واشنطن بوست تتحدث عن زوال النظام الدولي الذي هيمنت عليه أمريكا

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||  أوردت صحيفة واشنطن بوست الامريكية مقالا للكاتب روبرت جي صامويلسون تمحور حول زوال الهيمنة الامريكية على العالم مستقبلا والتي كان الامريكيون يحاولون الحفاظ عليها بشتى السبل مستفيدين من غياب منافس حقيقي يتحداهم.

 

وجاء في المقال: بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، أصبح مألوفًا الحديث عن الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الحقيقية الوحيدة، وأن السلام الأميركي (باكس أميركانا) سيعزّز السلام والازدهار؛ حيث تشتبك العولمة والتجارة الدولية معًا، وسيُحتذى النموذجُ الاقتصادي والسياسي الأميركي، والأسواق المختلطة ومراقبة الحكومة.

 

أما بالنسبة إلى القوة العسكرية الخالصة؛ فلا يوجد بلدٌ يمكن أن يتحدّى الولايات المتحدة، فقد تبيّن ذلك في حرب الخليج الفارسي 1990-1991. بالطبع، كانت هناك أسلحة نوويةٌ مخيفة، ولكن يبدو أنها كانت ورطة مأمونة الجانب، إذ كان عدد قليل من البلدان يمتلكها، ومنها الولايات المتحدة وروسيا، ويبدو أنهما محيّدتان نتيجة تفاهم مشترك في أنَّ الجميع سيخسر في الضربات المتبادلة النووية، وهي المرحلة التي أُعدت لما دعاه أحد المعلقين البارزين بـ “نهاية التاريخ”. ليس الأمر كذلك. ومن الواضح، أنه لم تعد هذه الرؤية المطمئنة تصف العالم الحقيقي، وإن فعلت سابقًا؛ فعلى جميع الجبهات، يُفنِّد المستقبل الفعلي المستقبل المتخيل.

 

واضاف المقال: قد تباطأت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم؛ فبصورة تقريبية، وفي كلَّ دولةٍ كبرى -الولايات المتحدة والصين وألمانيا- انخفض النمو عما كان عليه في السابق، ما أدّى إلى تباطؤ عالميّ، وليس من المستغرب، فشل تحقيق العلاقة المفترضة بين مزيدٍ من الازدهار والسياسة الديمقراطية.

 

لقد توازت خيبة الأمل الديمقراطي مع الإحباط الاقتصادي، وساءت سمعة العولمة والتجارة، واتُّهِمَت بتخفيض الأجور والوظائف للعمال الصناعيين في المجتمعات المتقدمة، كما أنَّ شيخوخة السكان، أنهكت الحكومات في تلك البلدان، وهم يكافحون من أجل دفع استحقاقات الرعاية الاجتماعية المكلّفة، وانحرف الرأي العام، بدلًا من تعزيز المثل الديمقراطية، نحو الشعبوية الاقتصادية والقومية مرحّبًا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبـ دونالد ترامب.

 

ومن ثَمّ، فقد كانت فكرة وجود قوةٍ عظمى وحيدة على قيد الحياة فكرةً سيئة، فالقوة هي القدرة على أن تمتلك ما تريد، ومن هنا، فإنّ الصين وروسيا -وفق هذا المعيار- تُصنّفان من القوى المهمّة. والواقع أن مصطلح “القوة العظمى” قد يكون مضللًا، أو عفا عليه الزمن، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تحصل على كل ما تريده بسهولة عن طريق إرسال قواتٍ الى المناطق الساخنة.

 

وأخيرًا، فإن التوافق النووي يتراجع، فلدى كوريا الشمالية أسلحةٌ نووية، وكلما حصلت دول أكثر على السلاح النووي، زاد احتمال أن تسيء إحداهن التقدير، فتقع الكارثة.

 

وتابع مقال واشنطن بوست: بعد الحرب العالمية الثانية، عثرت الولايات المتحدة على إستراتيجيةٍ عالميّة، إذ تتبنّى حماية حلفائها عسكريًّا، وهي تأمل في أن انتشار السلام سيعزز وجود مجتمعات مزدهرة ومستقرة وديمقراطية، وسيتم رفض الجاذبية النفسية والسياسية للشيوعية، وعلى الرغم من عدد من النكسات، فقد نجحت الإستراتيجية عمومًا، وأُعيد بناء أوروبا واليابان، وفشل الاتحاد السوفييتي، وفقدت الشيوعية صدقيتها. إنَّها الرواية التي سعت الولايات المتحدة لإيصالها إلى النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة، لكن، ما لم نكن نتوقعه هو ردُّ فعل الدول الأخرى وتعقيد التاريخ.

 

النظام الدولي الآن في حالةِ تغيرٍ مستمرة لأسباب عديدة، بدءًا من الصين وروسيا وعدد من الدول المستاءة من الدور القيادي للولايات المتحدة، فلقد تعب الأميركيون حتى من ذلك، حيث تعيد التكنولوجيات الجديدة (ولا سيّما التجارة الإلكترونية، والحرب الإلكترونية) توزيع السلطة والنفوذ أكثر من قبل.

 

الغريب هو أنَّ القادة الأميركيون ساهموا في بعض الأحيان في خفض قوة الولايات المتحدة؛ كما يبدو في ازدراء باراك أوباما للقوة العسكرية، حيث أنَّ استخدام القدرات القتالية للولايات المتحدة المنخفض كثيرًا، هو أمرٌ محسوس بعمقٍ ووضوح لدى الحلفاء والخصوم على حدٍ سواء، كما هي الحال في سوريا. وهذا له عواقب، كما كتب زميلي ريتشارد كوهين عن علم: “منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كنا شرطي العالم، ولم يكن هناك شرطيٌّ آخر في الميدان الآن ولّت تلك القيادة.

 

لدى ترامب أفكاره الخاصة حول إضعاف النظام الدولي، فحقله المختار هو التجارة، وهو يُهدّد بفرض رسومٍ إضافية صارمة على واردات الولايات المتحدة من الصين والمكسيك، ما يُشعل حربًا تجارية، قد تأتي آثارها الجانبية الضارة بنتائجٍ عكسية على العمال والشركات في الولايات المتحدة. آخر مرةٍ، جُرّبت الحمائية الجماعية (فكرة ترامب) كما التحفيز الاقتصادي كان في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث لم تنتهِ هذه التجربة نهايةً جيّدة.

 

وختم مقال واشنطن بوست: هناك قضيةٌ أكبر هنا، في كتابه الأخير، “النظام العالمي” يقول هنري كيسنجر إنَّ العالم في حالةِ خطرٍ متعاظم؛ حيث ينتقل النظام الدولي من حال إلى حال، “القيود تختفي، والمجال مفتوح للمطالبة الأكثر شمولًا، وللممثلين الأكثر عنادًا، وستستمر الفوضى حتى يتأسّس ترتيبٌ جديد للنظام، إنه تحذيرٌ واقعي ومؤلم”.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا