غزة تحت النار والدمار

 || تقرير || 

 

منذ اللحظة التي بدأت فيها القذائف الأولى للكيان الإسرائيلي تنهمر على غزة، تحولت المدينة الساحلية الصغيرة إلى ساحة حرب شاملة، القطاع الذي يعاني أصلاً من حصار خانق منذ سنوات، وجد نفسه مجدداً في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة.

 الأسلحة التي استخدمت في هذا العدوان لم تكن تهدف فقط إلى تدمير البنية التحتية أو مواجهة عناصر المقاومة، بل كانت تستهدف بشكل مباشر الوجود الفلسطيني في القطاع بأكمله. حتى الآن، ـ وحسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية ارتكب جيش العدو الإسرائيلي (3,493) مجزرة، ما أسفر عن سقوط أكثر من  (50,000) شهيد ومفقود ، بينهم (10,000) مفقود ، كما أدى العدوان إلى نزوح 2 مليون فلسطيني..

 

 مجازر متكررة: وحشية بلا حدود

كل يوم يمر على غزة يحمل معه المزيد من الأخبار المفجعة عن مجازر جديدة ارتكبتها قوات العدو الإسرائيلي. الأحياء السكنية التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى مقابر جماعية بفعل القصف العشوائي الذي لم يترك حجراً على حجر. حتى الآن، تم انتشال (520) شهيداً من (7) مقابر جماعية داخل المستشفيات، بينما استشهد (40,005) شهيداً ممن وصلوا إلى المستشفيات، منهم (16,479) طفلاً، و(11,102) امرأة، بالإضافة إلى (115) طفلاً رضيعاً وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية، و(36) شخصاً استشهدوا نتيجة المجاعة، حتى الآن، يعيش (17,000) طفل بدون والديهم أو بدون أحدهما، وهناك (3,500) طفل معرّضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.

 

 استهداف المستشفيات والمنشآت الطبية وفرض حصار قاتل

لم تتوقف الجرائم عند استهداف الأحياء السكنية، بل طالت المستشفيات والمراكز الطبية التي كانت تقدم خدماتها القليلة في ظل ظروف شديدة الصعوبة. حتى الآن، تم إخراج (34) مستشفى و(80) مركزاً صحياً عن الخدمة و162 مؤسسة صحية و 131 سيارة إسعاف بسبب القصف، مما أدى إلى فقدانها القدرة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة لآلاف الجرحى والمصابين. بالإضافة إلى ذلك، فإن (350,000) مريض مزمن في خطر بسبب منع إدخال الأدوية، و(12,000) جريح بحاجة للسفر للعلاج في الخارج، و(10,000) مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج، و(3,000) مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج في الخارج. كما يعاني القطاع من نقص شديد في اللقاحات، حيث يمنع الاحتلال إدخال (1,300,000) جرعة لقاح إلى قطاع غزة. النساء الحوامل أيضاً يعانين بشدة، مع تعرض (60,000) سيدة حامل تقريبا للخطر لانعدام الرعاية الصحية. كما تسبب الحصار في إغلاق جميع معابر قطاع غزة لمدة (102) يوم، مما زاد من حدة الأزمة الإنسانية داخل القطاع.

 

انتشار الأمراض والأوبئة: كارثة صحية تضرب غزة

مع استمرار العدوان وتصاعد حدة القصف، بدأت البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة تتعرض لأضرار جسيمة، مما أدى إلى تلوث مياه الشرب وانتشار الأمراض المعدية فقد بلغ عدد المصابين بأمراض معدية نتيجة النزوح (1,737,524)، بالإضافة إلى (71,338) حالة عدوى التهابات كبد وبائي بسبب النزوح. هذه الظروف الصحية السيئة أدت إلى تفشي الأمراض والأوبئة بين السكان، خاصة في مراكز الإيواء التي تكتظ بالنازحين الهاربين من القصف.

 

جرائم مستمرة خلف القضبان

في الوقت الذي تعاني فيه غزة من القصف والحصار، تستمر معاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هؤلاء الأسرى الذين يحتجزون في ظروف غير إنسانية، يتعرضون لمزيد من القمع والانتهاكات مع كل تصعيد في غزة.

الإهمال الطبي هو أحد أبرز أشكال المعاناة التي يتعرض لها الأسرى، حيث يحرمون من العلاج اللازم لأمراضهم المزمنة. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الأسرى للتعذيب النفسي والجسدي، ويتم عزلهم عن العالم الخارجي وعن ذويهم، في محاولة لكسر إرادتهم ودفعهم للاستسلام فخلال عملية طوفان الأقصى أعتقل الصهاينة (5,000) فلسطيني من قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى (310) حالات اعتقال من الكوادر الصحية، و(36) حالة اعتقال صحفيين ممن عُرفت أسماؤهم.

 

 غزة تحت الأنقاض

العدوان الإسرائيلي لم يقتصر فقط على قتل الأبرياء وتشريدهم، بل شمل أيضاً تدمير البنية التحتية للقطاع بشكل واسع. حتى الآن، أدى العدوان الصهيوني على القطاع إلى تدمير (200,000) وحدة سكنية جزئياً و(150,000) وحدة سكنية كلياً، بالإضافة إلى (80,000) وحدة سكنية أصبحت غير صالحة للسكن. إضافة إلى تدمير (610) مساجد بشكل كلي، و(214) مسجداً بشكل جزئي، و استهداف (3) كنائس وتدميرها. كما دمر الاحتلال (198) مقراً حكومياً، و(121) مدرسة وجامعة بشكل كلي، و(333) مدرسة وجامعة بشكل جزئي.

 

 

انهيار شريان الحياة في غزة

العدوان الإسرائيلي المستمر والحصار المفروض على قطاع غزة لا يمكن عزلهما عن الأثر المدمر الذي خلفاه على الاقتصاد الفلسطيني في القطاع. فمنذ بداية الحصار قبل سنوات، ومع كل جولة من القصف والدمار، تتدهور أوضاع الاقتصاد المحلي بشكل أكثر حدة.

أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي يواجهها سكان غزة هو البطالة المتفشية والتي تجاوزت نسبتها 50% بين السكان. هذا يعني أن نصف القادرين على العمل يعيشون بلا مصدر رزق، ويعتمدون على المساعدات الخارجية للبقاء. ومع كل ضربة جوية إسرائيلية، تتدمر المزيد البنى التحتية، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية فمنذ بداية العدوان، تقدر الخسائر الاقتصادية في القطاع المباشرة بحوالي (33) مليار دولار. كما تدهورت أوضاع الاقتصاد المحلي بشكل حاد، وارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، فقد القى العدو أكثر من (82,000) طن من المتفجرات على القطاع، خلفت أكثر من 37 مليون طن من الركام بالإضافة إلى تدمير (700) بئر مياه وإخراجها عن الخدمة كما دمر العدو (3,030) كيلو متر أطوال شبكات الكهرباء..

 

 استهداف الهوية الفلسطينية

لم تسلم المنشآت الرياضية والثقافية من عدوان الاحتلال، حيث تم تدمير (34) منشأة وملعباً وصالة رياضية. كما استهدف الاحتلال (206) مواقع أثرية وتراثية، هذه الهجمات لم تكن مجرد استهداف للبنية التحتية، بل كانت محاولة لطمس الهوية الثقافية والرياضية للشعب الفلسطيني.

 

 بصيص أمل في وسط العتمة

رغم القسوة والمعاناة التي يعيشها سكان غزة، يظهر التضامن الداخلي بين أبناء القطاع كأحد أشكال المقاومة المدنية التي تعزز صمود المجتمع. الناس في غزة يتشاركون كل ما لديهم من موارد قليلة، ويقدمون الدعم لبعضهم البعض في مواجهة الكوارث المتكررة. كما أن التضامن الدولي على مستوى الشعوب مع أبناء قطاع غزة مستمر، رغم محاولات العدو الإسرائيلي للتعتيم على جرائمه.

وما تزال بالنظر إلى الوضع الراهن، تبدو الآفاق المستقبلية لغزة قاتمة في ظل استمرار العدوان والحصار، وعدم وجود حل سياسي في الأفق القريب. مع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني أظهر عبر تاريخه الطويل قدرة على الصمود والتحدي، وحتى في أحلك الظروف.

 

المقاومة الفلسطينية: صمود أمام القهر

رغم كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وعدوان، تظل روح المقاومة متجذرة في نفوس أهل غزة. ورغم قلة الإمكانيات والتحديات الكبيرة، تمكنت المقاومة الفلسطينية من الوقوف في وجه الاحتلال، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

هذه المقاومة لم تكن فقط بالأسلحة، بل أيضاً بالمواقف الثابتة والصمود اليومي الذي يظهره سكان القطاع. فهم يعيشون تحت القصف والحصار، لكنهم لا يتخلون عن حقوقهم ولا يتراجعون عن مطالبهم بالحرية والكرامة.

 

المجتمع الدولي: بين العجز والتواطؤ

في ظل هذه المأساة المستمرة، يظل المجتمع الدولي عاجزاً عن اتخاذ أي خطوات فعلية لوقف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن غزة. ورغم البيانات المتكررة التي تصدر عن المنظمات الدولية والدول الكبرى، إلا أنها غالباً ما تكون مجرد كلمات فارغة، لا تتبعها أي إجراءات حقيقية.

الشعب الفلسطيني يحتاج اليوم إلى أكثر من مجرد بيانات دعم، فهو بحاجة إلى خطوات عملية توقف العدوان وترفع الحصار، وتضمن حصوله على حقوقه المشروعة. هذا الصمت الدولي المستمر يعتبر تواطؤًا غير مباشر مع جرائم الاحتلال، ويساهم في استمرار المعاناة في غزة، وهنا نقصد بالمجتمع الدولي تلك الدول التي وقعت على مواثيق حقوق الإنسان ولا نقصد بها الدول التي تشارك الصهاينة جرائمهم فهي أعلنت انحيازها بكل وضوح إلى جانب الصهاينة ورمت بتلك المواثيق عرض الحائط ومنها أمريكا ودول أوربية كبريطانيا وألمانيا وفرنسان وإيطاليا..

إن سكوت بقية الدول يشكل خطرا ليس على الفلسطينيين وحدهم بل على كل دول العالم لأن اليهود يحقدون على البشرية كلها بنفس الحقد الذي يظهرونه في قطاع غزة..

 

غزة تبقى رمزًا للصمود

في نهاية المطاف، تظل غزة رمزاً للصمود والتحدي في وجه الظلم والعدوان. كل بيت مدمر، وكل روح فقدت، هي شهادة على ظلم الاحتلال، ولكنها أيضاً دليل على قوة الشعب الفلسطيني وإصراره على نيل حقوقه. ورغم كل ما يحدث، فإن الأمل في مستقبل أفضل يظل حيًا في قلوب الفلسطينيين.

 

 

قد يعجبك ايضا