رسائل عملية القدس: استمرار المقاومة الرد الانجع على الاحتلال والتطبيع
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||جهاد حيدر/ العهد الاخباري
مع أن عملية القدس هي امتداد لعمليات سابقة نفذها الشباب الفلسطيني ضد الاحتلال، لكن خصوصيتها تنبع ايضا، من رسائلها الامنية والسياسية التي تمتد ظلالها ومفاعيلها، من اروقة القرار السياسي والامني في تل ابيب، الى عواصم التطبيع العربي، وصولا الى مؤسسات القرار الدولي.
جسَّدت عملية القدس، مرة أخرى، الابداع الفلسطيني في تجاوز الاجراءات الامنية، ومنظومة الانذار الاستخباراتي التي تهدف الى احباط العمليات قبل تنفيذها. ووضعت المؤسسة العسكرية والامنية امام تحدي، يقر قادتها بالعجز عن اجتراح سبل رد ناجعة في مواجهتها.
أحبطت عملية القدس رهانات المتربصين بالانتفاضة وأسقطت مزاعم الاحتلال حول نجاح أجهزته في قمعها وردعها. وأكدت مرة أخرى على تبني الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة باعتبارها الرد الناجع على الاحتلال وسياساته.
شكلت عملية القدس، ردا أكثر من نجاع على سياسة الهرولة والانبطاح أمام عربدة الاحتلال الذي يفاخر بجرائمه وبسياسات التوسع الاستيطاني.. وأكدت على حجم الهوة التي تفصل بين الشعب الفلسطيني المقاوم وبين بعض قادته الذين يقرون بعجزهم عن انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، حتى وفق السقف المتدني الذي يتبنونه كجزء من خيار التسوية.
أكدت عملية القدس، على أن خيارات الشعب الفلسطيني ليست محصورة بين التسوية وبين الخضوع والاستسلام. وهو ما يحاول أن يزرعه الاعلام التطبيعي، في محاولة لإضفاء طابع عقلاني على خيار تسوية الحد الادنى، باعتبارها الاقل سوءا من اللاشيء والخضوع للاحتلال. وتأتي العملية ترجمة لمفهوم صناعة الخيار البديل، الذي يُحوِّل ما يبدو أنه محال، اي التحرير، بالقياس الى موازين القوى والظروف السياسية الحالية، الى ممكن ثم الى واقع فعلي.
أتت عملية القدس، ردا على سياسة الدفع نحو التطبيع بأبخس الاثمان، بل بدون أثمان فعلية، (ولا أثمان فعلية تبرر التطبيع إلا التحرير الكامل). ويمكن التقدير أن عواصم التطبيع شعرت بأن هذه العملية أصابتها في الصميم وكشفت عن حقيقة موقف الشعب الفلسطيني من هذا الخيار الانهزامي.
في السياق نفسه، تؤكد العملية حقيقة أن الشعب الفلسطيني ليس بوارد تلبية متطلبات واولويات انظمة تتبنى مخططات اقليمية ترى أن ممرها الالزامي للنجاح لن يكون إلا على تضحيات والام الشعب الفلسطيني. وأظهرت هذه العملية حصانة المقاومة الشعبية الفلسطينية من التأثر بإيحاءات “سعودية”، وفتاوى محبِطة، ومحبَطة.
أسقطت عملية القدس، مع ما سبقها وسيعقبها، مجموعة عناوين يتم الترويج لها اسرائيليا وفلسطينيا. من جهة، تحاول قيادة اليمين الاسرائيلي وعلى رأسه بنيامين نتنياهو، الترويج لخيار الجمع بين الاحتلال الدائم والامن للمستوطنين. وبالتالي لن يضطر الجمهور الاسرائيلي الى دفع اثمان مؤلمة في هذا الطريق. لكن عمليات المقاومة قوَّضت هذا المفهوم، ويتوقع في حال استمرارها أن يكون لها مفاعيلها السياسية في الداخل الاسرائيلي.
ايضا، يحاول الاحتلال، والكثير من المهزومين والمتآمرين، الترويج لعدم جدوى خيار المقاومة لدى الشعب الفلسطيني. في محاول لدفعه الى اليأس والبحث عن سبل أخرى، أكثر أمنا للاحتلال، بذريعة موهومة، أنها أكثر جدوى في الطريق الى تحقيق ما أمكن من الاهداف. لكن انطلاقة الانتفاضة الاخيرة، بأساليبها المتنوعة، وبكونها امتدادا لنهج المقاومة الذي اعتمده الشعب الفلسطيني طوال تاريخه، وصولا الى عملية القدس المؤلمة، وجهت ضربة قاسية هذا الرهان. وفي حال استمرارها وتصاعدها يمكن لها أن تشكل ضربة قاضية لهذا المخطط الاكثر تهديدا على مستقبل القضية الفلسطينية من الاحتلال نفسه.
على مستوى المفاعيل، أدركت القيادة الاسرائيلية خطورة مفاعيل عملية القدس، فبادرت الى سلسلة خطوات سياسية واعلامية وامنية، تهدف الى الحد من تداعياتها في الواقع الاسرائيلي. ضمن هذا الاطار، تأتي محاولة نتنياهو وضع العملية في سياق الارهاب العالمي الذي يضرب في الشرق والغرب. ويهدف من وراء ذلك الى تحقيق عدة اهداف في آن، منها، أن الارهاب العالمي، والمقاومة في لبنان وفلسطين، هم فروع متعددة من شجرة واحدة. وفي محاولة للتنصل من حقيقة ان استمرار الاحتلال هو سبب انطلاقة واستمرار المقاومة التي تأخذ اشكالا متنوعة وفقا للظروف والمتغيرات.
في مواجهة مفاعيل الفيديو الذي يُوثِّق فرار جنود الاحتلال أمام المقاوم الفلسطيني، ضخ الاعلام الاسرائيلي سلسلة من المواقف والتقارير التي حاولت أن تحد من التأثيرات السلبية لصور الجنود الفارين، تارة عبر تبرير فرارهم.. وأخرى من خلال محاولة اختلاق رواية اخرى لما جرى.. خاصة وأن القضية تتصل بنظرة الجمهور الاسرائيلي الى جنود الجيش الذي يفترض أن يحمِي الكيان الاسرائيلي ويوفر الامن لمستوطنيه.