(طوفان الأقصى) معركةُ وجود
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالرحمن مراد
إذَا كنا نرى في العدوان السعوديّ على اليمن شراً فهو في حقيقته وفي معطياته ليس شراً مطلقاً، ولكنه حمل قدراً كافياً من الحقائق الموضوعية التي لم نكن ندركها أَو لم نصل إلى اليقين بحقيقتها، وهي حقائق ذات جذر تاريخي لكنها ظلت طي الكتمان.. فالارتباط بين الحركة الوهَّـابية وبين الحركة الصهيونية العالمية ارتباط تاريخي يعود إلى لحظة النشأة والتكوين، وهذه الحقيقة لم نكن على يقين بحقيقتها بل لم نكن لنجرؤ على ملامسة أطرافها الجوهرية في تحليلنا للوقائع والأحداث التاريخية، وظل تعاملنا مع الوقائع التاريخية تعاملاً سطحياً لا يذهب إلى التحليل السياقي ولا التقاطعي؛ فنشاط الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين كان نشاطاً حيوياً بل وتفاعلياً تداخل في كُـلّ الأحداث التي ترتبط بالعرب، وكان الاشتغال الصهيوني في تلك الفترة محدود الهدف والغاية ويتمثل في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ولم يكن وعد بلفور في بداية القرن العشرين إلّا خطوة على الطريق الطويل الذي بدأه اليهود من عند السلطان عبدالحميد، فكانت ممانعته هي بداية الانهيار للدولة العثمانية، والاشتغال الممنهج على البدائل، وقد كانت المركزية الإسلامية التي تمثلها رمزية المقدسات في مكة والمدينة هي البديل الذي سيكون التخفيف الأمثل من وقع الاستيطان في فلسطين، وقد انتزع اليهود عن طريق الاستخبارات البريطانية اعترافاً صريحاً من الملك عبدالعزيز بحق اليهود في إقامة دولتهم في فلسطين وهو متداول ومنشور بخط الملك عبدالعزيز، وفي ذلك دلالة واضحة على تداخل النشأة للدولة السعوديّة مع الغايات والأهداف الصهيونية.. وقد هدف اليهود من خلال الحركة الوهَّـابية إلى هدم المقدس وإحداث الفصل الوجداني والثقافي والحضاري، ولذلك ظل منهج الفصل قائماً من خلال حالة التدمير للمعالم الأثرية والحضارية والتاريخية بدءاً من العراق ومُرورًا بما حدث في مكة عام 1926م وقد صاحب ذلك الفصل تبريرات وتعليلات ذات بُعد عقائدي وثقافي، ولذلك كانت الحركة الوهَّـابية على عداء شديد مع كُـلّ الأبعاد الحضارية والتاريخية، ففي كُـلّ بلد تتوسع فيه الحركة أَو تنمو تجدها تحدث فعلاً تدميرياً لمعلم تاريخي أَو أثر حضاري، فهي في منتصف القرن الماضي قامت بحركة تدميرية للمآثر ذات الأبعاد الثقافية في اليمن، وذكر القاضي الإرياني في مذكراته أن ابن باز عبر عن ارتياحه عن التوسع الرأسي والأفقي للدعوة الوهَّـابية وكان أكثر ارتياحاً لهدم مشهد ابن علوان في يفرس في تعز، وكلّ ديدن الحركة الوهَّـابية يسير في ذات الرؤية الهادفة إلى الفصل الحضاري بين المسلمين وماضيهم وُصُـولاً إلى حالة فقدان المعنى والهُــوِيَّة؛ لأَنَّهم يدركون أن الاغتراب يؤدي بالضرورة الموضوعية إلى عدم إحساس الفرد بفهم الأحداث التي يرتبط بها، وعندما يكون الفرد غير متبصر بما يجب عليه أن يعتقده -أي عندما تكون معايير الوضوح في صنع القرار لدى الفرد غير موجودة- حينئذ يوصف الفرد بأنه غير قادر على الاختيار بين البدائل، ومعنى ذلك هو الإحساس بفقدان القدرة على ضبط الحوادث ونتائجها، وهو الأمر الذي نجده كحقائق موضوعية تتفاعل مع الواقع منذ حادث انهيار البرج في أمريكا في 2001م وحتى سقوط بغداد في 2003م وما تلى ذلك من خطاب سياسي وثقافي وفكري حول حوار الحضارات، وحول الفوضى الخلاقة، وبزوغ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي باشرت “إسرائيل” في تنفيذه في 2006م فكانت حرب تموز في لبنان بنتائجها العكسية التي أحبطت المشروع، بمثابة البزوغ للبدائل والتي تمثلت في المصطلح الناعم للربيع العربي، ولم يشذ اليهود عن منهجهم القديم فقد أشاعوا الفوضى الخلاقة في ثورات الربيع العربي وسمعنا من يقول بها ويقول بسقوط الأيديولوجيا، وبزغت تحت سماء هذه الثورات دولة الخلافة الإسلامية «داعش» بما تركته من أثر تدميري في المستويات المتعددة، ولم تكن السعوديّة كأدَاة من أدوات الصهيونية بمنأى عن هذا المسار فقد كانت الحاضن الفكري والصانع الحقيقي لـ«داعش» كبديل للقاعدة، وباشرت داعش بهدم حضارة البابليين في العراق وتَدمّـر في سوريا وقتلت وأبادت واستباحت ولم تُبْقِ ولم تذر وعملت على تشويه الصورة المثالية والأخلاقية والإنسانية للإسلام.. وقد قال أحد المسؤولين اليهود متفاخراً: إن “إسرائيل” تحارب الإرهاب في جبهات متعددة وهي لن تسمح للحركات الإرهابية بالاستمرار في الوجود، وها هي اليوم تعمل آلتها الحربية في فلسطين قتلاً وتدميراً وإبادة جماعية وتريد -وفق التصريحات- الاتّجاه إلى لبنان فهي تسعى للقضاء على الإسلام وعلى حركات التحرّر الإسلامية سواءٌ أكانت سنية أم شيعية.
لقد بلغت “إسرائيل” غايتها في التمكين لنفسها في فلسطين عن طريق ضرب الإسلام من داخله وتشويه صورته وتصديره كعدو للحضارات وللإنسانية جمعاء، وساعدتها أسرة آل سعود -حكام المملكة العربية السعوديّة- في الوصول إلى حالة التمكين هذه، حتى عدوان المملكة على اليمن بكل توحشه وتدميره وبكل ما يستخدمه من أسلحة محرمة دوليًّا ومجرمة أصبح تبريراً لـ “إسرائيل” في ممارسة ما يماثله في فلسطين وقد صدرت منهم تصريحات تؤكّـد ذلك.
ثمة إشارات تبعثها الأحداث، ولعل في حركة التطبيع مع الأنظمة الخليجية ما يؤكّـد أن النظام السعوديّ والخليجي على وجه العموم لم يبرح نقطة الأدَاة الاستخبارية منذ نشأته وهو حتى اليوم لا يزال مرتبطاً بالحركة الصهيونية العالمية عن طريق الجهاز الاستخباري البريطاني، وهذه الحقيقة لم تعد خافية ولا يجادل فيها إلَّا مكابر.
ولذلك فالمعركة اليوم مع اليهود هي معركة وجود ولا بدَّ لنا من إدراك أبعادها ومستوياتها المتعددة.