الزيارة السابعة لبلينكن.. التطبيع السعودي واستكمال ذرائع معركة رفح
||صحافة||
في جولته السابعة للمنطقة خلال أقل من سبعة شهور، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية، ضمن ما أعلن أنها مهمّة دبلوماسية لتكثيف جهود وقف إطلاق النار في غزّة، مع أن الجميع يكاد يعلم أن وقف إطلاق النار لا يحتاج إلى جولة واحدة، بل إلى أمر مباشر من أميركا للكيان الصهيوني في مقابل وقف الإمداد بالذخيرة والأسلحة التي تطلق بها النيران.
اللافت أن جولة بلينكن ذات الأيام الثلاثة تشمل السعودية والأردن و”إسرائيل”، بينما المفاوضات التي تتسق مع عنوان الزيارة، تجري بوساطات قطرية ومصرية، وليس للسعودية أي دور في الوساطات ولا علاقات معلنة مع الكيان ولا مع المقاومة. ولكن جدول أعمال الزيارة المعلن يفسر بعضًا من حقيقة أهداف الجولة وجوهرها، حيث تستضيف السعودية اجتماعًا لمناقشة مستقبل غزّة مع مسؤولين أجانب إلى جانب وزير الخارجية الأميركي، مثل وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، بالإضافة إلى مسؤولين رئيسيين من الاتحاد الأوروبي والأردن ومصر وقطر، فضلًا عن السلطة الفلسطينية.
كما نقل عن مسؤولين أن بلينكن سيناقش خطط “اليوم التالي” لإعادة إعمار غزّة بعد الحرب مع القادة والوزراء، حيث يهدف الاجتماع مع الدول العربية الخمس(قطر ومصر والسعودية والإمارات والأردن) إلى تعزيز المناقشات حول إدارة قطاع غزّة بعد الحرب.
في هذا السياق؛ وقبل رصد تصريحات بلينكن وقراءة ما بين سطورها، ينبغي التوقف عند دلالتين مهمتين:
1 – الهدف الرئيس للزيارة يبدو أنه يتعلق بالتطبيع السعودي – الإسرائيلي، والذي يرتبط في المقام الأول بالاتفاقيات الأمنية الأميركية مع السعودية. وهو ما توسّعت مناقشاته بعد الضربة الإيرانية للكيان الصهيوني وما رافقها من تعاون خليجي مع أميركا لحماية الكيان. ويزداد هذا الأمر وضوحًا، مع تصريحات الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، والذي قال إنه من المتوقع “في القريب العاجل” إبرام اتفاقيات ثنائية بين المملكة والولايات المتحدة، وذلك في معرض إجابته عن سؤال عن المفاوضات بين البلدين حول اتفاق أمني. وكذلك تصريحات الوزير بلينكن، والذي قال إن أميركا والسعودية قامتا بعمل مكثف معًا، خلال الشهر الماضي، بشأن التطبيع مع “إسرائيل”.
2 – تزامن الجلسة مع اجتماع لوزراء مجلس التعاون الخليجي والمنتدى الاقتصادي العالمي، وهو ما يؤكد النهج الأميركي الجديد في التحرك بتكتلات ومجموعات تعويضًا عن تراجع النفوذ الأميركي وسقوط الردع الأميركي في الإقليم.
تصريحات بلينكن وما بين السطور:
يستشف من تصريحات الوزير بلينكن أن الموقف الأميركي ما يزال هو الموقف المنافق؛ ولكنه بدا في هذه المرة نوعًا من أنواع إبراء الذمم عالميًا وتحميل حماس والمقاومة مسؤولية استمرار الحرب ومعركة رفح المحتملة، وأنه لا بديل عالميًا لقيادة أميركا.
لقد زعم بلينكن أن بلاده تدعم بقوة “إسرائيل” وجهودها في عدم تكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفي الوقت نفسه عازمة على الحيلولة دون المعاناة الإنسانية التي تراها كلّ يوم في غزّة، وأن الطريقة الأمثل لإنهاء هذا الصراع هي التوصل إلى هدنة، وبعد ذلك يُطلق سراح الرهائن، حيث طُرح مقترح كان سخيًا جدًّا من جانب “إسرائيل”، وفي هذه اللحظة الشيء الوحيد الذي يحول بين سكان غزّة والهدنة هي حماس، وعليها أن تقرر بسرعة وتتوصل للقرار الصحيح، وفقًا للرواية الأميركية.
وتأتي زيارة بلينكن وسط سياق مأزوم في ما يخص الإدارة الأميركية يتمثل في ما يلي:
أولًا: الانتخابات الأميركية والوضع السيء للرئيس بايدن؛ فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي، أجرته شبكة “سي إن إن” الأميركية، أن الرئيس السابق دونالد ترامب يتمتع بدعم عدد أكبر من الناخبين من الرئيس الحالي جو بايدن.
ثانيًا: الاحتجاجات في الجامعات الأميركية في الداخل، حيث تتسع رقعة الحراك الطلابي الرافض للحرب في غزّة في عدة جامعات أميركية، وذكرت وسائل إعلام أميركية أن أكثر من 550 شخصًا قد اعتُقلوا، على خلفية تهمٍ تتعلق بخرق القوانين الجامعية والمدنية في الولايات المتحدة. وهذا الحراك يشكّل إحراجًا للإدارة وللكيان، بينما قمعه يشكّل إحراجًا أكبر لإدارة أميركية تدعي أنها ديمقراطية.
كما أن هناك تصريحات من أعضاء في الكونجرس تزيد الإدارة حرجًا، حيث شنّ السيناتور الأميركي بيرني ساندرز هجومًا على نتنياهو، مشددًا على ضرورة عدم الخلط بين “إدانة القتل” في غزّة و”معاداة السامية”، وخاطب ساندرز نتنياهو: “القول إن حكومتك قتلت 34 ألفًا، في 6 أشهر، ليس معاداة للسامية ولا مناصرة لحركة حماس”.
ثالثًا: خروج تقارير استراتيجية تفيد بأن القاعدة الصناعية الأميركية غير مجهزة لإنتاج المواد الكافية لتحقيق أهداف الدعم العسكري الأميركي المتجه إلى مسارح المواجهات الثلاثة (أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط)؛ بل لا تكفي لمسرح واحد منها إذا ما اندلعت مواجهة. وعلى سبيل المثال، تفيد التقارير الذاتية لأوكرانيا أنها تحتاج إلى ما يقرب من 360 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم شهريًا لتظل جاهزة للعمل؛ على الرغم من أن الولايات المتحدة ضاعفت إنتاج الذخيرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، إلا أنها لم تتمكّن من إنتاج سوى 30 ألف طلقة شهريًا، ابتداءًا من مارس/آذار 2024. وهذا يعني أن أميركا ليس أمامها إلا الدبلوماسية القسرية والاستقواء بالتكتلات لحماية العدوّ وحصار المقاومة.
استكمال ذرائع عملية رفح
يبدو من هذه الجولة أنها تهدف لاستكمال ذرائع اندلاع معركة رفح، وتحميل المسؤولية لحماس والمقاومة، وابراء ذمم الأنظمة الرسمية العربية، والتي تفرغت لمناقشة خطط الإعمار ما بعد الحرب، والتي تطالب حماس ليلاً نهارًا بالتنازل.
وهناك تصريح لافت للمتحدث باسم مجلس الأمن القوميّ في البيت الأبيض جون كيربي؛ قال فيه إن “إسرائيل” وافقت على بحث مخاوف واشنطن قبل اجتياحها مدينة رفح في جنوب قطاع غزّة، وأن “إسرائيل” بدأت في الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها للرئيس الأميركي جو بايدن بشأن السماح بدخول المساعدات إلى شمال غزّة، وهو بمثابة ضوء أخضر أميركي للعدوان.
العهد الاخباري: ايهاب شوقي