’إسرائيل’: فشل في التقدير الاستخباراتي.. وقصور في فهم حزب الله

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر/ العهد الاخباري

 

شهد العام 2016 العديد من المحطات الداخلية والخارجية التي تتفاوت أهميتها، بتفاوت مفاعيلها على الأمن القومي الاسرائيلي. مع ذلك فقد غلب على العام الفائت استمرار تساقط العديد من الرهانات والتقديرات الاسرائيلية، وتبلور العديد من التحديات والتهديدات، وتحديدا ما يتصل بالمجريات الميدانية والسياسية في الساحة السورية وعبرها.

بداية ينبغي التأكيد على حقيقة أن الفشل في التقدير الاستخباراتي هو ظاهرة عالمية ومن لوازم الطبيعة البشرية. وبالتالي ليس مفاجئا سقوط بعض الاجهزة الاستخباراتية في الاخطاء على مستوى الفهم والتقدير، ولا تُنقص هذه الظاهرة بالضرورة من كفاءة هذا الجهاز الاستخباراتي أو ذاك.

 

مع ذلك، فإن لبعض حالات الفشل خصوصية بلحاظ القضية المطروحة وأهميتها والحيثيات المتصلة بها.. وايضا عندما يتصل الامر ببعض الاجهزة الاستخباراتية التي لها شهرة عالمية، مثل الاستخبارات الاسرائيلية، خاصة وأن الكيان بكافة مؤسساته يتباهى بأجهزته الاستخباراتية في هذا المجال.

في المقابل، ينبغي التأكيد على حقيقة أن وجود هذا الكم من حالات الفشل، ورغم الاهمية التي تتسم بها، لا يعني أنه لم يكن هناك انجازات نوعية في سجل الاستخبارات الاسرائيلية.. مع الاشارة الى أن تل ابيب لم تتمكن من توظيف هذه الانجازات بالمستوى الذي يسمح بإحداث تغيير جذري لمصلحتها على الساحتين السورية والاقليمية.

 

البعد الاول لفشل التقديرات الاستخباراتية الاسرائيلية، أنه قزَّم صورتها المضخمة التي يتعمد العدو تظهيرها، دون انكار القدرات والاجهزة والكفاءات والخبرة التي تتمتع بها. وأثبت قدرة القوى المضادة على إفشال مخططاته ومفاجأته.

 

بدأ مسلسل النكسات مع فشل التقدير الشهير الذي صال وجال به في حينه وزير الامن الاسرائيلي ايهود باراك، عندما جزم أن ليس أمام الرئيس الاسد سوى عدة أسابيع. وساندته في ذلك وحدات التقدير في الاستخبارات العسكرية، امان. لكن الواقع أنه بعد مضي نحو ست سنوات الرئيس الأسد أكثر ثباتاً..

 

ايضاً فشلت الاستخبارات الاسرائيلية في تقدير أصل تدخل حزب الله.. ولهذا الفشل ركائزه التي تتصل بالنظرة الاسرائيلية الى حزب الله وقدراته.. بعبارة أخرى  كان هناك قصور اسرائيلي في فهم رؤى حزب الله وتقديراته وخياراته في هذا المجال..

امتدادا لهذه المسار، فشلت الاستخبارات الاسرائيلية ايضا في تقدير مفاعيل تدخل حزب الله، (بعدما حصل)، على الساحة السورية. وهو أمر مفهوم خاصة اذا ما استندوا في هذا التقدير الى القياس بين حجم حزب الله وعديده وبين مساحة سوريا وحجم الجماعات التكفيرية والارهابية وعديدها..

 

ايضا، فشلت الاستخبارات الاسرائيلية في تقدير وتوقع أصل التدخل الروسي في وقت مبكر (ولا عبرة في تقديره قبل أيام من حصوله بعدما اتضحت مؤشراته العلنية).. ولهذا الفشل ايضا علاقة بالنظرة والتقدير الخاطئ المتصل بالموقف الروسي.. وإزاء مستوى التنسيق مع الجمهورية الاسلامية وسائر حلفاء الدولة السورية..

 

الى ذلك، فشلت “المؤسسة الاسرائيلية”، بما فيها الاستخبارات، في تقدير مفاعيل التدخل العسكري الروسي – الجوي والصاروخي – الى جانب الجيش السوري وحلفائه الذين حققوا انتصارات (برية) مفصلية شكلت صدمة لكل الجهات المعادية، وتحديدا تحرير مدينة حلب. ومن أبرز من استبعد تحقيق مثل هذه المفاعيل رئيس اركان جيش العدو غادي ايزنكوت، خلال كلمة له في كانون الثاني 2016، أمام مؤتمر معهد أبحاث الامن القومي. اذ تناول في حينه ما اعتبره تراجعا للجماعات المسلحة المعادية للنظام السوري في بعض الاماكن، بعد التدخل العسكري الروسي. ولكنه أضاف “رغم تدخل الدولتين العظميين، اللتين تشكلان المفتاح لنجاحات عملانية والتوصل الى اتفاق ما في الأزمة السورية، يوجد صعوبة كبيرة أمام تحقيق انجازات عسكرية فعلية في المعارك”. ولم يكن هذا الاستبعاد يستند الى اعتقاد بمحدودية فعالية سلاح الجو الروسي أو الصاروخي، وانما كان يرى أن حجم واستمرار تدفق الجماعات المسلحة وقدراتهم التسليحية، كافية كي تمنع الجيش السوري وحلفاءه، من تحقيق انجازات جوهرية برية.

 

لكن في المقابل، أتى تحرير مدينة حلب ليثبت مرة اخرى خطأ وفشل تقديرات المؤسسة العسكرية والاستخباراتية في تل ابيب. ومن المؤكد أن هذا الانجاز كان له وقع المفاجأة والصدمة على صناع القرار الاقليمي والدولي.. ومن ضمنهم اسرائيل..

في كل الاحوال، العزاء الوحيد للاستخبارات الاسرائيلية في هذا المسلسل من التحولات والمفاجآت، أن الفشل في الرؤية والتقدير لم يقتصر عليها فقط، بل شمل كافة اطراف المحور المعادي لمحور المقاومة.. بمن فيهم الولايات المتحدة واوروبا وصولا الى تركيا والسعودية وقطر..

مما يفاقم من الرسائل والابعاد التي ينطوي عليها هذا الفشل الممتد على سنوات، أنه يتصل بالساحة الاكثر أهمية بالنسبة لصناع القرار في تل ابيب كونها تؤثر بشكل مباشر بمن توصّفه المؤسستان العسكرية والسياسية، كتهديد استراتيجي، حزب الله والجمهورية الاسلامية في ايران.

وكما أن الفشل في التقدير الاستخباراتي هو محطة قد يترتب عليها مواقف وخيارات بما يتناسب معه، كذلك هو تتويج لقصور في الفهم الصحيح لما يستند اليه هذا التقدير..

بعبارة أخرى، مشكلة اعداء حزب الله ومحور المقاومة أنهم لم يبلغوا حتى الان المرحلة التي تمكنهم من ادعاء الفهم الناضج الذي يجنبهم المفاجآت والصدمات..

قد يعجبك ايضا