طائرة (يافا) تهوي بالكيان الإسرائيلي
في الساعات الأولى لفجر الجمعة 20 يوليو وفي ذروة هدوء “تل أبيب” والجميع نيام تحرسهم دولاً وحكومات قيل عنها إسلامية، ومنظومات دفاعية ضنوا أنها “حصينة”، وطيران حربي يلاحق “الأجسام المشبوهة” المتجهة إلى مركز الكيان ورمز كبريائه، كان رجال الله وجنده في يمن الإيمان والحكمة، قد أكملوا تجهيزات تنفيذ عملية قلب الطاولة وخلط الأوراق، وحين صدرت التعليمات، أطلقت طائرة “يافا” لتدشن المرحلة الخامسة من التصعيد ضد الكيان الصهيوني، معلنة بدء مرحلة جديدة من الصراع مع عدو الأمة لا مكان فيها للهزائم والانتكاسات.
أصابت طائرة” يافا” قلب الكيان و عاصمته، وكر المؤامرات ومنبع الشرور، محدثة صدمة غير مسبوقة لقادة الكيان فقد سبت أمنهم وكسرت شوكتهم وأنهت “ردعهم” وبددت أحلامهم وعبثت باستقرارهم وأسست لزوالهم، بما أحدثته من تأثيرات كبرى ، عسكريا وأمنيا وسياسيا لن تنتهي آثارها في حدود الكيان.
ما يؤكد حجم الكارثة التي حلت بالكيان الإسرائيلي، كشف الفجوة الكبيرة بين قادة الكيان والمستوطنين الصهاينة ، فأول النتائج فقد الصهاينة الثقة بحكومتهم، وظهر ذلك جليا في حديث الإعلام العبري الذي سخر من وزير الأمن الصهيوني “يوآف غالانت” وقال عنه بأنه نائم، في حين أنّ كل إسرائيل استيقظت”، و”لم يبقى سوى التأكيد من يقظة رئيس الاستخبارات العسكرية “أمان”، شلومي بيندر”، فيما أعربت وسائل إعلام عبرية عن “أسفها لعدم سقوط المسيّرة على بيت أحدهم (المسؤولين الإسرائيليين)”.
وعلى هرم السلطة الصهيونية بدى الفشل واضحا حين أعلن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلغاء سفره إلى الولايات المتحدة، ما يكشف فقدان ” نتنياهو” الثقة حتى في واشنطن الداعم الأكبر للكيان، ومن حقه أن يعتقد ذلك بعد هروب الولايات المتحدة بأفتك قطعها الحربية من البحر الأحمر لفشلها الذريع أمام اليمن.
زعيم المعارضة “الإسرائيلي”، “يائير لابيد”، أكد أنّ “من فقد الردع في الشمال والجنوب يفقده أيضاً في قلب تل أبيب”، مشدداً على أنّ “انفجار المسيّرة دليل آخر على أنّ الحكومة لا تستطيع توفير الأمن”، مضيفا أنه مدرج في القائمة المختصرة للأشخاص الذين يحصلون على التحديثات الأمنية في الوقت الفعلي لكنه لم يتلقى أي بلاغ.
وعندما يصرح وزير “الأمن القومي الإسرائيلي” إيتمار بن غفير عن عملية القوات المسلحة اليمنية بالقول: “لقد فقدنا الأمن في “إسرائيل”، وتم تجاوز الخطوط الحمراء”، فيعني إعلان فشل جهودهم وتجهيزاتهم وخططهم الأمنية التي راهنوا عليها لحمايتهم من التهديدات الكبرى للكيان، وهذا له تبعات على العدو لأن سيضطر لإلغاء كل الخطط والتجهيزات الأمنية السابقة والبدء من نقطة الصفر، بما يترافق مع ذلك من تكاليف مادية ومعنية تفوق التوقعات.
وعزز من ذلك الفشل تصريحات عضو “الكنيست” جدعون ساعر الذي أكد أن ما حدث في “تل أبيب” خلل خطير وجاء بثمن مؤلم، وهو ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرنوت” حين ذكرت أن وصول طائرة مُسيّرة وانفجارها في يافا “تل أبيب” يكشف عن ثغرة أمنية كبيرة لدى الجيش الصهيوني، لينهي الناطق باسم جيش العدو الإسرائيلي الجدل بالقول إن “نظام الحماية لا يضمن حماية 100% وأن العمل جار على تحسين قدراتنا وقمنا بتعزيز قدراتنا الدفاعية وسط البلاد وفي سمائها لتحسين قدرات الكشف والإنذار” وهو نفسه من تبجح في أوقات سابقة بأن “تل أبيب” آمنة تماماً من أي طيران معادي.
تهديد من نوع مختلف
في ذات السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن خبراء أسلحة القول بأن “هناك فشل في التصدي للطائرات بدون طيار والتي تشكل تهديدا من نوع مختلف”، مضيفة: أن “تسلّل الطائرة بدون طيار منفردةً، ودون أن يتم إسقاطها أو حتى إطلاق أي إنذاراتٍ تحذيرية، يُعدّ “خرقاً نادراً للدفاعات الجوية الإسرائيلية المتعددة الطبقات وإذا لم يتم بالفعل اكتشاف الطائرة اليمنية في سماء “تل أبيب” فإنّ ذلك سيكون تطوراً مثيراً للاهتمام ليس بالنسبة لليمنيين فقط وانما على مستوى المحور”.
زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان من جهته قال: إن “الحوثيين” ألحقوا بنا أضرارا اقتصادية هائلة ويجب ألا نكتفي وعلينا تدمير ميناء الحديدة”.
في الإطار نفسه، قال عضو “الكنيست” ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، إنّ “من لا يمنع الصواريخ على كريات شمونة وإيلات يجب ألا يتفاجأ بوصولها إلى تل أبيب”.
طائرة يافا تدخل الرعب لقلوب الصهاينة
تلك الطائرة التي تحدث العدو عنها ذات يوم بأنها لا تشكل خطورة، ها هي اليوم تسلب أمن “تل أبيب” بعد أن مرت بكل أنظمة الرقابة الأمريكية والبريطانية وغيرها كما تحدثت بذلك إذاعة جيش العدو الإسرائيلي .
رئيس السلطة المحلية في “تل أبيب”، رون حولداي، أعلن أنّ “تل أبيب – يافا انتقلت إلى حالة تأهب قصوى”، فيما تحدّث الإعلام العبري عن فقدان “إسرائيل” للردع أمام اليمن، و أنّ ما جرى في “تل أبيب” ليس أقل من الوهن، واصفة ما يجري أنه فشل عملياتي خطير و فشل أيضا لأي رادار ليتحدثها إثرها إعلام العدو جيشهم الجبان أُصيب بعمى كامل في فترة كل المنظومات فيها مستنفرة على نحو مرتفع.
الإقرار بالفشل من قبل العدو يدلل على حجم الخسارة الهائلة، ومستوى الارباك والتخبط، لأن العدو لم يعتاد هذه الصفعات، ومن ذلك ما ذكره محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي أشار فيها إلى أن استهداف “تل أبيب” يأتي في ظل الحرب وذروة استنفار “الجيش” الإسرائيلي، و المسافة التي اجتازتها المسيرة قبل انفجارها في “تل أبيب” كانت 9 ساعات في الهواء بعد 9 أشهر من الحرب، وأكد أن انفجار الطائرة المسيرة هو فشل كبير خاصة وأن سلاح الجو بكل أنظمة دفاعه لم يستيقظ إلا بعد انفجار الطائرة،
مقدمة لإخفاق مستقبلي
وعلى وقع الصدمة باشر العدو الإسرائيلي في تحليل أبعادها وما يترتب على نجاح طائرة يافا المبهر، وما هي أهدافها المستقبلية، فقد وعلق موقع “إنتل تايمز” الاستخباري الإسرائيلي بالقول: “اليوم تل أبيب، وغداً سيوجهون نحو منصة الغاز”.
وتحت عنوان “يا لها من دولة وهم وندم”، علقت منصة إعلامية إسرائيلية على ارتباك الناطق باسم جيش العدو إزاء الحادثة، بحيث قال أولاً إنه “لا توجد إشارة إلى اختراق من البحر”، مستخدماً عبارات “لم نرَ”، و”لم نسمع”، و”سنفحص”، و”سنوضح”، ثمَّ “فجأةً، (قال) بأعجوبة ومعجزة: رأينا وسمعنا” وتساءلت المنصة الإسرائيلية: “أي متحدث باسم الجيش الإسرائيلي يجب أن نصدّق؟ ذلك الذي لا يعرف، أم ذلك الذي يُهدّئ”؟
بدوره، أكد المراسل العسكري في القناة الـ”14″، هيلل روزن بيتون، أنّه “كان على رئيس الأركان وقائد سلاح الجو أن يقدّما بياناً إلى الإسرائيليين، لا المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي، مع كلمة واحدة بسيطة: فشلنا”، وأضاف روزن بيتون أنّه كان عليهما الاعتراف بالتهم الموجّهة إليهما وإلى عناصرهما “الذين فشلوا مجدداً في حماية الإسرائيليين، على الرغم من كل وسائل الدفاع الأكثر تقدماً في العالم التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي”.
فشل التفوق الجوي الصهيوني
واعترف مسؤول في جيش العدو لصحيفة كالكاليست أن التفوق الجوي في “إسرائيل” لم يعد مطلقًا وأي شخص يقول خلاف ذلك فهو مخطئ ومضلل، مضيفا أن عملية استهداف “تل أبيب” بطائرة مسيّرة من اليمن تعتبر 7 أكتوبر للدفاع الجوي الإسرائيلي، مضيفا أن العملية اليمنية خلطت الأوراق وبطريقة تشير إلى أن “إسرائيل” دخلت في عصر لم تعد فيه آمنة وهي عرضة وسكانها لهجوم جوي مفاجئ لا يتم منعه مسبقاً.
كما قال القائد السابق للفيلق الشمالي في جيش العدو نوعم تيبون : “على المستوى الاستراتيجي استهداف “تل أبيب” بالطائرة المسيرة اليمنية جزء من إخفاق الـ7 من أكتوبر”، وأضاف: “سمحنا في السنوات الأخيرة أن يبنى حولنا حزام ناري والآن انكسر الردع الإسرائيلي وقد سمح اليمنيون لأنفسهم بضرب “تل أبيب”.
وعلّقت صحيفة جوزليم بوست العبرية عن العملية بالقول: ” إن الأمر المخيف ليس أن “الحوثيين” تمكنوا من قصف “تل أبيب” بل أن هذه الحادثة صدمت المؤسسة الدفاعية، مضيفة أن الهجوم من اليمن على “تل أبيب” ترك السكان في حالة صدمة، وشعورهم بالأمن قد تحطم.
وعلى مستوى الاحباط الصهيوني والعجز عن المواجهة، فقد ذكر معهد أبحاث الأمن القومي لكيان العدو أن من الواضح أنه من دون وقف إطلاق نار بغزة فإن “الحوثيين” سيواصلون مهاجمة “إسرائيل”، مؤكدا أن هناك صعوبات تعوق إيجاد حل عسكري لتهديدات “الحوثيين”، فيما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن “الحوثيين” يمثلون مشكلة خطيرة لـ “إسرائيل” بعد هجوم “تل أبيب”.
وعلى ذات الصعيد، فقد اعترف المسؤول السابق في “الشاباك” دورون متسا أن على “إسرائيل” أن تعلم أنها أمام حرب مختلفة و المُسيّرة التي استهدفت “تل أبيب” هوت بالكيان نحو الأرض، مضيفا أن الكيان في حرب استنزاف ليس لدى المسؤولين أجوبة على جزء من التهديدات التي وضعها الجيش اليمني أمام الكيان.
رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” ووزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان فقال في تصريحات له: “من لا يمنع الصواريخ على كريات شمونة وإيلات، يجب أن لا يتفاجأ بتلقيها في “تل أبيب”، وأضاف: “كل من يعتقد أننا يمكن أن نواجه اليمنيين الذين لديهم قدرات استراتيجية كأفضل الدول ولديهم قدراتهم الهائلة فهو مخطئ”، وأضاف: “لا يمكننا أن نواجه اليمنيين مباشرة إنما بالضغط على الدولة اليمنية وفرض حصار عليها حتى لو أضر ذلك بالمدنيين”.
ونقلت مجلة “تايمز أوف إسرائيل” عن قادة عسكريون “إسرائيليون” في تصريحات خاصة إن إحدى مشاكل التعامل مع “الحوثيون” هي أنه لا يمكن ردعهم، مؤكدة تراجع حاد في بورصة “تل أبيب” في ظل مخاوف من رد من اليمن على هجوم الحديدة.
رحلة جديدة من الحرب
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، أن استهداف مسيّرة يافا “تل أبيب”، هو مؤشّر على “مرحلة جديدة من الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) بين الكيان الإسرائيلي ومحور الجهاد والمقاومة ، والتي تسير نحو ارتداء ثوب حرب إقليمية متعددة الجبهات”.
وأوضح هارئيل: “لقد كانت تل أبيب ومنطقتها هدفاً لإطلاق صواريخ كثيرة من حركة حماس في غزّة، في بدايات الحرب، ولكن مع (اجتياح) القطاع، تراجع ذلك التهديد على مركز البلاد كثيراً، كما أن حزب الله الذي يمتنع حتى الآن عن حرب كاملة، لم يهاجم مناطق تتجاوز جنوب بحيرة طبريا، لافتا إلى أن “الاستهداف الاستثنائي لمركز البلاد”، لاقى اهتماماً إعلامياً مثيراً وباتت تُسمع طلبات متزايدة في الشبكات الاجتماعية واستوديوهات القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، ” لإطاحة رؤوس المسؤولين (الإسرائيليين) عن الخلل في منظومة الدفاع الجوي التي لم تُفعّل”.