النظرة والرؤية الصحيحة لمسألة المناصب ومواقع المسؤولية

 

خاص

يطل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” في بداية أيام العشر من ذو الحجة المباركة للحديث في سلسلة محاضرات على ضوء نصوص من كلام أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَام”، وحكمه المفيدة التي هي قبسٌ من نور القرآن الكريم، وهدي النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.

ويركز السيد القائد حديثه عما يتعلق بولاية الأمر وإدارة شؤون الأمة؛ باعتبار هذا الموضوع من المواضيع المهمة التي ينبغي أن يكون لدينا جميعاً تجاهها رؤيةٌ صحيحة، وفهمٌ صحيح، ونظرةٌ صحيحة، وذلك لأن البعض من أبناء الأمة: إمَّا أن يكون متأثراً بالرؤية الغربية، داعياً إليها، منشداً إليها، بل يعمل من أجل أن تسود هي في واقع الأمة، وإمَّا أن يكون أيضاً متعلقاً بمفهومٍ خاطئ، ونظرةٍ سلبية؛ مكَّنت الطغاة، والجبارين، والظالمين، والمستكبرين، من السيطرة على الأمة، وتُدجِّن الأمة لهم، وتُعَطِّل المشروع الإسلامي العظيم، في جانبه المتعلق بإقامة الدين؛ وبالتالي صلاح حياة الناس، وفي إقامة القسط، وفي البناء الحضاري الإسلامي للأمة.

 

النظرة تجاه المنصب

وفي بداية المحاضرة الثانية، أكد السيد القائد أن أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ))، كان في رؤيته، وتربيته، وروحيته، واهتماماته قرآنياً بكل ما تعنيه الكلمة، وكان قرآناً ناطقاً يتجسد في موقفه، ورؤاه، وتحركاته، ومشاعره، ويؤكد السيد القائد أن هذا مدخل مهم في كيف تكون نظرتنا ورؤيتنا لمسألة المناصب ومواقع المسؤولية.

واستهل السيد القائد المحاضرة بما رواه عبد الله بن عباسٍ “رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا”، قال: ((دخلت على أمير المؤمنين علياً “عَلَيْهِ السَّلَام” بذي قار))، ذي قار موضع بالقرب من البصرة، كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” مسافراً إلى البصرة في إطار حملته لتصدي للناكثين، فعندما وصل إلى هذا الموضع استقر فيه لبعض الوقت، فدخل عليه عبد الله بن عباس وهو يخصف نعله [حذاءه يصلحه]، ((فقال لي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعل؟ فقلت: لا قيمة لها))، ((فقلت: لا قيمة لها. فقال “عَلَيْهِ السَّلَام”: وَاللهِ لَهِيَ أَحْبُّ إِليَّ مِنْ إِمْرَتِكُم، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً)).

وتناول السيد القائد الحالة السائدة لدى أكثر الناس في كيف هي رؤيتهم ونظرتهم إلى المنصب، ومواقع المسؤولية بمستوياتها المختلفة، ويبين أن الشيء السائد لدى الناس بأنهم ينظرون إلى موقع المسؤولية، والمناصب بشكلٍ عام بأنها ذات أهمية كبيرة جداً جداً، وذات قيمة عالية، ويبذلون من أجلها الغالي والنفيس، وأكد السيد القائد أن نظرتهم إلى أهميتها والى قيمتها في نفوسهم ليست من المنطلق الذي تحدث عنه أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام”: ((إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً))، وأن هناك نظرة باعتبارات أخرى، ومن منطلقات أخرى.

دوافع عشق المنصب

وتحدث السيد القائد أن الكثير من الناس يعشق المنصب، وأن البعض من الناس لديه أمل بأن يصل إلى مستوى معيَّن، وذلك للأهمية التي يراها الكثير من الناس في ذلك، ويبين أن الأهمية بالنسبة لهذا الموضوع تتنوع لدى الناس، ويشير إلى أن أكثر الناس يرى أن موقع المسؤولية والمنصب يعطيه أهميةً شخصية لدى نفسه أولاً، ثم شخصاً مهماً لدى الآخرين، وأن البعض من الناس يرى في المنصب أنه موقع للنفوذ، يستطيع من خلاله أن يمارس بعض الأمور، أن يحقق بعض الأهداف، أن يتصرف بعض التصرفات، وأكد السيد القائد أن هذا من العوامل التي تجعل البعض من الناس يعشق المنصب؛ لأنه ينظر هذه النظرة، وله في نفسه هذه القيمة، ويرى هذه القيمة يحملها الناس في نظرتهم وتعاملهم مع من يكون في منصب.

وأشار السيد القائد إلى أن البعض قد يكون هدفه الأساس هو المطامع المادية، ويرى البعض من الناس أن المنصب موقع يساعده من خلال الاستغلال السيء له، والنفوذ فيه إلى تحصيل مكاسب مادية، بوسائل غير مشروعة، وأنه سيحمي نفسه وسيتمكن من الابتزاز المالي بأساليب متنوعة، والحصول على مصالح معينة، والخيانة في الحق العام، وأشياء كثيرة ووسائل كثيرة قد يجعل منها وسيلةً للحصول على مكاسب مادية، ومصالح مادية.

ولفت السيد القائد إلى أن البعض قد يجمع كل الأسباب بأن يكون لديه أهمية وعشق المنصب، بالنظر إلى القيمة المعنوية والاعتبارية، والأهمية في نفسه وفي نفوس الناس، ويرى كل القيمة في المنصب، ويحسب حساب النفوذ والتسلط، ويحسب حساب المطامع المادية؛ فلديه مجموع هذه الدوافع بكلها.

كما بيّن السيد القائد أن البعض من الناس قد يكون هدفه مادياً، ولكن بمستوى محدود، وانه يريد أن يؤمن وضعه المعيشي بما يحصل عليه من راتب، وقد تكون نيته أن يلتزم النزاهة، وألَّا يتجاوز الحق فيما سيحصل عليه، ليسد حاجته المعيشية، وأضاف أن البعض من الناس لديه أيضاً هواية الأمر والنهي، حتى لو كان سيتقشف، أو سيلتزم النزاهة فيما تعلق بالجانب المالي، كما أوضح أن البعض من الناس لديه أجندة، ويرى في مسألة المنصب وسيلةً لتنفيذها، حيث يكون لديه أهداف باطلة معينة، ومشاريع وأفكار معينة، ويريد أن ينفِّذها وأن يفرضها بواسطة المنصب.

تأثيرات عشق المنصب

وفي ضوء ما سبق، أكد السيد القائد أن كل تلك الاعتبارات تُشكِّل خطورةً، أو سلبيةً في الحد الأدنى، من يعشق المنصب بتلك الاعتبارات، فإنه له تأثيرات خطيرة جداً في الواقع، منها: المظالم، والمفاسد، والاستغلال السيء للسلطة، وخدمة الباطل، وسيطرة الباطل، وممارسة الطغيان، مؤكدا أن حالة العشق للمناصب هي التي تدفع الكثير من الناس إلى الممارسات الظالمة، إلى المفاسد الكبيرة، وإلى الإجرام، والطغيان، وتدفع الكثير من الناس إلى أن يقف في صف الباطل.

وأكد السيد القائد أن النظرة الصحيحة هي التي يعلمنا أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” في هذا الدرس، عندما قال هذه الكلمة المهمة العظيمة: ((وَاللهِ لَهِيَ أَحبُّ إِليَّ مِنْ إِمْرَتِكُم، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً))، وفي التربية الإيمانية يجب أن يحرص الإنسان المؤمن أن تكون نظرته إلى المنصب هذه النظرة، فلا يسوى عنده قيمة نعله، وأن حاول الإنسان في تربيته الإيمانية، وفي واقعه النفسي، أن يكون منشداً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إلى الغايات الكبرى، التي رسمها الله لعباده المؤمنين، ويعمل على تزكية النفس، من خلال انشداده إلى الله، وأخذه بتعليمات الله، واهتدائه بهدى الله الذي يزكي النفوس، وهو شفاءٌ لما في الصدور؛ فتكون مسألة المناصب لا قيمة لها عنده، ولا حتى بقيمة مفردة نعل.

كما أكد السيد القائد أن تكون الأهمية- وبشكلٍ حصري- لمواقع المسؤولية لمسألة واحدة هي: إحقاق الحق، ودفع الباطل، وان لا نريد من هذه المواقع المهمة للمسؤولية إلَّا هذا الهدف، فالحق بالنسبة للمؤمنين هو الهدف العملي، الذي يرتبطون به في مسيرة حياتهم، فهم يعملون لإقامة الحق في واقع الحياة، والحق مصدره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والحق عنوانٌ عظيم وأساس، أساسٌ يتحرك المؤمنون وهم مرتبطون به في هذه الحياة. هو الأساس الذي يضبط المسار في أداء المسؤولية بشكلٍ صحيح.

 

 

 

قد يعجبك ايضا