماضي من محنة اليهود في الحرم الجامعي”، مثنياً على تعهُّدها “معاقبة أولئك الذين يستخدمون لغة عنيفة” ضدّ اليهود. ومع ذلك، استمرت الأصوات المطالبة باستقالة شفيق، سواء من قِبَل بعض أعضاء هيئة التدريس المتعاطفين مع فلسطين، لمواقفها المتقلّبة، أو من وجوه يمينية متطرّفة من الحزبَين، بدعوى تعريضها حياة اليهود في “كولومبيا” لـ”الخطر”، ومن بين هؤلاء النائبة الديموقراطية عن ولاية كارولينا الشمالية كاثي مانينغ، والنائبة الجمهورية ليز ستيفانيك عن ولاية نيويورك.
في المقابل، أعرب بيول يون، وهو طالب الحقوق في جامعة نيويورك، عن استهجانه الإجراءات الجديدة لإدارة جامعته والسلطات الأمنية على حدّ سواء، معتبراً إياها “حملة شنيعة” في حقّ الطلاب وحريتهم. بدورها، احتجّت “لجنة التضامن مع فلسطين” في جامعة “هارفرد”، على قرار منعها داخل الجامعة المذكورة، واعتبرت، في بيان، أن المؤسسة التعليمية العريقة “أَظهرت لنا مراراً وتكراراً أن فلسطين تظلّ الاستثناء لحرية التعبير”. أمّا الموقف الأكثر حماسة، فتبنّاه الفرع الوطني لمنظّمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، حين دعا كلّ الجامعات إلى السير على خطى جامعة “كولومبيا” والضغط على إداراتها لسحب استثماراتها من إسرائيل، في حين أكدت الطالبة والناشطة الحقوقية، كاري زاريمبا، أن التعاطف الذي يحصل عليه طلاب جامعة “كولومبيا”، من زملائهم في الجامعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد، ومن بينها جامعتا ولاية أوهايو، وميامي، إضافة إلى جامعات “نورث وسترن”، و”برينستون”، و”براون”، “غير مسبوق على الإطلاق”.
ثورة” الجامعات: فلسطين “قلب الحركة الطالبية” الأميركية
إزاء ذلك، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنه “وبعد أقل من أسبوع على اعتقال أكثر من 100 متظاهر في جامعة كولومبيا، فإن الإداريين الأكثر نفوذاً في بعض الجامعات الأميركية يعدمون السبل، في تهدئة الأوضاع داخل جامعاتهم التي مزّقها الصراع في غزة”. واعتبرت الصحيفة الأميركية أن التظاهرات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، وما يرافقها من مشهد مشحون بين مؤيّد ومعارض لإسرائيل، “ستستمر بشكل أو بآخر، في بعض الجامعات حتى نهاية العام الدراسي”. وأشارت إلى أن الطلاب والناشطين الداعمين للشعب الفلسطيني، نظّموا فعاليات احتجاجية “بكثافة متفاوتة” داخل الجامعات منذ أحداث السابع من أكتوبر، “إلا أن هذه الجولة الخاصة، والجارية حالياً، من الاضطرابات الجامعية قد بدأت تكتسب قوّة كبرى منذ يوم الأربعاء الماضي”.
من جهتها، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن ما يدور في باحات الجامعات الأميركية يشير إلى “النهج العقابي الأوسع نطاقاً، الذي باتت تتبناه إدارة (الرئيس جو بايدن) بصورة متزايدة”، وإلى “التأثير المخيف، الناجم عن أسلوب التشهير والاعتقالات” الذي تنتهجه في حقّ الناشطين المؤيّدين لفلسطين. ورأت الصحيفة الأميركية أن الاحتجاجات الطالبية الأخيرة “تحمل دلالة على التوترات المتزايدة في جميع أنحاء البلاد، حيث يحتجّ آلاف الطلاب في الجامعات، سواء العامة أو الخاصة، الكبيرة والصغيرة، على الحرب الإسرائيلية في غزة بطرق أصبحت تهدّد بقلب نمط الحياة القائم في الجامعات رأساً على عقب”. ومع ذلك، لا يزال البيت الأبيض على عهده تأديب الطلاب المتضامنين مع غزة، مع إصرار بايدن على “مواجهة الخطاب المعادي للسامية”، ووصف البيت الأبيض “ترديد خطاب منظّمات إرهابية في أعقاب أسوأ مذبحة ارتُكبت ضدّ الشغب اليهودي منذ المحرقة” بأنه “أمر حقير”!
الاخبار اللبنانية: خضر خروبي