استحضار غائب وتغييب حاضر
موقع أنصار الله ||مقالات || بقلم/ماجد السياغي
منذ عُرف التلفزيون عام 1924م شهدت البشرية نقلة نوعية في مجال التواصل على مستوى الكلمة والصوت والصورة والحركة وعززت من انتشاره واستخدامه الأقمار الصناعية وارتباطه بها. الأمر الذي أصبح فيه هذا الصندوق صاحب التأثير الأول ، باعتباره يمتلك مستلزمات الإقناع والتفاعل والنفاذ الى وعي الإنسان .
وبعد مرور 92 عاماً على اختراعه لم يعُد التلفزيون ترفاً بل أضحى ضرورة لا يمكن الاستغناء عنه.
اليوم ومع تزايد إقبال الجماهير على الفضائيات جعلها عنصراً هاماً في التنشئة والانتماء الوطني وتقوية التثقيف واكتساب المعارف على اختلاف ضروبها ، ومن جانب اخر فرضت هذه الفضائيات نمطاً جديداً في سلوكيات الفرد والعائلة والمجتمع
ومنعطفاً في الاتجاهات والقيم ، وضعتنا جمعياً كباراً وصغاراً امام تحديات مستحدثة لا تنسجم في احيان كثيرة مع ما يراد له أن يكون .
وفي اليمن اختلفت الصورة اختلافاً كلياً في الشكل والمضمون بين الأمس واليوم، واختلف معها أسلوب المستقبل وطريقة تفكيره اختلافاً جذرياً، ومثلت الصحون المقعرة وأجهزة الاستقبال منعطفاً بارزاً للصورة العابرة للحدود، فتنوعت ثقافة الصورة . ويؤرخ بأن الثلث الأخير من القرن المنصرم بدأ استخدام هذه الصحون في بلادنا، وظل انتشارها محدوداً لاعتبارات عديدة منها ما هو مرتبط بالجانب المالي والآخر قيم وعادات المجتمع مع بداية ظهورها، ولكن خلال السنوات الـ15 الماضية أقبل الناس على شرائها نظراً لرخص أسعارها وتقبل كثير من الأسر اليمنية إدخالها للبيوت فانتشرت بشكل صاروخي في المدن والقرى والعزل اليمنية.
وتأسيساً لما سبق وفي ظل ما يمر به الوطن اليوم وأبنائه من عدوان سعودي أمريكي شامل على اليمن أرضاً وشعباً ومقدرات، فإن تحالف العدوان عمد منذ الوهلة الأولى أن يحارب بقوتين متوازيتين ترسانة الأسلحة المتطورة البرية والجوية والبحرية والثانية أساطيل من الوسائل الإعلامية فضائيات ومنصات الكترونية وغيرها الكثير، والتي تعتبر الأنترنت والأقمار الصناعية الفضاء الرئيسي لها. تتواجد في كل منزل وتتسع دائرة تأثيرها على كل فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم تعليماً ووظيفة .
وعليه فقد حشدت السعودية خصوصاً ودول تحالف العدوان عموماً قنواتها الفضائية ووظفت كل إمكانياتها الكبيرة سواءً من حيث الكم او القدرات المادية منها والبشرية ، ولذلك لتضليل شعوب المنطقة ودول العالم عن ما يدور من جرائم تقوم بها السعودية ومن يقف معها ويدعمها ويشاركها تحالف العدوان على اليمن تُغتال فيه وداعة الطفل وظرف الشباب وحكمة الكهل على امتداد الأراضي اليمنية .
شيطنة الجمهور كانت ولازالت حاضرة في فضائيات تحالف العدوان من خلال جعل المتلقين في حالة قلق دائم لتمرير كمية الكذب والمبالغات لترييف الوعي والقناعات فقوالب ومضمون الخطاب الاعلامي لا يخلو من لغة تفسيخ النسيج الاجتماعي وخلق الاضطرابات بالتوازي مع إظهار دور العدوان كحامي للشعب اليمني يدافع عن وطنهم ممن ؟ من أبناء الشعب نفسه . والغاية من ذلك التغطية على جرائمه في القتل والتدمير والحصار الجائر، ويدأب على هذا التعاطي بتكرار وانتظام لترسيخها في العقل الجمعي للجمهور.
ولم يكتف بهذا وحسب بل عمد على إطفاء جذوة وسائل الاعلام المناهضة له ولجرائمه بأشكال وقوالب وأساليب تتنافى مع مصداقية العمل الاعلامي ومبادئه وقيمه الناظمة فحجب هذه الوسائل واستنساخها واستهدافها واستهداف الإعلاميين والمؤسسات الاعلامية كانت ضمن بنك أهداف العدو الاعلامية .
المتابع لحرب العدوان الإعلامية يرى أن الإدارة المتحكمة به انطلقت من استراتيجيات اعلامية وهنا نتذكر ما قاله رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل إن الحقيقة غالية جدا، ولذا يجب أن نحميها بجيوش من الأكاذيب. وايضاً لن تذهب دول تحالف العدوان بعيداً عن ما قاله وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر بول جوزيف جوبلز الذي كان يردد عبارته الشهيرة اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
غير أن كل ذلك لن يصرف عن معرفة الحقيقة فالإعلام الوطني بكل تفرعاته اسقط رهانات العدو وزيف إعلامه، وحقيقة ثمة عناصر متضافرة أوجدت وعياً جماهيراً والتفافاً شعبياً استطاعت ان تصنع رأياً عاماً أعاد تشكيل خارطة العدوان واربك حساباته .
فالمشاهد والصور التي يبثها الاعلام الحربي من داخل العمق السعودي لها ما بعدها تتداولها وسائل اعلامية إقليمه ودولية وتتحدث عنها صحف رائدة مؤثرة في اتجاهات الرأي العالمي ، كما ان ما يقوم به الاعلام المحلي من تغطية دائمة للفعاليات والأنشطة المناهضة للعدوان سواءً كانت مسيرات جماهيرية أو وقفات احتجاجية أو لقاءات قبلية أو قوافل الجود والعطاء والكرم من مختلف القرى والعزل والمديريات والتي يتنافس أبناءها على من يعطي في وقت أسرع ويجود بشكلٍ أكبر . أضف الى ما يسطره أبطال الجيش واللجان الشعبية من ملاحم بطولية وانتصارات في مختلف الجبهات عملت على تعرية زيف إعلام العدوان الذي يسعى إلى خلق انتصارات افتراضية في مربع الآلة الاتصالية بعد أن فشل من تحقيق انتصار واقعي على الأرض . كما أن جرائم العدوان التي تطال الآمنيين في البيوت والأطفال في المدارس والمرضى في المستشفيات والمعزين في الصالات والفرحين في الأعراس والباعة والمشترين في الاسواق والمارة في الطرقات، يتم نشرها وتوثيقها وعكسها في معارض الصور ومضامين الكتب والمجلدات باعتبارها لن تسقط بالتقادم . وبرغم ما يقوم به العدوان ومن يقف معه ويدعمه ويسانده من شرعنة لجرائمه بشراء الصمت الدولي المريب وتضليل الرأي العام بأجواق أساطيله الإعلامية إلا أن كل ذلك سرعان ما يتبخر امام مصداقية حقنا المشروع في الدفاع عن أرضنا وسيادتها ووحدتها ضد معتدي يجافي الحقيقة ويغير مضامينها .
ومهما يكن من امر يسود شبه إجماع لدى الباحثين المختصين أنّ جيل اليوم من اليافعين والشباب تحول من طابع لغة الكلام والتحاور الاجتماعي لصالح الطابع التلفزيوني المدعوم بالمؤثرات الصوتية، وتصادم مع معطياته وتركيبته الهجينة، الأمر الذي يجعل من رفع مستوى الوعي بكل مضامينه والوصول إلى أكبر قاعدة جماهيرية واجتذابها مهمة دائمة يفرضها علينا منطق المسؤولية اكثر من ذي قبل .
فوعي قطاع عريض من المجتمع يختلف تماماً عما كان عليه الحال قبل هذا التطوّر السريع لوسائل الاتصال الجماهيري وكذلك الاتساع المطّرد لنطاق التدفُّق الحر للمعلومات . فالشاشة أضحت اليوم وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن عاملاً ديناميكياً للصورة الذهنية يتسابق أعداء الوطن لتدجينها وترويضها بأسلحة ناعمة تتجاوز بمداها الفواصل الزمنية والحواجز المكانية .
ختاماً ثمة حقيقة ثابتة مانعة للشك قاطعة للريب مفادها أن الحقيقة من شروطها أن تعرف دائماً حتى وأن كان البوح بها نادرا ..